أضواء
عندما يسألني أطفالي عن الحلال والحرام والعيب والمقبول والصح والخطأ أتعمد ألا أعطي إجابة مباشرة، فلا يسعدني ولا يريحني أن أكون المرجع في تصرفاتهم لأنه سيأتي اليوم الذي لن أكون فيه بقربهم أملي عليهم تصرفاتهم، وفي هذا اليوم أطمح أن يختاروا التصرف الصحيح دون تدخل أو وصاية من أحد.لذا فإنني أسألهم ثلاثة أسئلة على الأكثر: هل هناك سبب علمي أو منطقي يمنع ذلك التصرف؟ مثال: التدخين، مثبت علمياً كضرر للنفس وللآخر وبالتالي لا جدوى من نقاش إن كان مقبولاً أم لا، فالنقاش محسوم علمياً. السؤال الثاني: هل هو تصرف عادل؟ هل يظلم أو يتأذى أحد من جراء ذلك؟ مثال: الاحتفاظ بمبلغ تجده مرمياً في الشارع تصرف غير مقبول لما فيه من ظلم لصاحب المبلغ، أما السؤال الأصعب والأخير فهو: ماذا لو قام كل العالم بهذا التصرف؟ هل هو أمر مقبول لك غريزياً وإنسانياً؟ ما أثر ذلك على الجنس البشري؟ مثال: اختيار جنس المولود- قد يدخل ذلك ضمن إطار الحرية الشخصية... ولكن ماذا لو أعطينا هذا الحق لكل البشر، خصوصاً في ظل التفضيل الاجتماعي للمولود الذكر على الأنثى؟ ماذا سيحدث للتوازن الطبيعي ولمستقبل الجنس البشري؟ وفي كثير من الأحيان يأتيني الرد: ولكن ماذا عن رأي الدين؟ وماذا عن هذه الفتوى أو تلك؟ وردي الدائم هو أن الدين يجب ألا يتناقض مع العلم والمنطق أو العدل أو الأخلاق الإنسانية، وإن كان هنالك تناقض، فإنه مؤقت سيسحقه التاريخ. والأمثلة على ذلك كثيرة في تاريخيا، وتزايدت في عصر الإنترنت والعولمة، فمن تحريم كروية الأرض ودورانها، إلى رفض استخدام التلسكوب في رؤية هلال رمضان، مروراً بإرضاع الكبير والتمتع بالرضيعة، جميعها فتاوى أثارت زوابع وكان نهايتها الهزيمة أمام العلم والمنطق والحس الإنساني السليم.تاريخيا رفض أئمة السُنّة ‘زواج المتعة’ رفضاً قاطعاً وصل إلى تكفير مَن يدعو له، وما إن خرج أبناؤهم إلى الدراسة والعمل في الخارج حتى اخترعوا لهم ستة أشكال من الزواج المؤقت (المسفار، والمسيار، والإنجاب، والسياحي، والمحرم، والعمل) أفضلها يأتي بشروط أسوأ من المتعة، في حين أن تقييم المنطق والأخلاق الإنسانية لكل أشكال ‘الزواج’ الشكلي والمؤقت لم يتغير. نفس النمط ينطبق على الجدل حول ولاية المرأة وقيادتها للسيارة والتعليم المشترك، وها هي كبرى الدول الإسلامية ومشايخها يتناقضون فيما بينهم في مواقفهم من تلك القضايا، في حين لا نجد أي تناقض مع الحقيقة العلمية أن مجموع واحد وواحد هو اثنان.لذا أوثر أن يسبق أبنائي أئمة الدين بالعلم والمنطق والأخلاق بدل أن يتبعوهم بالجهل والتخلف والانحراف.[c1]صحيفة (الجريدة) الكويتية[/c]