منذ أسابيع قليلة أنشأ الطبيب النابغ البروفسور عبدالله السياري موقعاً في الإنترنت لكلية عدن والتي شبهها بالكلية البريطانية الشهيرة “إيتن” والدكتور عبدالله السياري من خريجي الكلية في أواخر الستينات من القرن الماضي وعلى الرغم من منصبه الرفيع في عالم الطب في السعودية إلا أنه يحن إلى أيام الصبا الجميلة في كلية عدن التي تخرجت أنا أيضاً فيها عام 1960م وتخرج فيها قبلي شقيقي الدكتور قيس غانم وبعدي شقيقي الدكتور عصام كما تخرج فيها عدد كبير من قادة الفكر والسياسة والاقتصاد والأعمال والطب والهندسة والمحاماة... إلخ.وتجاوباً مع جهود الدكتور السياري النبيلة للوفاء لهذا الصرح الذي قدم الكثير ثم أنطوى لقصر نظر موجات الحكم اللاحقة فقد أرسلت للموقع عدداً من صور افتتاح الكلية ومجموعات الأستاذة والطلبة أما ألأساتذة الذين ندين لهم بالكثير من التأسيس العلمي فاعتقد أن معظمهم قد باتوا في ذمة الله. أما الطلبة الزملاء في الصور فعدد كبير منهم قد رحلوا أيضاً وكنت أشعر بغصة كلما نظرت إلى وجه راحل مما حدا بي إلى كتابة الأبيات التالية وبعثت بها إلى الدكتور السياري الذي سارع بوضعها في الموقع والأبيات تقول:[c1]كل شيء مؤقت ياصديقيغير وجه الرب الوحيد الحقيقي كل شيء سينتهي ويؤدي للردى والقبور كل طريق نحن نسعى إلى سراب ووهم وهباء في سعينا للبريق كل مال وكل جاه سيفنى وسيفنى الرفيق بعد الرفيقفتفكر في كل صبح جديدكيف أفلتَّ من يد التمزيقوتفكر غدا عذاب بقبرثم من بعده عذاب الحريق أو جنان للفائزين وخلدآه يا مهجتي أفيقي .. أفيقي[/c] نسأل الله العلي العظيم الفردوس الأعلى لنا ولأساتذتنا ورفاقنا وموتانا وموتى المسلمين.وفي اليوم التالي بعد كتابة هذه الأبيات وإرسالها قرأت الخبر الموجع عن رحيل الشاعر الصديق عبدالرحمن إبراهيم فشعرت بغصة تخنقني وأنا أتذكر البيت الذي قلت فيه في القصيدة:[c1]“وسيفنى الرفيق بعد الرفيق”[/c]وأيضاً تذكرت بيتاً كنت كتبته منذ سنين في رحيل صديق شاعر أقول فيه:[c1]لماذا كلما أن مات شاعرنحس بغصة ملء الحناجر[/c]طبعاً لأن الشعراء بطبيعتهم الحساسة المرهفة يشكلون في غالبيتهم ضمير الأمة ويعلون قيم الحب والحق والجمال والجلال ويدعون إلى الصدق والعدالة والبطولة والثبات وكل القيم الرفيعة. ألم يقل أبو تمام:[c1]ولو لا خلال سنها الشعر مادرى بناة العلى من أين تؤتى المكارم[/c]علاقتي بالراحل العزيز عبدالرحمن رحمه الله حديثة نسبياً فقد كان أول لقاء لنا كما أذكر في ديسمبر 2005م في العاصمة المثلثة الخرطوم ونحن نشارك في احتفالات الخرطوم عاصمة للثقافة العربية وكنا نسكن في نفس الفندق ومعنا نخبة من الشعراء والفنانين اليمنيين والعرب منهم إسماعيل الوريث والحارث بن الفضل الشميري والعزي المصوعي ومحمد القعود وعمر باوزير وعطروش والشاعر “السوماني” مبارك حسن خليفة وآخرون كما كان يجتمع بنا الوزير الرويشان ومن الملحقية الثقافية مؤسس السومانية شقيقي د.نزار غانم وفي الفندق قضيت أكثر من ساعة أتمشى مع الراحل العزيز عبدالرحمن إبراهيم على ضفة النيل الخالد وقرأت عليه قصيدتي “بخبوخ” هذه القصيدة رائعة مدهشة وقرأنا على بعضنا بعض أشعارنا وأهديته مجموعة شعرية كما أهداني الأعمال الشعرية الكاملة التي كانت قد أصدرتها وزارة الثقافة والسياحة بصنعاء في العام السابق أي 2004م وكتب عليها: «الأستاذ شهاب غانم شاعراً جميلاً وإنساناً بديعاً مع مودتي” وعندما زرت عدن بعد غياب عقود في نوفمبر 2006م للمشاركة في ندوة محمد علي لقمان (وإن كان المرض قد أخرني فوصلت بعد أنتهاء الندوة بيوم) إلا أن الأصدقاء وعلى رأسهم الشاعر مبارك سالمين والدكتور الشاعر أحمد علي الهمداني رتبوا لي أمسية شعرية في اتحاد الأدباء وكانت أعز الأمسيات على قلبي لأنها الأولى في مسقط رأسي بعد أن شاركت بأمسيات في مختلف عواصم ومدن العالم.وقدمني في الأمسية أستاذنا الكبير عبدالله فاضل فارع رحمه الله. وكان في الصف الأول الأستاذ الشاعر عبدالرحمن إبراهيم والشاعر الدكتور أحمد الهمداني كما حضرها عدد كبير من الأدباء والشعراء أمثال مبارك سالمين وشوقي شفيق وعدد من أصدقاء الصبا من المهندسين الذين زاملوني العمل أيام كنت نائب وكيل وزارة الأشغال والمواصلات ومنهم عبدالرحمن شكري وأحمد محمد عبدالقادر وغازي أحمد علي. ألخ.وفي صيف 2008م ذهبت إلى صنعاء لزيارة والدتي المريضة رحمها الله ثم ذهبت مع شقيقي الشاعر الفنان د. نزار غانم إلى عدن في رحلة على حافلة ووجدت برنامجا حافلا من لقاءات تلفزيونية وإذاعية مشتركة مع نزار والمثقف عبدالله باكدادة الشاعر محمد باهيصمي وآخرين وأيضاً لقاء في ملتقى العزاني الغنى بالتسجيلات القديمة من موسيقى عدن واليمن وكانت لنا أمسية شعرية وفنية مشتركة أنا ونزار في اتحاد الأدباء وكان المقدم هذه المرة الراحل العزيز الشاعر عبدالرحمن إبراهيم الذي أكرمنا بتقديم كريم ضاف وألقيت بعض القصائد كما عزف نزار وغنى بصوته الجميل قصيدتي “الأمواج” التي كان قد لحنها على السلم الخماسي وعزف عدداً من القصائد الأخرى من كلماتي وكلمات والدي د. محمد عبده غانم رحمه الله وبعض الأغنيات الأخرى وكانت أمسية ثقافية حافلة حضرها الأصدقاء الذين حضروا الأمسية السابقة وآخرون أمثال الصحفى الشاعر نجيب مقبل والطبيب سالم اليافعي والمهندس عبدالرحمن البصري من زملاء العمل سابقاً كما حضر عدد من الأساتذة المثقفين الذين أثروا النقاش حول محاضرتي عن ترجمة الشعر التي سبقت القراءات الشعرية.هذه بعض الذكريات القريبة إلى القلب لعلاقتي الأدبية مع الراحل العزيز الشاعر عبدالرحمن إبراهيم صاحب القلب الكبير والشعر الشجي والنقد المتميز وصاحب كلمات العديد من الأغنيات لمطربين معروفين.ولنتوقف في آخر هذه الكلمة مع قصيدة للشاعر بعنوان (الكتابة بدمع البحر) كان قد كتبها في يناير 1977م في القاهرة ونشرها في ديوانه الأول” تنويعات مدارية في ذاكرة حبيبتي “فهي من بداياته وتحمل بصماته التي نراها في شعره رحم الله الفقيد الغالي وأسكنه الفردوس الأعلى”.الكتابة بدمع البحر:[c1]أحب البلاد التي صادرتنيأموت على نكهة البرقوالرعد فيهاأشتهيها.. وأشتاق يوماً ويوماً ويوماً إليها وبيني وبين الرمال رمال وبيني وبين الجهات جهات وأرسم وجهها لانشراح المراياوفوق اخضرار الأغاني الجميلات فوق احتلام الحياة وأنسى اغترابي عذابي وأصحو أنادي وهذي بحيرات دمعي تنادي أحب بلادي أشتهيهاأموت.. أموت على بسمة النجم والضوء فيها [/c]
أخبار متعلقة