القضاء على الفقر مسئولية جماعية
أحمد علي عوض نظراً لأهمية وخطورة قضية الفقر الشائكة وإشكالية وصعوبة القضاء عليه، وبما يحمله من أضرار تترك آثارها على كل جانب وبما يخلفه من ضحايا كثر بين شيخ وطفل ورجل وامرأة وبما التصق به من تساؤلات على مدار سنوات طويلة تبحث عن الاسباب الرئيسة التي تقف وراء ظهوره وسرعة انتشاره حيرت عقول وبحوث علماء النفس والاجتماع والاقتصاد وباحثين خبراء ظلوا يجهلون لعقود من الزمن محاصرة معاني لفظة الفقر ورصدهم تداعياته المأساوية المترتبة عنه . ومع تمكن الغالبية العظمى منهم من بسط أيديهم على الكثير من الحقائق التي كشفت مبهمات مسببات الفقر وإيجازها في بعض المقدمات له مثل نشوب الحروب الدامية المهلكة للحرث والزرع والاخضر واليابس بين البشر بعضهم البعض وكذلك حدوث الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات وغيرها وأيضاً ما تخلفه النزاعات السياسية للقطر الواحد او لعدة أقطار سواء للشأن الداخلي والخارجي وأخيراً الفوارق الطبقية التي أوغلتها أنانية الانسان وحقده الدفين في تدمير كل إيجابي والتجرد من روح التكافل الاجتماعي الذي شرعته الاديان وأقرته الدساتير وخلق فجوة تزداد اتساعاً بين فئة قليلة تريد احتكار سبل العيش والانفراد برغد العيش في ظل حياة تزخر بالرخاء وتنعم بالتخمة والاسراف ، وبين القطاع الاعظم من افراد المجتمعات ممن يعيشون دون المتوسط في أحسن تقدير . والعجيب أنه كلما توغل المهتمون بشئون البشرية في الاقتراب من مفهوم معاني الفقر أحسوا بأن المسافة تزداد بعداً وعمقاً إذ أنهم وخلال استقرائهم للواقع وجدوا أن الاسباب المذكورة سلفاً كمقدمات لوجود الفقر رغم اختفائها عن العديد من الدول الحضارية والمتقدمة اقتصادياً وتلكنولوجياً التي لم تتعرض لأزمات طوال لأي نوع من أنواع الحروب أو الكوارث يعاني أهلها بنسبة كبيرة من الفقر وتعيش مجتمعاتها أزمات حقيقية لم يعرف حتى اليوم مسبباتها ،مما دفع بهم أفراداً ومنظمات الى إعادة عمليات الاستقراء وتكرار المحاولات بغية الوصول الى تأصيل قانون اجتماعي تبنى عليه الدراسات والمخارج بما يؤدي الى إيقاف زحف الفقر وتحديد مساحاته مستخدمين في ذلك اجراءات وقائية تقلل من حجم نشوء الفقر واجراءات علاجية تقوم على الحد من انتشاره واجراءات تنموية تطبيقية تسهم في ترويض شبح الفقر عبر خطط وبرامج التنمية البشرية والشاملة ونقل وضعية الفقير من فرد عبء على وطنه وشعبه الى شخص منتج وفاعل في المجتمع.مما يستدعي استجلاب كافة طاقات القوى الوطنية والاجنبية بما لديها من امكانات ووسائل قادرة على استئصال الفقر من جذوره والقضاء عليه بالكلية عبر مراحل طموحه وفق متطلبات الحياة الطبيعية ، وللوقوف على أهم الحلول والمخارج سنطرق أولاً باب الفقير انطلاقاً من احساسه الداخلي بالمسئولية تجاه نفسه ومدى رغبته في انتشال وضعه المأساوي ومحاولته بجدية في فك طوق العوز والحاجة الملفوف حول عنقه والتي يحددها بدرجة أساسية مدى وعيه وثقافته وبما يمتلك من مهارات فنية ومهنية وحرفية تسهم في خدمة المجتمع وتفرض عنده حالة من التجاوب التفاعلي الذي ينمي في ذهنه حدة درجة الاستعدادات للخلاص مما كان هو عليه والتحول الى ما سيكون عليه وإفساح المجال للتفكير بحزم بمصير مستقبل حياته وتمنحه الحرية في انتقاء طرق الخلاص الاكثر جدوى وفائدة بدلاً من انتظار تدفق المساعدات المالية الشهرية رغم شحتها وعدم كفايتها ، علماً بأن المقطع الاخير للحلول المراد اتباعها من قبل الفقير ترتبط مباشرة ببعض أدوار الجانب الحكومي والتي تعنى بإدراج خطط وبرامج التنمية للبشرية للفئات المستهدفة ضمن العملية التنموية الشاملة والتي ترتكز على تطوير مداركه العقلية وتطويع كافة الانشطة في سبيل تزويده بمهارات جديدة بمخرجات يستوعبها سوق العمل بمواصفاته المحلية والدولية وإنشاء مشروعات إنتاجية صغيرة مدرة عليه بالمال وتنمي قدراته العقلية والابداعية حيث إن هذه المهمة للجانب الحكومي تأتي في إطار وحدانية المسئولية له في حل جميع القضايا والمشكلات العالقة بجسد الامة على أن ذلك لا ينفي مسئولية المجتمع المدني أيضاً في الاسهام والمساعدة بتقديم حلول عملية لأزمة الفقر وعلى الرغم من إشادتنا العظيمة لدور الجانب الحكومي ومساعيه الانسانية والاجتماعية لكن التجارب السابقة أثبتت عجزه عن تحمل المسئولية منفرداً لا لضعفه وقلة حيلته بل لتعاظم وتفاقم حجم القضايا التي باتت تتطلب ضرورة تضافر الجهود وتكاتفها وتدفق الاموال الوطنية والخيرية والاجنبية من أجل استكمال منظومة العمل الخيري بمختلف أشكاله وصوره وتوليد الحس الانساني المعدوم في ذات كل قطاع أفراداً وجماعات كما تتمثل مهمة الجانب الحكومي في جمع شتات جهود مؤسسات المجتمع المدني بجمعياته وهيئاته ومنظماته الخيرية والتنسيق في عملية توزيع المخصصات المالية لمختلف أفراد الفئات المستهدفة منعاً من تكرار تدفق أموال المساعدات من أكثر من جهة لحالة واحدة ووضع حد لازدواجية العمل وظاهرة تشابه أنواع الانشطة وبناء جسر قوي من العلاقات مع الجميع وتفعيل عمليات الرقابة والاشراف حتى وإن كان النشاط ينطلق من قالب يكتسب الطابع الانساني والبحث المعتمد في نجاحه على الجوانب الطوعية لأن ترسيخ أنظمة وأسس ومبادئ معلومة الحدود والمعالم يؤدي الى حد كبير قطف الثمرات اليانعة بصحبة اختزال العمر الزمني للنشاط وزرع الثقة المتبادلة بين جميع الاطراف المترتب عنها الحصول على المزيد من المساعدات المالية الهادفة الى توسعة رقعة العمل الخيري وتخريج مجموعات كبيرة من المستحقين مع نهاية كل عام واستبدالهم في بداية العام الجديد بمستحقين آخرين أملاً في إيجاد نهايات سعيدة خلال فترة زمنية موقوتة وقد تم أيضاً سد الثغرات ومعرفة مواطن الضعف عند كافة أطراف العمل والارتقاء بمستوى وفاعلية الاداء وإنجاز أكبر قدر من المكتسبات المرسومة على محيا الواقع اليمني وقد أزيلت عنه الكثير من صور المآسي ومحو مخلفات الفقر في سبيل القضاء عليه بالكامل .وفي نهاية المطاف تبرز أهمية دور ومهمة الشركات التجارية العظمى المحلية والاجنبية التي يلقى عليها اللوم الكبير في تخليها عن العمل الانساني والمشاركة في صنع حياة أفضل تخلو من مظاهر البؤس والشقاء والقيام بواجبها وعدم الاكتفاء بمهمة حصد الارباح الطائلة وامتصاص دم وعرق الشعوب الكادحة واستنزاف أموالها وقبل الولوج في شرح تفصيلات حيثيات الوظيفة الخاصة بأصحاب رؤوس الاموال الضخمة المحلية والاجنبية والغوص في معطيات أدوات عملها وطرقها ووسائلها دعوني أخوض تجارب دول من سبقنا في هذا المضمار وحققوا النجاحات الكبرى بعد إخفاقات متواصلة لم يأبه لها القائمون على سوق العمل ببلادهم ولم يكترثوا لعوامل الفشل بعد أن اتفق الجميع منطلقين من روح واحدة على الوصول الى المحطات النهائية لغاياتهم الانسانية حيث أن الملفت للنظر في هذا المقام إقبال أصحاب الشركات الكبرى على تكرار التجربة ومحاولة إنجاحها مقابل ما نصت عليه بعض بنود الوثيقة الموقع عليها من حرمان تلك الشركات من الارباح التجارية وإقناعها بقبول ورضا الاكتفاء بالقليل من الفوائد وتحكي التجربة عن اتفاق رجالات من حكومات بعض دول أمريكا اللاتينية وجنوب غرب آسيا وإفريقيا مع مجموعة شركات تجارية كبرى برعاية وفد من منظمة الامم المتحدة واحتضان هذه التجارب بصدر رحب من أجل تخفيف العبء عن حكومات تلك الدول ومحو مظاهر الجوع والفقر والعوز اللا إنسانية من ذاكرة تاريخ أوطانهم لتبقى نقية من حياة الصراعات ووفاء لذكرى الانسانية الداعية الى تحقيق المساواة.وبلادنا بما تمتلكه من مقومات إنسانية حضارية أجدر لها أن تنحو هذا المنحى طالما وأن لديها العقليات الكفؤة والخبرات النفعية القيمة ومضاهاة الدول التي سبقتنا أو على الاقل اللحاق بها شريطة أن يستجيب القطاع الخاص ويثري الدراسات المعدة من المشرع اليمني والخطط والبرامج المستقبلية ويقبل على تجسيد المحتوى الوطني فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة وإن غداً لناظره قريب.وتكمن مهمة القطاع الخاص في إنشاء أسواق عمل محلية خاصة بالفقراء ومنحهم رؤوس أموال على هيئة قروض غير ربحية طويلة الامد بهدف تشغيلها كما عليها توزيع أدوات العمل المطلوبة في السوق بأسعار رمزية وإعادة نمط عمل ونشاط الجمعيات الوطنية التي تختص ببيع وشراء جميع متطلبات الحياة الضرورية والكمالية في سبيل تنشيط بيئة الفقراء التي لابد وأنها ستنجح في تجاوز أزماتها وفي خلق أرضية صلبة يقفون عليها إن التزمت الجهات المشاركة بما عليها من مهام والوقوف بقوة خلفهم ودفعهم للأمام كلما وجدوا تراجعاً والاخذ بأيديهم كلما شعروا بتخاذلهم ( الفقراء ) ورعاية بذرتهم وسقايتها كلما ضمرت أو انتكست.