مع الاحداث
لم يعد مفهوم القطب الواحد والقوة الواحدة ضيقاً، حيث تستحوذ عليه الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الأخيرة باتت تقود استراتيجية وتحالفاً يعمل على تحقيق أهدافها وينسجم مع سياساتها وتطلعاتها ونظرتها وآلية تعاطيها مع الشأن الخارجي. ولعل التنسيق الواضح والجلي بين فرنسا وأمريكا والكيان الصهيوني، مدعوماً بأوروبا، ولعل تبادل الأدوار وتوزيعها واللعب بالإنابة يرسخ هذا المفهوم ويؤكده. ويمكننا القول إن هناك مخرجاً واحداً ولاعبين رئيسيين يقودون الفكرة إلى حيز التطبيق مع المحافظة على جوهر المصالح التي تتمثل في امتصاص خيرات الشعوب واستغلال إمكاناتها وهدر طاقاتها البشرية والمادية. فالرئيس ساركوزي رئيس فرنسا يدعو إلى سياسة “حزم وحوار” لحمل إيران على إعطاء ضمانات بأن برنامجها النووي لا يهدف الى امتلاك السلاح النووي، ويطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء “الإسرائيلي” إيهود أولمرت بركوب “كل المخاطر من أجل السلام”، وبشر الناس، كما بشرت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية مع بداية حرب يوليو/ تموز 2006 في لبنان، بأن “عام 2008 سيكون عام إطلاق مشروع حضاري ضخم: الاتحاد المتوسطي لتعيش كل الشعوب المشاطئة في سلام ووئام وتعاون على أساس مشاريع ملموسة”. مع اختلاف بسيط في المسميات، فرايس دعت إلى شرق أوسط جديد، وساركوزي يدعو إلى اتحاد متوسطي من دون أن ينسى دعم الجامعة العربية في الموضوع اللبناني.وفي السياق ذاته عقد مؤتمر هرتسليا الذي ركز على التهديد النووي، وقدم خبراء أوراق عمل لطرحها أمام عدد من رجال الاستخبارات الامريكية، وبرز بين هذه الأوراق بحث خاص أعده المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات الصهيونية شموئيل بار وفيه يقترح على الولايات المتحدة استبدال العقوبات الاقتصادية على إيران بفرض حصار بحري على منتجات مصافي النفط الموردة الى إيران. ومن الواضح أن “إسرائيل” دخلت على خط المواجهة مع إيران في إطار توزيع الأدوار والتصريحات، مع الأخذ في الاعتبار العلاقة الاستراتيجية بين الكيان الصهيوني وأمريكا، وما إعلان الكيان عن تجربة ناجحة لصاروخ بالستي غير تقليدي يبلغ مداه 4500 كلم سوى رسالة واضحة لإيران بأن الحرب يمكن أن تكون عن بعد والصراع قد يأخذ بعداً غير تقليدي. وعودة إلى البحث “الإسرائيلي” فإن الأسطولين الأمريكي والبريطاني يمكنهما فرض حصار بحري يمنع ناقلات منتجات النفط المصفاة في إيران من الدخول إلى الخليج عبر مضيق هرمز. الأمر الذي يعني في حال تطبيقه نشوب حرب بشكل فوري لأن إيران لن تسكت على محاولات خنقها اقتصاديا. ويتضح توزيع الأدوار أيضاً من خلال بدء المحافظين الجدد والصقور حملة تستهدف منع فرنسا وروسيا من مساندة الدول العربية والشرق أوسطية للحصول على أية مفاعلات نووية سلمية، وحرض سكولسكي المدير التنفيذي لمركزي تعليم سياسات مكافحة الانتشار النووي، على وقف أي مجهودات تقدم لدول الخليج ودول عربية أخرى لبناء مفاعلات نووية سلمية. لقد ضاع دور المؤسسات والمنظمات العالمية وضعف تأثيرها في الساحة العالمية، فمنظمة الأمم المتحدة أضحت لعبة في يد أمريكا، تدعوها للانعقاد متى شاءت وحسب الظروف وتملي عليها القرارات التي تتناسب مع مصالحها، حتى إنه إذا قتل سائق غير أمريكي يعمل في السفارة الأمريكية في بيروت، فإنها تدعو مجلس الأمن للانعقاد، أما قتل عشرين فلسطينياً وحصار قطاع غزة ومنع الدواء والغذاء عن المواطنين فهو أمر لا يستدعي التوقف عنده لأن “الإسرائيليين” يدافعون عن أنفسهم بالطرق المشروعة. من الواضح تماماً خلو المشهد من اللاعب العربي، وإن كان له دور فإنه دور هامشي مدفوع بقرار وموافقة أمريكية وهو يشبه جوازات السفر التي تستخدم لمهمة واحدة فقط، ويبقى العرب غير لاعبين في المشهد العالمي الرئيسي أو المسرح الواحد، وغير لاعبين على مسرحهم، وغير لاعبين على المسرح الإسلامي، ولا الآسيوي، الأمر الذي يطرح سؤالاً: على أي مسرح يؤدي العرب أدوارهم؟! مع التوقف عند أنماط أدوارهم وطبيعتها على مسارحهم الخاصة. إن بقاء الحال على ما هو عليه سيقود العرب إلى مزيد من خسارة الأدوار المرحلية والتاريخية والمستقبلية، وسيفقدهم القدرة على استعادة التحكم بزمام الأمور إلا بخطة شاملة واستراتيجية موحدة ورؤية واضحة، وهو أمر مستبعد حالياً في ظل التشرذم الحاصل والتفكك في السياسات. إن الإشكالية أكبر من مجرد النظر إلى الموضوع من منظور عالمي أو محلي، فالمحلي عالمي والعالمي محلي استناداً إلى تداخل العالم وسيطرة تكنولوجيا الاتصال وثورة المعلومات على إيقاع الحياة، بما تحمله من تغيير في الثقافات والانتماءات والدوافع وأساليب التفكير. لا نريد أن نقحم العولمة في الموضوع، لأن العولمة هي التي أدت إلى نشوء القطب الواحد، وتسعى إلى تكريسه من خلال تحويل العالم الثالث إلى سوق استهلاكي فقط، غير منتج للسلع وغير مبدع للفكر، وإنما تحويله إلى مكان للترفيه، والانشغال بالقوت اليومي