حكايات لا تنسى عن
عندما توفي أمير القوافي أحمد فضل القمندان،كل الناس علمت بوفاته إلا الفنان فضل محمد اللحجي،الذي أخفي عنه خبر الوفاة.. وظل قرابة أكثر من أسبوع لا يعلم بذلك،حتى فاجأه أحد أصدقائه بالخبر..عندها لم يتمالك فضل محمد اللحجي نفسه،ففاض الحزن عليه،وعاش أيامه التالية حزيناً يسير على غير هدى، تائهاً، بائساً ،شارد الذهن مقطع الأوصال،من فاجعة لم يستطيع تحملها..كان يأخذ معه بعد منتصف الليل(ربابة)ويمشي بقدميه حتى يصل إلى جسر القريشي القريب من بستان الحسيني،حيث يحط رحالهً ويقعد على الجسر ثم يبدأ بتفريغ أحزانه بوصلات من العزف الحزين بربابته..فيسمع أهالي القرى القريبة من الجسر فيهبوا من مضاجعهم ويتوجهون ناحية (العزف) فيجدون الفنان فضل محمد اللحجي مستغرقاً في عزفه الحزين لفقدانه أباً ومعلماً وأستاذاً وصديقاً أحب الفنان فضل محمد اللحجي أميره أحمد فضل القمندان،وترجم حبه له باطلاق اسمه على ابنه تيمناً بالأمير، وكان الفنان فضل محمد اللحجي قد رزق بولدين من زوجته الأولى وسمى أحدهما(أحمد) والأخر (عبد الكريم) احتراماً للقمندان، ولأخيه السلطان عبد الكريم فضل وقد ساعده القمندان عند زواجه بالأولى أما زواجه بالثانية فقد ساعده السلطان(فيصل بن سرور) سلطان الحواشب،الذي كان يمثل أحد الروامز القوية التي دعمت الفنان فضل محمد اللحجي بعد موت القمندان وجعله يتجاوز كل ما كان يقاسيه من أتعاب وخاصة الظروف المادية الصعبة.وقد صادف الفنان فضل محمد اللحجي في حياته مواقف مضحكة ومبكية في آن واحد، وخاصه بعد رحيل القمندان وأحد هذه المواقف كان مع سلطان لحج الأمير فضل عبد الكريم (1946-1952) بعد أن تولي السلطنة إثر وفاة أبيه عبد الكريم فضل وعمه أحمد فضل القمندان وتقول الحكاية:في وقت كان الفنان فضل محمد اللحجي يعاني شظف العيش ومرارة الظروف القاسية وجاءه استدعاء من السلطان فضل عبد الكريم،عن طريق أحد حراسته فنهض الفنان فضل محمد اللحجي من مرقده في وقت الظهيرة،وجالت بعض الخواطر عنده وتوقع خيراً،..أنه جاء الوقت الذي سينفض عنه غبار الفقر،فاستدعاء السلطان له قد يكون فرصتةجاءت متأخرة، ولكنها أفضل من أن لا تأتي أبداً،فلبس عمته ومعوزه وحمل عصاته وذهب مشياً لمقابلة سمو السلطان فضل عبدالكريم.وعندما وصل إلى قصر السلطان لم ير أية مظاهر لحفاوة الاستقبال،فمضى في طريقه حتى وصل إلى غرفة ضيوف السلطان، ولكنه أيضاً لم يسمع ترحيباً به، فجلس صامتاً يتوقع صوتاً يناديه أو يكلمهأو يرحب به..ولكن كل ذلك لم يحدث خرج السلطان من غرفته،وسلم على ضيوفه ماعدا الفنان فضل محمد الحجي،فبادر واقفاً واتجه نحو سمو السلطان يخبره بمجيئه قائلاً:سيدي هل طلبت استدعائي؟ فجاءه الرد قاسياً ومؤلماً..لا أنا لم أطلبك ولم أستدعيك !! ما حاجتي إليك حتى أستدعيك ؟!وتركه السلطان وتوجه إلى ضيوفه الآخرين،عندها استدار فضل محمد اللحجي راجعاً من حيث أتى وهو يعتصر ألماً من هذه المعاملة غير الودية وغير المتوقعة..وعندما كان الفنان فضل محمد اللحجي راجعاً عند منتصف الطريق بين قصر السلطان وشارع لحج الرئيسي،لحقه عسكري..وقال له أن السلطان يستدعيك إليه،فقال للعسكري كنت الآن في حضرة السلطان ولم يقل لي شيئاً!!هل استدعاني مرة أخرى أو أنها مزحة ثقيلة منك؟قال له العسكري لا هذه المرة فيها جد.وعندما مثل الفنان فضل محمد اللحجي أمام السلطان وجده هذه المرة مبتسماً مرحباً به،وحضنه بحفاوة ووجه إليه سؤالا قائلاً:عندما رفضت مقابلتك وسخرت منك وصرفت عنك انتباهي هل بذلك العمل جرحت شعورك ومن ثم لا بد انك قمت بسبابي في قلبك على الأقل؟ هل هذا حصل؟ فرد عليه الفنان فضل محمد معاذ الله أن بسب أحد سلطانه،فأنت مولانا ولي نعمتنا فكيف نسبك؟لم يقتنع السلطان بهذه الإجابة،وطلبت من فضل محمد حقيقة شعوره، ويود أن يعرف ردة الفعل عند استخفاف الشخص بضيفه المدعو للقصر..فعاود الفنان محمد فضل الإنكار..وبعد إلحاح السلطان لمعرفة مكنونه الحقيقي،وبعد ما فاتحه إنه لن يسبب له أذى..أفصح الفنان فضل محمد بما كان يكنه بعد أن تلقى الاهانة..فقال للسلطان نعم إني سبيتك في قلبي ولكنها سبة خفيفة لا تجرح،أقول قولي هذا وأرجو منك المعذرة.في هذه الحالة ضحك السلطان فضل عبد الكريم ضحكة مدوية،وبعدها رمى للفنان فضل محمد (صرة) من النقود إكراماً له..ودعاه يحيي مقيله "سمرته"وبعدها ودع السلطان عند بوابة قصره اعطاه ورقة رسمية سلطانية تحتوي على قرار سلطاني بمنحه راتب شهري كي يستمر الفنان فضل محمد اللحجي في إبداعه الفني ونقاوته.. عياش علي محمد