صـباح الخـير
عندما كنا طلاباً في المراحل التعليمية الأولى .. كان يستهوينا الفراغ واللعب إلى درجة يمكننا معها الاستمتاع بنهار كامل نقضيه في ممارسة شقاوتنا دون أدنى شعور بالندم على مانفعل وان كان ذلك على حساب الحصص التعليمية .. افضل النهارات تلك التي يغيب فيها معلم مادة الرياضيات او العلوم لانها من المواد التي لانحبذها كما اننا لانبذل جهداً في سبيل تحسين مستوياتنا فيها، وقليلون مناهم المتفوقون في تلك المواد العلمية اما مادة الفنية او الرسم فلم تكن تمثل لنا سوى حصة فراغ يمكننا فيها البقاء في الصف بضوضائنا المعتاد او الخروج إلى فناء المدرسة للعب ذلك كل ما يمكننا فعله عندما تحين حصة الرسم او الفنية التي اعتبرناها مادة ليست ذات اهمية ولاهي ترتبط بالتعليم طالما ونحن نحصل على تقدير لعلاماتها يكاد يكون موحداً لكافة الطلاب .. وهكذا مضت السنين ولم نكن على صلة بهذا الجانب الجمالي الذي باكتشافنا اهميته بعد فوات الاوان .. لم نستطع التعويض عنه . اما حين بلغنا التعليم الثانوي فلم نكن نجيد ممارسة اي من اعمال الرسم إلى درجة اننا حين نواجه اشكالاً معينة يتطلب الامر رسمها إلى جانب البيانات التي تشير إلى اجزاء الرسمة كما هو الامر في المواد العلمية كالاحياء مثلاً .عموماً درجة اكتشافنا لعمق الفراغ الذي تركه عدم تدريس هذه المادة لنا لم يتوقف عند هذا الحد اذ كثيراً مانجد أنفسنا نفتقر للجوانب الجمالية في حياتنا فعلى الصعيد الاجتماعي لانبدي حماساً واسهاماً في كل مايتصل بنظافة مدننا ربما لاننا افتقرنا لهذا الحس الجمالي منذ نعومة اظافرنا . نكون شديدي الامتعاض اذا ماطلب منا نظافة مكاتبنا او فصلنا الدراسي .. حينا السكني .. نتثاقل ولانبدي قدراً من الحماس لذلك وهكذا كلما مضت بنا الحياة بعيداً نكتشف عمق الخلل او هو الفراغ السحيق في اغوار الذات التي تعاني شحاً في الابداع او هو الفن بكل مايتصل به من سمو ورقي للذات، المريب اننا ننقل هذا الحرمان إلى الاجيال وكأنه طريق قدري لافكاك منه بل إرث لاتستقيم الحياة الا به رغم يقيننا ان الحياة البشرية والحضارة الانسانية .. بدأت منذ فجر التاريخ أشد اتصالاً بهذه الجوانب الفنية الابداعية الجمالية وما الحفريات الأثرية بما كشفت عن صلة الحضارة بالفن والابداع .. منذ عصور ماقبل التاريخ الا دليل على ماذهبنا اليه . فما نعده استثناء في حياتنا هوليس كذلك بالنسبة للشعوب الاخرى فالفنون بمختلف درجاتها تكون في صلب الاسس التي على غرارها تتكون الشخصية السوية المبدعة . فالموسيقى مثلاً تحتل صدارة الاهتمامات عند الاجيال منذ النشأة الاولى.. لمالها من تهذيب للروح وما تمثل في جانبها الخفي من غرس لقيم المحبة والتسامح والخير والجمال .. ويقال ( أن موسيقى دفء نشأتنا الاولى أي مابعد المضغة المخلقة .. مسكونة بوجيب موسيقى قلوب أمهاتنا حتى شهقة المجيء إلى الارض ) .