الميثاق هو العهد الثقيل المؤكد .وهذا الميثاق أخذه الله تعالى ، على كل من أعطاه الله الكتب ، وعلمه العلم ، أن يبين للناس مايحتاجون إليه مماعلمه الله ، ولايكتمهم ذلك ، ويبخل عليهم به ، خصوصاً إذا سألوه ، أو وقع مايوجب ذلك .فإن كل من عنده علم ، يجب عليه في تلك الحال ، أن يبينه ، ويوضح الحق من الباطل. فأما الموفقون ، فقاموا بهذا أتم القيام ، وعَلّموا الناس مما علمهم الله ، ابتغاء مرضاة ربهم ، وشفقة على الخلق ، وخوفاً من إثم الكتمان . وأما الذين أوتوا الكتاب ، من اليهود والنصارى ، ومن شابههم ، فنبذوا هذه العهود والمواثيق ، وراء ظهورهم ، فلم يعبأوا بها . فكتموا الحق ، وأظهروا الباطل ، تجرؤًا على محارم الله ، وتهاوناً بحقوقه تعالى ، وحقوق الخلق ، واشتروا بذلك الكتمان، ثمناً قليلاً . وهو : مايحصل لهم إن حصل ، من بعض الرياسات ، والأموال الحقيرة، من سفلتهم المتبعين أهواءهم ، المقدمين شهواتهم على الحق . ( فبئس مايشترون ) لأنه أخس العوض ، والذي رغبوا عنه ـ وهو بيان الحق ، الذي فيه السعادة الأبدية ، والمصالح الدينية والدنيوية ـ أعظم المطالب وأجلها ، فلم يختاروا الدين الخسيس ويتركوا العالي النفيس ، إلا لسوء حظهم ، وهوانهم ، وكونهم لايصلحون لغير ماخلقوا له . ثم قال تعالى ﴿ لاتحسبن الذين يفرحون بما أتوا ﴾ أي : من القبائح ، والباطل القولي والفعلي . ﴿ ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ﴾ أي بالخير الذي لم يفعلوه ، والحق الذي لم يقولوه . فجمعوا بين فعل الشر وقوله ، والفرح بذلك ، ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي مافعلوه . ﴿ فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ﴾ أي :بمحل نجوة منه وسلامة ، بل قد استحقوه ، وسيصيرون إليه ، ولهذا قال ﴿ ولهم عذاب أليم ﴾ ويدخل في هذه الآية الكريمة ، أهل الكتاب الذين فرحوا بما عندهم من العلم، ولم ينقادوا للرسول ، وزعموا أنهم ، المحقون في حالهم ومقالهم . وكذلك كل من ابتدع بدعةً ، قولية أو فعلية ، وفرح بها ، ودعا إليها ، وزعم أنه محق وغيره مبطل ، كما هو الواقع من أهل البدع . ودلت الآية بمفهومها ، على أن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير ، واتباع الحق ، إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة ، أنه غير مذموم . بل هذا من الأمور المطلوبة ، التي أخبر الله أنه يجزي بها المحسنين ، في الأعمال والأقوال ، وأنه جازى بها خواص خلقه ، وسألوها منه . كما قال إبراهيم عليه السلام ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين ) . وقال : ( سلام على نوح في العالمين ، إنا كذلك نجزي المحسنين ) . وقد قال عباد الرحمن ( واجعلنا للمتقين إماماً ) وهي من نعم الباري على عبده ، ومننه التي تحتاج إلى الشكر .
|
رمضانيات
ميثـــاق أهل العــــلم
أخبار متعلقة