عبدالرحمن الراشدكأن العرب لا يكفيهم التشرذم حتى يتم تصنيفهم إلى فئات حسب البندقية لا الموقف السياسي. ولا يمكن أن نفهم ما يحدث، رغم أنه يحدث أمامنا، بسبب تشويه الحقائق وتأويلات البعض لها. لنعود ونقرأ أولا تاريخنا الحاضر، قبل أن نحاول فهم ما يحدث اليوم، فالتزوير مستمر وهو الذي قاد بشكل مستمر إلى تفكير جماعي متدهور.التاريخ الماثل أمامنا اليوم يشهد بأن عمليات التدمير والقتل وتخريب العراق لم يأت من المحتلين، بقدر ما جاء من الأطراف العربية والمجاورة. هذه هي مشكلة العراق اليوم، التي أراد البعض اختزالها بمقولة عرب الحرب. الغالبية العراقية لم تكن ضد إسقاط النظام، بل ساندته بصورة فعالة من خلال المشاركة السياسية المبكرة، لكن عرب الإرهاب تحالفوا وشنوا حربا شعواء، ففعلوا ما فعله الإرهاب في كل مكان آخر في هذه المنطقة المنكوبة. الآن يتم تزوير الحقائق المهمة كما زوّرت معظم فصول التاريخ العربي. صار إسقاط أكثر الديكتاتوريين العرب بطشا جريمة، وصار تخريب النظام السياسي العراقي الحديث، الذي انخرطت فيه كل القوى العراقية، عملا وطنيا. يا لها من تناقضات.ولا يمكن أن نفهم القصة العراقية من دون أن نعرف جيدا القصة الفلسطينية، التي فصولها خذلان ومزايدات وتصفية حسابات، معظمها عربية. اما الجانب الإسرائيلي فلم يكسب الحرب كل هذه العقود، إلا بفضل التزوير العربي وادعاء المواقف البطولية والنضالية، التي لا نرى لها في التاريخ أثرا حقيقيا. فالحرب الكلامية ضد إسرائيل كانت تشن من كل الجبهات العربية كل يوم، في حين كانت تقع الحروب العسكرية مرة كل عشر سنوات، وفي معظمها كانت مبادرات إسرائيلية عدوانية. في أربعين سنة كلامية لم تشن حرب تحريرية إلا مرة واحدة. والذين لاموا الراحل الرئيس ياسر عرفات على مفاوضاته وتواقيعه السلامية، لم يقدموا مرة دليلا على عزمهم على فعل شيء لإزالة الاحتلال، وحل مأساة ثلاثة ملايين فلسطيني في الداخل، ومـأساة ثلاثة ملايين فلسطيني في المنافي والملاجئ. عرب الإرهاب استخدموا الكارثة الفلسطينية في المساومات الإقليمية والصراعات العربية.لن نفهم الوضع العراقي عربيا، لغة وحركة، إلا اذا عرفنا كيف كتبت المأساة الفلسطينية، التي لم يلعب الإسرائيلي فيها إلا دورا واحدا، في حين كان للعرب الدور المستمر في تأكيد التشريد والإبقاء على الهزيمة، وهذا ما يريده عرب الإرهاب اليوم أن يحدث للعراقيين باسم مقارعة العدو. العراقيون، رغم أنها تجربتهم الأولى بعيدا عن سيطرة صدام حسين، الذي دمر النسيج السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالحروب لثلاثين عاما، استطاعوا تأسيس نظام ديمقراطي تلتقي فيه كل الفئات وكل الأصوات. العراقيون، رغم محاولات عرب الإرهاب الناجحة في التدمير، وضعوا دستورا وبرلمانا ومؤسسات حصلت على موافقة أغلبية ساحقة من العراقيين، وهذه بداية جيدة تستحق الدعم لا التدمير. نقلاً« عن الشرق الأوسط »
عرب الحرب وعرب الإرهاب
أخبار متعلقة