الشرق..
في القرن التاسع عشر كان الشرق بمثابة الحلم بالنسبة للمجتمع الأوروبي .. كان هو الحنين للخيال احياناً أو للحرية في أحيان اخرى .. كان الشرق يعني للبعض ليس فقط موطن الاسرار ، بل ايضاً وطن العواطف الجياشة .وكما ان هناك مكتشفين اوائل لاي ارض جديدة ، كان هناك رواد كشفوا عن الشرق الفنان المتوهج الغامض .. والسخي في الوقت نفسه !اثمرت رحلات هؤلاء الرواد إلى الشرق نصوصاً أدبية الهبت مخيلة القراء ، وانبتت داخلهم رغبة لاتقاوم في رؤيا الجديد على ارض ذلك الشرق الذي لم يكن وقتها قد باح بكثير من مكنوناته! روايات وقصائد خطها (بيرون) .. (هوجو) .. (جوته) وغيرهم وكانت الشرق ايضاً مصدر الوحي للفن التشكيلي في القرن التاسع عشر بزعامة اسماء ثلاثة تشكل المثلث الرائد الذي قدم أشهر كنوز الفن التشكيلي المستلهمة من الشرق وهم (دولاكرو) و(فرومنتان) و(شاسريو) .البداية كانت بالنزعة الرومانسية التي دفعت بعديد من القراء والفنانين والكتاب إلى الترحال بحثاً عن زاد جديد للخيال . فمن فرنسا خرجت أشهر لوحات مستوحاة من الشرق قدمها ( دولاكرو) أولاً في لوحة جمع فيها بين الموت والتاريخ والرائحة الشرقية ، لكنها كانت بعيدة عن الواقع، مما دفعه للسفر عام 1832م إلى المغرب وكتب : انهم اقرب إلى الطبيعة منا الف مرة .. في ملابسهم وفي اشكال حياتهم .وعند العودة توقف (دولاكرو) في الجزائر ليستوحي أشهر لوحاته ، بل أشهر لوحات الفنانين الغربيين عن الشرق ، وهي التي اطلق عليها (نساء الجزائر) .أما (شاسريو) فقد نحتته الجزائر وهناك كما يقول تعلم كل شيء .. بداية من حب الخيول العربية حتى رؤية السماء بوضوح . و(فرومنتان) انتج لوحات لها رؤيا جديدة وتأثير كبير على العقل الاوروبي تجاه الشرق .ويمكن القول ان (دولاكرو) و (شاسريو) و (فرومنتان) نجحوا في الاخذ بلب الذوق الغربي عبر قرن كامل ، وكان زبائنهم من هواة المجموعات التشكيلية المنتقاة الباحثين عن مذاق الحلم وعبق الشرق واللون الواضح القوي الذي لم يجذوه إلا في اللوحات الفنية !* فاروق الجفري