- قرأت وكذلك تعلمت في المدرسة كما يقرأ ويتعلم أولادنا اليوم أن للطريق آداباً. وأن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم ذكر أن الإيمان بضع وسبعون شعبة إحداها إماطة الأذى عن الطريق، وأن أعمال أمته عرضت عليه فوجد أن من أحسن تلك الأعمال إماطة الأذى عن الطريق، وأن رجلاً أزال شجرة من طريق الناس فدخل الجنة .. وتراثنا الإسلامي مليء بالمواعظ والحكايات المحببة التي تدور حول الطريق .. ولا تخلو كتب الفقه من هذا .. كما يسمع اليمنيون ذلك كل يوم من منابر المساجد والإذاعة والتلفزيون .. ولا أحد في اليمن يخالفك حول هذه الآداب وتلك التعاليم .. لكن من الناحية العملية هناك انفصام .. انفصال للسلوك عن الثقافة أو الإيمان.- في مجتمعنا أو قل مدننا وأحيائنا هناك مائة شعبة من شعب القذارات والمعيقات في الطرق وأسوأ أعمالنا هو الإساءة إلى الطريق والسائرين في الطرقات.الأمر تجاوز الشوك .. هاتوا لنا مثلاً لشارع أو “زغط” أو حي في أي مكان في اليمن ليس فيه براز أو حيوان ميت أو تراب أو مخلفات بناء أو مطب أو بيارة تسفح وتعبر الشوارع أو زجاج أو علبة أو مخلفات قات أو شمة أو بقايا أسماك أو جزارة أو كتل خرسانية أو سيارة واقفة وقوفاً صحيحاً .. بل اذكروا لنا مسجداً تخلو المنطقة المحيطة به من الأذى .. أو شارعاً رأيتم فيه أن سائق حافلة وقف في المكان الصحيح لإنزال الركاب.راكب السيارة يرمي بمخلفاته إلى الطريق .. وصاحب المتجر يتخلص من مخلفاته إلى الشارع والمتسوق يتخلص من قذاراته إلى الطريق وربة البيت ترمي القمامة عند باب منزلها .. رعاة الأغنام في العاصمة يفرغون محتويات براميل القمامة إلى الطريق كي تختار أغنامهم ما تشتهي .. وشعب القذارة لا حصر لها على أية حال عند أهل (الإيمان يمان والحكمة يمانية).- ليت أن واحداً من هؤلاء الذين يغطون الطرقات بالأذى أو الأذيات يقول إنه مؤيد لتلويث الطرقات أو أنه يكره النظافة أو لا يتأذى من الشناعات التي تقع في الطريق .. الجميع مؤمنون على شرع الله ورسوله .. لكنهم واقعون تحت ما يشبه التنويم المغناطيسي .. تنويم اجتماعي .. يؤمن بالشيء ويمارس في سلوكه ما يتناقض مع ذلك الإيمان.ليس هؤلاء وحدهم الذين “يفكرون” بل أيضاً المسؤولون.. كلهم يتكلمون عن ضرورة الحفاظ على المظهر الحضاري للمدينة والشارع وحول البيت .. ويقولون : إنهم ينفقون مليارات الريالات من أجل تنظيف الطرقات والأحياء .. بينما كل واحد منهم يسد الشوارع المجاورة لمنزله بكتل خرسانية ويعيقون السير .. وعيالهم يتسببون بإعاقة الحركة في الشوارع و”يزنطوا” بالسيارات الفارهة وكأن الشوارع ملك آبائهم وأمهاتهم.وبعد هذا كله .. هناك أذى في كل شارع وضع عمداً وبأموال الدولة .. أعني الشوارع المعبدة، لا يوجد في العاصمة شارع واحد ليس فيه حفر .. شوارع تعبد وتسفلت وتظهر مثل “المراية “وبعد شهر تظهر مثل وجه المصاب بالجدري والجذام .. تتقشر هنا وتتآكل من هناك وحفرة هنا ومطب هناك .. يعني مافيش رغبة لدى كل هؤلاء بدخول الجنة.
أخبار متعلقة