ناس في كل مكان وزمان ، وعلى مختلف ألوان بشرتهم وألسنتهم وعقائدهم ومللهم وتياراتهم الفلسفية والسياسية دائماً ما يرتاحون الى مساندة ومؤازرة كل حكم صالح قائم على العدالة ورد المظالم وإنصاف المظلومين سريعاً .ولعل القصة التي نحكيها هنا بإيجاز عن السلطانة رضية بنت شمس الدين للمش التي انقذها العدل من بطش أخيها ( ركن الدين ) ، وساندها الشعب حتى اعتلت العرش لأنها لجأت الى مؤسسة العدالة وتقاليدها المعروفة لدى عامة الناس التي أرساها ابوها ، عندما كان أول من حكم مدينة دلهي بالهند مستقلاً عن المسلمين سنة 1229م ، ولكن ماذا حدث عندما تولت مقاليد الحكم هل ألتزمت بتقاليد العدالة ، وتقاليد الشعب الاخلاقية وأعرافهم ونظامهم القيمي ، وكيف كانت نهايتها المأساوية ؟تحكي القصة التاريخية أنه عندما مات والدها السلطان شمس الدين للمش ترك ثلاثة اولاد هم ركن الدين ، الذي ولي الحكم خليفة له ، وعز الدين ، وناصر الدين ، وبنتاً واحدة هي رضية .كان أول ما فعله السلطان الجديد - ركن الدين- أن قتل أخاه عز الدين شقيق الاميرة رضية ، واعلنت غضبها ، ورفضها لما فعله اخوها السلطان في حق أخيها المقتول . وقد حاول السلطان قتلها ولكن هذه المرأة لم تهرب الى خدور الحريم ، أو تخشى المواجهة وإنما فاجأت السلطان القاتل بتقاليد العدالة التي ارساها ابوهما . فقد انتظرت صلاة الجمعة في أحد الايام وقررت مواجهة اخيها الذي خرج الى صلاة الجمعة وصعدت الى سطح القصر القديم المجاور للجامع الاعظم في المدينة مرتدية ثياباً ملونة لكي يعرف الناس أنها مظلومة . واستوقفت الناس وخاطبتهم قائلة إن اخاها قتل اخاه وهو يريد قتلها معه وأخذت تذكر الناس بأيام ابيها ومآثره وما فعله من أجل رعاياه خيراً واحساناً .فاستجابت جماهير المصلين لكلمات الاميرة المظلومة التي مست نوازع العدل في وجدانهم ، وثاروا وتوجهوا الى السلطان ركن الدين قاتل أخيه، وقبضوا عليه ، وساقوه الى أخته التي أجابت عما طرحوه من أسئلة بعبارة واحدة بليغة : " القاتل يقتل".وقامت الجماهير بقتل السلطان قصاصاً لأخيه . ولما كان اخوها ناصر الدين طفلاً صغيراً اتفق الناس على أن تتولى رضية عرش السلطنة ، وارتقت عرش البلاد لتستمر في حكمها أربع سنوات .شؤون السلطانة الجديدة أن تثبت أنها لا تقل صلابة عن الرجال في شؤون الحكم . فكانت تركب الخيول وتسلحت بالقوس والسهام والجعبة ، وتحيط بها حاشيتها وهي راكبة ، كما أنها قصت شعرها ، وارتدت ملابس الرجال وكانت تقود الحملات العسكرية وتجوب الشوارع والاسواق في ملابس الرجال لكي تتعرف على أحوال رعاياها ، وقد اجمع المؤرخون أنها كانت حاكمة من طراز جيد .ولكن الملكة التي رفعتها العدالة الى العرش بأيدي الشعب ، فقدت العرش بأيدي الشعب نفسه عندما بدى للناس أنها خانت تقاليدهم الاخلاقية وداست اعرافهم وانتهكت نظامهم القيمي ، عندما سمحت للحب أن يتدخل في أمور الحكم .لم تكن السلطانة متزوجة ، فوقعت في حب عبد حبشي كان مسؤولاً عن الاصطبلات هو " أمير الخيول" جمال الدين ياقوت ، ومنحته لقباً ورتبة تخطت بها سائر الأمراء وجعلته " أمير الامراء" بدلاً من " أمير الخيول" ولاحظ الجميع أن السلطانة تستأنس بصحبة عشيقها وتتساهل معه لدرجة أنه كان يرفعها من تحت ابطيها على فرسها .فاتفق الناس على خلعها من عرشها وتزويجها من أقاربها ثم صعد اخوها الاصغر "ناصر الدين" الى العرش.ولكن السلطانة المخلوعة التي ذاقت طعم السلطة لم تستطع التخلي عنها بسهولة ، فقد حاولت رضية بنت شمس الدين هي وزوجها استعادة العرش بقوة ، ولكنها منيت بهزيمة نكراء واضطرت الى الفرار وحدها هائمة على وجهها ، حيث لقيت نهاية مأساوية ، وصار قبرها مزاراً يتبرك الناس به حسبما قال ابن بطوطة ، فهل كان ذلك تبركاً بشجاعتها في مواجهة أخيها القاتل ؟ أم بعدالة حكمها ؟ أم نوعاً من التكفير عن الذنب تجاه السلطانة العاشقة المقتولة.* سلال السيد محمد
السلطانة رضية بنت شمس الدين رفعها العدل وقتلها الحب
أخبار متعلقة