عاش عفيفاً ومات شريفاً
عبدالجبار ثابت الشهابي لم أكن أتصور أن يتجرأ الموت على سلبنا أجمل قلب نابض بالمحبة والإخاء والإيثار.. على سلبنا أعلى همم البناء وإرادات الانطلاق حتى في أحلك الظروف.. على سلبنا ذلك الإنسان النظيف السريرة والكف والجيب في زمن ماعاد يعترف بالنظافة والشرف إلا كديكور ينتفع به في الزينة وفي وقت الحاجة للكذب والتدليس.لم أكن أتصور أن يتجرأ الموت على اختطاف القامة الشامخة في قلبي.. وإن كنت انتظر منه موقفاً حاسماً معي أنا المتعايش مع أهواله في الليالي والأيام، المنتظر قدومه على أحر من الجمر.. ولكنه ويا للأسف توجه إلى زميل المهنة أستاذي القدير علي أحمد عوض القاضي.. فما أجرأه وما أقساه!!هذا الكلام، لا يعني بالطبع أنني أعترض على القدر.. ولكنني ذهلت لهول الكارثة.. والله الآمر من قبل ومن بعد.. فقد كان الظاهر من الرجل أنه يتمتع بصحة لا بأس بها لولا بعض معاناته في الجهاز الهضمي منذ سنوات قليلة.. لكنه كان مع ذلك صاحب إرادة قوية وثقة بالمستقبل مع ما أصابه من معاناة نفسية من عدم القدرة على التواؤم مع متقلبات الحياة.. إنه الرجل المبدئي الثابت على مبادئه في زمن غير كثيراً من الناس فيه عدد من الأقنعة والألبسة.. هذه كانت أعظم مشاكله.. ولكنه تجاوز كل ذلك بشموخ بفضل الله ثم بفضل تعاون زملائه الطيبين.. فبقي في محرابه زاهداً لا ينظر إلا إلى مافي يده.. رافع الرأس.. عفيف النفس.. حتى وهو يعاني من أشد حالات الحاجة.بل إن هذا الرجل “الفقيد علي القاضي” كان حتى وهو في هذه الحال طيب النفس.. خفيف الروح.. لا يتردد عن قسمة ما عنده من قات أو طعام بل إن علبة سجارته مفتوحة للجميع.. ولم يحصل في يوم من الأيام أن قال لأحد لا تأخذ.. أو أنا محتاج.وكان- رحمه الله- إذا جاء لنوبته لا يرضى أن يجلس دون عمل.. فإذا قدم العمل إليه، فإنه لايرضى أن يقدمه حتى يكون عملاً مكتمل العناصر، وإن كلفه الأمر بذل جهود مضنية.. إلى درجة أنه كان يقوم في أحايين كثيرة بإعادة صياغة الأخبار المقدمة من معظم محرري المحافظات لركتها أو ميل محرريها إلى الحشو، أو عدم تفريق البعض بين الأسلوب الخبري والأسلوب الانشائي.. فلا يضع القلم حتى ينتهي من ذلك الركام أو تخور قواه.. فإذا استنفد طاقته طلب المسامحة من زملائه.. أو ارتاح قليلاً.. ثم يعود.وباختصار، فقد كان الرجل صحفياً من الطراز الأول.. ومحرر أخبار رفيع المستوى.. وفوق ذلك عاشقاً للأدب الجميل من شعر وقصة وغيرهما.. محباُ للنكته.. يحترم مهنته حد الإجلال ويحترم زملاءه صغيرهم وكبيرهم.. فنال لكل ذلك احترام كل من حوله وفي مقدمتهم رؤساء التحرير منذ عرفته حتى آخر زيارة للدائرة قبل وفاته بعشرة أيام تقريباً عندما رأيته وقد امتلأ وجهه وجسده بالماء وضعف صوته من المياه المتسربة إلى الرئة يومها كدت أبكي.. فقد رأيت الرجل ميتاً لا محالة.. لكنني قلت لنفسي إن الأعمار بيد الله.. نصحته يومها بالراحة وعدم الحركة والتزام ما أعطيته من نصائح كنت كتبتها له في ورقة عندما ظهر على عينيه الصفار “اليرقان” قبل شهر تقريباً أو أكثر حددت فيها بحكم الخبرة الحياتية الأطعمة التي يأكلها.. والأطعمة التي يجب أن يمتنع عنها لخطورة تعاطيها.ومضت أيام.. ساءت حالته فنقل متأخراً إلى المستشفى ودخل الإنعاش.. وبقي فيه أياماً بين الحياة والموت من جراء عجز الكبد عن أداء وظائفه..- الفقيد علي أحمد عوض عبدالله عمر القاضي العدني، الصحافي، الكاتب ولد في مدينة الشيخ عثمان.. محافظة عدن، يوم العاشر من ديسمبر، عام 1954م/1374هـ.- درس في مدارس عدن، وحصل منها على شهادة الثانوية العامة- قسم علمي قديم.- تحصل على دورة صحفية في المعهد الدولي للصحافة في برلين لمدة ستة أشهر.- أدى الخدمة الوطنية “لمدة عام” مدرساً في شبوة، ثم عمل في تلفاز عدن في قسم الأخبار مابين 1976-1979م، ثم انتقل إلى وكالة أنباء عدن “سبأ حالياً” عام 1979م كمحرر متجول.- تنقل بين عدد من المناصب الصحافية ومنها رئيس تحرير لصحيفة الشباب قبل الوحدة اليمنية، وسكرتير تحرير لصحيفة 14أكتوبر بعد الوحدة، ثم عمل في آخر سنوات حياته محرراً صحفياً في دائرة الأخبار بصحيفة 14أكتوبر.- له عدد كبير من المقالات والأعمال الصحفية نشرت في عدد من صحف محافظة عدن.- أصيب باليرقان المتضافر مع تليف الكبد الذي كان مصاباً به دون علمه.- توفي في مستشفى الجمهورية في الحادية عشرة والنصف من مساء الأربعاء 22محرم 1429هـ/ 30 يناير 2008م ودفن في مقبرة المنصورة فجر الخميس 23محرم 1429هـ/ 31/1/2008م بعد الصلاة عليه في مسجد الرحمن.[c1]المصدر:- شموس العلم- عبدالجبار ثابت الشهابي “مخطوط”- خبر وفاته ومعلومات بحكم الزمالة.[/c]