محمد زهدي انتهت القضية بين هند وأحمد بحكم قضائي ليس لنا أن نعلق عليه ، وبين أطراف ليس لنا أن نتكلم عن أشخاصهم ولا عن نواياهم والتي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ، ولكننا نحاول أن نبحث هنا عن التوجيه القرآني لمثل تلك القضية المتكررة ، ونقصد هنا الزواج العرفي والذي أصبح وسيلة لخداع الفتيات في بعض الأحيان ، وأصبح هو الحل لزواج الفقراء واليائسين من الزواج الشرعي المتعارف عليه لسوء الحالة الاقتصادية في أحيان أخرى ، والكثير منا يعتبر أن البنت خاطئة زانية فرطت في شرفها وشرف عائلتها وتستاهل قطع رقبتها ، أما الولد فهو رجل ولا يعيبه شيء ودى مجرد نزوة وطيش شباب وعفا الله عما سلف ، وكانت شجاعة وبطولة من الولد عندما أعلنها صريحة:" أيوه أنا مارست معها الجنس، ولكن من يضمن لى أن هذه الطفلة بنتى، فمن تنام معى ستنام مع آخرين!"،واعتبرت تلك الوقاحة صراحة مع أنه اعتراف بالزنا يستوجب اقامة الحد الشرعي عليه ، أما صراحة البنت فتعتبر _ من وجهة نظر المجتمع - سفالة وقلة أدب وقلة تربية، ولم يسأل أحد عن مصير الطفلة البريئة.ولأنها المرة الأولى التي تتحدى فيها بنت مجتمعها وتعلن خطأها عندما رضيت بالزواج العرفى، ومع ذلك فقد قررت الاحتفاظ بالجنين ، والموقف الأكثر عجبا أن والدها ووالدتها ـ وهما من المثقفين ـ قررا الوقوف الى جانبها. واعتقد أن موقفهم لا يجرؤ عليه أغلب - ان لم يكن كل _ الناس ، وبالمناسبة موقفهم يتسم بالرقي والشجاعة في الاعتراف بالخطأ. على الجانب الأخر نجد الممثل الداعية قد أعطى المثال الذي يناسبه للوالد الذى يتخلى عن طفلته البريئة. وكما أعطى والد الفتاة مثلا للأب الذى يقف مع ابنته فى محنتها يواجه معها نفاق المجتمع الذي كان يفضل أن تصمت الفتاة أو أن تجهض نفسها ولا من شاف ولا من دري ، على الجانب الأخر أعطى والد الرجل مثلا سيئا للأب الذى لم يحسن تربية ابنه، ولم يحسن توجيهه عندما أخطأ ، بل انهم شكروا الله وحمدوه على نصرة الحق بعد حكم المحكمة !.ولكن من ايجابيات تلك القضية أن الحكومة قررت تعديل القانون لإثبات النسب بتحليل الحمض النووى ، وتغريم الأب المتقاضى الذى يمتنع عن إجراء التحليل 10000 جنيها إذا ثبت نسب الطفل له بطريقة أخرى. وسيقوم المرصد المدنى لحقوق الإنسان ومركز قضايا المرأة المصرية بالتحرك لتعديل قانون الأحوال الشخصية بإضافة مواد لإثبات النسب. ولكن ماذا عن تشريع القرآن ، يقول تعالى : ( ألا تزر وازرة وزر أخرى ) النجم 53 ، ( ومن يكسب اثما فانما يكسبه على نفسه . ومن يكسب خطيئة أو اثما ثم يرمي به بريئا فقد احتمل بهتانا واثما مبينا ) النساء 111-112 ، بمعنى ألا يكون للضحية البريئة أي ذنب في الجريمة التي اقترفها آخرون طالما الجناة معروفون بل ومعترفون بما اقترفوه من ذنب. كما أن القرآن قد أقر وجوب نسب المولود لأبيه اذا كان الأب معروفا ، وساء كان نتيجة علاقة شرعية أو غير شرعية ، يقول تعالى : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله. فان لم تعلموا آباءهم فاخوانكم فى الدين ومواليكم. وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما ) الأحزاب 5 ، ونجد هنا بوضوح ان رب العالمين سبحانه وتعالى يبين لنا أنه علينا نسبة كل مولود لأبيه اذا عرفنا من هو الأب . وفي حالة أن مولوداً ما قد تبناه غير والده - كنوع من أنواع الرعاية الزائدة أو لظروف معينة - مع معرفة الأب الأصلي ، فهذا لا يمنع من اعطاء الابن النسب لأبيه لتدعيم البنوة والانتماء وحتى لا يحرم فيما بعد من حقه في الميراث .ثانيا: حين نزل القرآن الكريم أقر كل الانساب على ما هى عليه وباعتراف المجتمع بها. وكان من انواع الزواج ما نزل القرآن يحرمه ، مثل زواج من تزوجها الأب ، يقول تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد سلف انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) النساء 22 ، ويقول تعالى" ولاتقربوا الزنى انه كان فاحشة وساء سبيلا ) الاسراء 32 ، وكان هناك كثيرون جاءوا من تلك العلاقات التى حرمها الاسلام ، أي من زنا صريح ، وكانت اذا ولدت احداهن طفلا الحقته بمن تشاء ممن يدخل عليها من زبائنها . كل الذين جاءوا عن هذا الطريق اعترف المجتمع الجاهلى ببنوته لابيه وجاء الاسلام وأقر تلك الأنساب بغض النظر عن الكيفية هل هى بنكاح فاسد ام بزنا صريح ؟ . اعلان الرجل وقوعه فى الزنا يوجب اقامة عقوبة الزنا عليه، بالجلد مائة جلدة أمام طائفة من المؤمنين، دون أن تأخذنا به رأفة. طبقا لقوله تعالى ( الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) النور 2. هذا الحكم لا ينطبق على المرأة التي تتمسك بوجود علاقة شرعية ولكن عليها احضار البينة والدليل ، ومن الممكن للرجل أن ينجو من عقوبة الزنا اذا أعلن توبته، فالتوبة تسقط العقوبة، ولكن التوبة تعنى الاعتراف بالخطأ والندم وعلى عدم العودة اليه، والالتزام بالعمل الصالح ، لقوله تعالى ( الا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) الفرقان 70 ، اى على الرجل ان أراد التوبة فعليه بالاعتراف والاعتذار والعمل الصالح، بما فيه اعترافه بابنته وتكفله بها. والآية 5 من سورة الأحزاب تخاطب عامة المسلمين ( ادعوهم )، وخاصتهم أي أولو الأمر الذين يمثلون المجتمع ، عليهم الحاق الأطفال بنسب الأب اذا كان الأب معروفا. فان لم يكن الأب معروفا فيكون المولود أخا فى الدين وجزءا من المجتمع.ان اثبات نسب المولود لأبيه هو الأقسط والأعدل عند الله تعالى، لأن من حق المولود أن يرث والده وان يتمتع بكل حقوق البنوة وحرمانه من تلك الحقوق ظلم لا يرضاه الله تعالى. وفى عصرنا الحالى لم يعد هناك محل للشك بوجود اختبار الحمض النووى ، وبالتالى لا جدال في نتيجته.ورفض الأب الخضوع لاختبار الحمض النووى يعنى خوفه من الاقرار بصحة نسب الطفل اليه. وهذا الرفض يجب أن يعتبر جريمة يستحق بسببها العقاب. ولا بد من اصدار قانون يلزم الأب فى هذه الحالة بالخضوع لاختبارالحمض النووى واثبات الطفل اليه اذا رفض الخضوع للاختبار، وتغريمه اذا كان قد أنكر نسبة الطفل اليه ثم ثبت بالاختبار انه والد الطفل.أخيرا لقد جاءت قضية هند والفيشاوى لتثبت أننا نحتاج الى اعادة النظر والتفكير في أحوالنا وطرق فكرنا وثقافتنا وتعليمنا ، وبأننا في حاجة لمجتمع يعرف الشجاعة ولا يعرف الخوف ، يعرف الحياء ولا يعرف البجاحة ، يعرف التقوى ولا يعرف التقية ، يعرف الصراحة ولايعرف النفاق ، يعرف الحرية ولا يعرف الانكسار، ويخشى الله سبحانه وتعالى ولا يخشى من الفضيحة والعار.* [email protected] صحفي وباحث في الدراسات الاسلامية
الزمن الفيشاوي
أخبار متعلقة