تـاج الـنـهـار
عبدالقادر خضر << استطيع ان اقول بثقة كبيرة : ان صديقي الاديب الناقد الصحفي ( فيصل حسين صوفي ) واحد من اهم النقاد الذين انجبتهم اليمن ،ثقافة وموهبة وقدرة على التحليل وهو يكتب او يتحدث عن اي عمل فني اونص ادبي .. ومن المؤسف ان الوظيفة الادارية قد حرمتنا طويلاً من قلم وافكار فيصل صوفي . والان بعد ان ترك الوظيفة الادارية ، نتمنى ان يعود الينا فيصل صوفي الاديب الذي كتب العديد من الاعمال الدرامية للتلفزيون والاذاعة ، ومجموعة من المسرحيات الرائعة التي حققت نجاحات طيبة سواء عند عرضها على خشبة المسرح اليمني ، اوعند تقديمها في بعض المشاركات والمهرجانات المسرحية العربية.> فيصل صوفي .. يحدثنا هنا عن قصيدة غنائية رائعة كتبها الشاعر المناضل عبدالفتاح اسماعيل ، ولحنها وغناها الاستاذ محمد مرشد ناجي .. يقول الصوفي عن قصيدة ( تاج النهار ) . ان ( القصيدة / الملحمة ) تاج النهار . يعزف لنا من خلالها الشاعر عبدالفتاح اسماعيل سيمفونية شعرية رائعة تعد من اروع ماكتب في الشعر الغنائي المعاصر حتى لحظتنا الراهنة .. فالقصيدة تقوم على اساس الهارمونية الدرامية المتموسقة التي تتصاعد حركتها الخارجية من تماوج بنيتها الداخلية .. وهي مثال شعري موفق لمدى قدرة المفردة العامية على اختزان الطاقة الدرامية التعبيرية المركبة ، وتفجيرها - شعرياً - في اللحظة الشعورية المناسبة التي تهيئها للشاعر الفذ لحظة انبثاق الولادة .انظر الى هذه اللوحة الغنائية مثلاً : بكرت غبش عاد الصباح ماحنش قدام ضباب نصف الطريق مابنش فوقي نكاب جنبي ضياح ماهنش عاد الصباح يولد ونوره ماشنش اقرأ هذا ، او اسمعه بصوت الفنان الرائع محمد مرشد ناجي .. وقل لي الاتشعر - حقاً - بحركية الالفاظ وتساوق النغمات .. وتمازج الالوان ؟ .. انها حركة خارجية هادئة تنساب في نعومة الصباح نفسه وهو يرسل الينا اولى تباشير انفاسه الوادعة .. والى ذلك الشعور الكثيف بولادة فجر يهل على الارض.يسوق الينا الشاعر ايضاً في ابياته القليلة هذه استشعاره الرمزي المرهف بقرب ولادة غد ( غير ملوث ) رغم قساوة المرئي على امتداد المنظر .. انظر مثلاً الى قوله في القصيدة الغنائية نفسها بعد ذلك :ياقبوة الكاذي ريحان قلبي يابُنَّتي وفُلتى وجمر حبي وغنوتي ورقصتي وشهد شربي انت الحياة حقيبتي وشمس دربي ان اللغة الشعرية هنا مشبعة بدلالات شعورية - حسية رمزية مكثفة ادت الى انسيابية حركتها الداخلية في سياق ايقاعها الجـــــــمالي .. الم يقل مــــن قبـــــــل (جوستاف فلوبير ) ان جمال الفكرة غير منفصل عن جمال التعبير !! ) وهو مانجده متجسداً هنا في هذه القصيدة بشكل اشد بروزاً واكثر خصوصية وتقطيع الجمل الشعرية الى مفردات فنية تعبيرية مستقلة يمنح القصيدة جمالية غنائية خاصة ، سيما ان الشعر ، على حد تعبير ( فولتير ) لايتالف الامن تفاصيل جميلة .. ومن هنا نرى استنتاجاً على ماسلف ان الشاعر في شعره العامي المتقدم ، ومن خلال شواهدنا السابقة عليه في هذه المطالعة قد استطاع ان يوظف المفردة العامية المشبعة بغنائية تعبيرية مكثفة لخدمة اغراضه الفنية والمعنوية ، والملتزمة لها جس قضاياه الوطنية والانسانية التي مابرح يدافع عنها بفكرة وشعره حتى استشهد في سبيلها . أين هذه الأغنية ؟!انتهى حديث الاديب الناقد فيصل حسين صوفي عن اغنية ( تاج النهار ) التي صاغها شعراً الشاعر الشهيد / عبدالفتاح اسماعيل .. الذي كان يحلوله ان يضع اسماً رمزياً على قصائده هو ( ذويزن ) .. والبسها فنان اليمن الكبير محمد مرشد ناجي لحناً من اجمل الالحان اليمنية .. وقد حققت الاغنية / ولاتزال / عند تقديمها نجاحاً مذهلاً ، واصبحت على كل لسان وفي كل شفاه في جميع المناطق اليمنية .. بل ونجحت على مستوى الجزيرة والخليج .. هذه الاغنية الرائعة التي تعتبر اجمل ماكتب الشاعـر ( عبدالفتاح اسماعيل ) من قصائد ، وصاغ فناننا الكبير محمد مرشد ناجي ( امد الله في عمره ) لها لحناً تفوق فيه على نفسه .. ولم يستطع / في رأيي / ان يقدم بعد ذلك لحناً افضل منه .. هذه الاغنية موجودة في مكتبة التلفزيون ( ق 2 ) الكئيبة / كما انها نقلت نسخة منها / ضمن عشرات من اجمل الاغاني اليمنية لكبار فنانينا / الى الفضائية اليمنية .. ولكن لاننا لانحترم ولانحافظ على مانملكه من ثروة غنائية يستغلها ويحترمها الاخرون اكثر منا ويحرصون على تقديمها .. فأن هذه الاغنية الرائعة مسجونة مثل العشرات غيرها لاحمد قاسم / محمد سعد عبدالله / محمد عبده زيدي / اسكندر ثابت .. الخ / في غرف مغلقة كئيبة وملفات ادارية ممزقة ، واشرطة فيديو مبعثرة !!بينما نشاهد ونسمع من شاشة الفضائية اليمنية والقناة الثانية والبرنامج العام في الاذاعة ، اغنيات والحاناً وكلمات يجب ان يحاكم اصحابها ومن يسمح بتقديمها بتهمة الاساءة للذوق العام .. اما قيادات هذه المؤسسات الاعلامية التي تهمل اعمالاً عظيمة مثل هذه / بقصد او بدون قصد / فاننا نقول لهم :اتقوا الله في تراثنا الفني .. فأنتم تحملون امانة الحفاظ عليه وتقديم الافضل منه .. حتى لايموت هذا التراث العظيم مع موت مبدعيه !!