نجيب قحطان الشعبي في حوار مع ( 14 أكتوبر ) :
حاوره عبر الهاتف / رئيس التحريريروي كثيرون من أصدقاء وخصوم الزميل الأستاذ نجيب قحطان الشعبي مواقف ووقائع لا تحصى تبرز حماسه للدفاع عن تاريخ الجبهة القومية، بما هي الفصيل الذي كان له شرف تفجير ثورة 14 أكتوبر وخوض مفاوضات الاستقلال وبناء أول دولة مستقلة حقيقية للجنوب المحتل حملت اسم اليمن كتجسيدٍ لهزيمة مشروع دولة الجنوب العربي الذي استهدف طمس الهوية اليمنية للجنوب وتلفيق هويات مزيفة عليه. في فترات صعبة ومعقدة بعد الوحدة انهالت الرماح على الحزب الاشتراكي اليمني الذي حكم الشطر الجنوبي من الوطن منذ الاستقلال وارتكب ـــ ولا شك في ذلك ـــ أخطاءً كبيرة خلال فترة حكمه للجنوب بعد الاستقلال وحتى قيام الوحدة.. وكان معظم الرماح يطال الجبهة القومية وتاريخها وسط صمت كثيرين من قادة الحزب ومناضليه.. بيد أنّ نجيب قحطان كان ـ وربما سيظل ـــ ينبري للرد على كل من يتعرض لتاريخ الجبهة القومية رغم أنّه كان طالباً، ولم يكن عضواً في الجبهة القومية التي كان يقودها والده الرئيس الراحل قحطان محمد الشعبي.في منتصف هذا الشهر هاتفني الأخ / نجيب قحطان الذي تربطني به صداقة قائمة منذ فترة طويلة.. كما ربطتني به عَلاقة زمالة عندما كـنّا أعضاءً في أول برلمان لدولة الوحدة.. كما دخلت معه في سجالات ومناقشات عبر الصحف حول بعض القضايا التي اختلف فيها معه، لكن الخلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية.كعادته في كل اتصال هاتفي يتحدث نجيب قحطان حول أكثر من قضية تتعلق بالواقع والتاريخ.. وفي ذلك الاتصال الهاتفي عرضت عليه أن يتحدث إلى قراء الصحيفة عبر الهاتف.رحب نجيب بالفكرة بصفته باحثاً في تاريخ الثورة اليمنية.. مشيراً إلى أنّها أول تجرِبة له في هذا المجال.. فقد اعتاد أن يقرأ الأسئلة ويتفحصها قبل أن يجيب عليها بالاستناد إلى ما يراها مناسبة من وثائق ومراجع تدعم آراءه.نعم .. رحب نجيب قحطان بالفكرة .. وقبل أن يغامر بحسب وجهة نظره في الحديث عبر الهاتف عن قضايا ذات صلة بتاريخ ثورة 14 اكتوبر وبالاستقلال الوطني الذي جاء ثمرة لوحدة النضال الوطني بعد ان كنس مشروع دولة الجنوب العربي ومهد الطريق لاستعادة وحدة الوطن اليمني .. فكانت المحصلة هذا الحوار عبر الهاتف : في البداية أرحب بالأخ نجيب قحطان الشعبي وأُبارك له بحلول الذكرى الـ 40 للاستقلال.. هذا الحدث الوطني الهام جداً، كما أشكرك على تلبيتك دعوة الصحيفة لإجراء هذا الحوار عبر الهاتف.** برغم إنني أحبذ الحوارات عبر اللقاء الشخصي فهذا يتيح لي، الاستعانة بمراجع ووثائق لدعم أجوبتي على الأسئلة .. لكن الأمر معكم شخصيا مختلف تماما .. فقد تناقشنا واختلفنا معكم في أوقات مختلفة وبدون مناسبات وطنية معينة وهو ما يعطي الحديث عن القضايا المتفق أو المختلف عليها جدية ومصداقية بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف.. ولذلك أقبل الحوار معكم شخصياً عبر الهاتف.* أنا أشكرك كثيرا .** وأنا بدوري أشكرك وأُبارك لك بحلول ذكرى الاستقلال الوطني لبلادنا، وقد لبيت دعوتك للحوار هاتفياً لسببين أولهما : بحكم صداقتنا القديمة وزمالتنا في أول مجلس نواب بعد تحقيق الوحدة وميلاد الجمهورية اليمنية . وثانياً لأنّك فعلاً رجل مهنة .. أي صحفي محترف تعرف أصول مهنتكم .. فلست من الدخلاء عليها ممن يدعون المهنية وهي منهم براء، بل إنني سعيد أن أُلبي دعوتك، فعندما تحدثنا حول الحوار ، لمست الأفكار السياسية الهامة التي تريد توصيلها للقراء وليس فقط نقل معلومات هامة إليهم تتصل بتاريخنا الوطني الذي أحرص على الدفاع عن حقائقه ككل وليس فقط الدفاع عن الجبهة أو ثورة 14 أكتوبر أو الاستقلال الوطني.* حسناً.. من المعروف والمؤكد أنّ الاستقلال الوطني لجنوب اليمن جاء ثمرة للكفاح المسلح الذي فجرته الجبهة القومية وشاركت فيه لاحقاً كل من جبهة التحرير والتنظيم الشعبي .. وقد سبق الكفاح المسلح نضال سياسي سلمي، فمن هذا المنطلق كيف تقيِّمون مسيرة النضال السلمي لتحرير جنوب الوطن، ودواعي الكفاح المسلح؟** الأمور سارت فعلاً مثلما أوجزتها أنت في سؤالك، وما أود التوسع فيه هو أنّ النضال السلمي بدأ يتبلور بوضوح منذ منتصف القرن الماضي في عدن، ومارسته بشكل قوي رابطة أبناء الجنوب، ثمّ الجبهة الوطنية المتحدة التي تشكلت في أواسط خمسينيات القرن الـ 20، أضف لذلك قيادات الحركة النقابية ناهيك عن المقالات الصحفية لعددٍ من الكُتـَّاب الوطنيين .. ومع أواخر الخمسينيات وبدايات الستينيات من القرن نفسه مارس النضال السلمي كل من حركة القوميين العرب والاتحاد الشعبي الديمقراطي والبعثيون وحزب الشعب الاشتراكي وغيرهم ولم يكن النضال السلمي طويلاً مثلما يكتب البعض.* كيف ؟ ** إلى قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م، يكون عمر النضال الوطني قد بلغ عمراً أقل من 15 عاماً، ولكن بالطبع يستحق هو ومن مارسوه بإخلاص تقديراً عالياً، والتقييم النهائي لذلك النضال هو أنّه لم ينجح في تحقيق الاستقلال للجنوب، ولذلك مارست الجبهة القومية أسلوب الكفاح المسلح، وكانت وجهة نظرها في هذا النهج صائبة بدليل أنّ قيادة حزب الشعب الاشتراكي التي عارضت هذا الأسلوب عند اندلاعه ، غيرت موقفها وتبنته لاحقاً من خلال جبهة التحرير التي تأسست في يناير 1966م، .. أما مقاتلو التنظيم الشعبي فلم يكونوا جدداً على الكفاح المسلح فمعظمهم إن لم يكن كلهم هم أصلاً من مناضلي الجبهة القومية.وكون الثورة المسلحة تتوجت بانتزاع استقلال وطني مكتمل على مستوى السيادتين الداخلية والخارجية، فهذا نصر عظيم .. واعتبره أعظم انتصار وطني تحقق لليمنيين عبر التاريخ.* لا حظت من خلال حديثك عن النضال السلمي أنك لم تذكر الجمعية العدنية التي تأسست في مطلع خمسينيات القرن الفائت .. لماذا؟** ذلك لأنّ سؤالك وحديثي كانا حول النضال السلمي لتحرير الجنوب، بينما نضال الجمعية العدنية لم يكن يصب في مجرى ذلك النضال.. لقد تبنت الجبهة العدنية شعاراً انفصالياً ضيقاً للغاية ، حيث رفعت شعار ((عدن للعدنيين))، وطالب قادتها بفصل عدن عن بقية الجنوب ومنحها حكماً ذاتياً تمهيداً لإقامة دولة مستقلة فيها تكون عضوا في الكومنولث.* بالنسبة لشعار عدن للعدنيين، بوسعي القول أن هناك من يدافع عنه مؤخراً باعتباره لم يكن ذامضمون سياسي انفصالي بل مضمون اجتماعي وظيفي قصد به قادة الجمعية العدنية، أن تكون الوظائف في عدن للعدنيين وليس للمهاجرين الذين قدموا للاستقرار فيها، فما رأيك في ذلك الطرح؟** هو طرح مرفوض، فالعقل لا يقبل ذلك .. فلو كان الهدف هو التوظيف وليس الانفصال الضيق لكان من تبنوا ذلك الشعار، قد نادوا مثلاً، بأنّ عدن للعرب أو عدن لليمنيين أو عدن للجنوبيين وعندئذٍ فلن نعتبر مثل هذه الدعوات انفصالية لكنهم نادوا بعدن للعدنيين .. انظر الى ما يطرحه المدافعون عن شعار ((عدن للعدنيين)) بتعريف الجمعية العدنية للعدني .. فقد عرفته بأنّه المولود في عدن، ولم يشترط التعريف أن يكون الأبوان أو أحدهما حائزاً على ما يسمى بالهوية العدنية، فكيف إذاً ينسجم الإدعاء بأنّ الهدف هو منع المهاجرين من الاستئثار بالوظائف في عدن بينما الجمعية العدنية تعطي الهوية العدنية لكل من هب ودب لمجرد أنّه وُلد في عدن .. فأبناء المهاجرين في هذه الحالة هم الذين سيكون من حقهم التوظف في عدن!!* الدعوة لإقامة دويلة في مدينة عدن تعتبر أضيق الدعوات الانفصالية التي عرفها جنوب الوطن، فمن الذي دعا لذلك وماذا كانت مبرراته؟** الذين دعوا لذلك هم من أصول غير يمنية ولا عربية .. وللأسف فإنّ بعض المسلمين ممن استقر بهم المقام في عدن هم الذين تعود إليهم تلك الفكرة الانفصالية الضيقة جداً التي نادت بالدولة العدنية وطالبت بإقامتها على تراب مدينة عدن، وكان في مقدمتهم محمد علي لقمان المحامي وولده علي، فإليهما تعود فكرة ((القومية العدنية)) وكتاب ((عدن تطلب الحكم الذاتي)) شاهد على ذلك .. وكان المبرر لتلك الدعوة هو أنّ عدن كيان ثقافي وحضاري أكثر تقدماً من بقية أنحاء الجنوب، وقد تناسى أصحاب تلك الدعوة أنّ عدن ككيان ثقافي وحضاري متقدم، إنّما هي صنيعة الإستراتيجية الاقتصادية للاستعمار البريطاني .. كما تناسوا أن الأيادي العاملة اليمنية من كل أنحاء الجنوب والوطن اليمني هي التي صنعت هذا الكيان الثقافي المدني المتحضر بعملها وإبداعها، ثم دافعت عن هويته الوطنية بكفاحها وتضحياتها.. ولم يصنع كيان عدن المتحضر من يسمون أنفسهم بالعدنيين، حتى يعتبرون أنفسهم متميزين عن بقية أبناء الجنوب واليمن عموماً .. وللأسف وجدنا مؤخراً لافتة ترتفع بمنتصف شارع الملكة أروى تقول ((شارع محمد علي لقمان المحامي)) كما أطلق اسمه على إحدى قاعات جامعة عدن!!* ثمة سجال يحدث الآن مع الذين أخذوا مؤخراً يطالبون بالعودة إلى دولة الجنوب العربي، كما نلاحظ في الوقت نفسه محاولات لإيقاظ فكرة الدويلة العدنية التي تلاشت وانقضت منذ عشرات السنين، ألم تلاحظ ذلك؟** بلى .. لاحظت بالطبع، فقد أخذت الكتابات في بعض الصحف التي تصدر بعدن هذه الأيام تركز على مسألة التفوق العدني مع التغني بأمجاد غابرة أكثرها سطحية في محاولةٍ خاسرة لإحياء ما يسمى بالهوية العدنية، وللأسف فإنّ بعض الصحف المملوكة للدولة لا تتنبه إلى ما ينشر فيها من مقالات تتضمن محاولات لإحياء تلك الهوية المزعومة على طريق العودة إلى فكرة ((القومية العدنية)) .. ومن ذلك مثلاً ما جاء في مقالٍ للكاتب فاروق لقمان وهو ابن محمد علي لقمان مؤسس الجمعية العدنية، والذي نشر في العدد قبل الأخير من صحيفة ((26 سبتمبر)) حيث أدعى بأنّ البريطانيين رحلوا دون أن يسلموا لأهل عدن وثيقة الاستقلال .. وهو إدعاء مضحك فهو لا يعتبر الجبهة القومية قد مثلت شعب الجنوب في مفاوضات الاستقلال بجنيف، أمام وفد الحكومة البريطانية، رغم أنّ بريطانيا بنفسها اعترفت بأنّ الجبهة تمثل الشعب في الجنوب ولذلك دخلت في مفاوضات معها لتسليمها الاستقلال رسمياً .. إنّ ما ورد في مقال الكاتب المذكور يعتبر أنّ عدن كياناً مستقلاً لا عَلاقة له بالجنوب، لذلك استنكر بعقلية انفصالية ضيقة جداً أن يرحل البريطانيون دون أن يسلموا لأهل عدن وثيقة الاستقلال، فللأسف أنّ البعض لا يريد أن يعترف بالواقع الذي تجاوز الدعوة إلى ((عدن للعدنيين)) فالحركة الوطنية اليمنية ظلت منذ بداية خمسينيات القرن الـ 20 تنادي بوحدة الجنوب، ثم نادت بوحدة اليمن، بينما ظل ذلك البعض يعيش في أوهام الماضي التي عفا عليها الزمن.* من المؤكد أنّ الاستقلال كان ثمرة لثورة 14 أكتوبر المجيدة، لكن هناك جزئية نرغب في معرفة رأيك حولها، وهي أنّ بعضاً يدعي بأنّ المعركة التي وقعت في 14 أكتوبر 1963م في ردفان لم يكن مخططاً لها من قبل قيادة الجبهة القومية للانطلاق بحرب التحرير، فيما يقول آخرون إنّه كان مخططاً لتلك المعركة أن تكون تفجيراً للثورة، فماذا ترى؟** أنا مع أصحاب الرأي الأول، فبكل تأكيد لم تكن معركة أكتوبر 1963م في ردفان التي قتل فيها راجح غالب لبوزة تفجيراُ للثورة وبالمناسبة فإنّه لم يكن الوحيد الذي قُتلَ فيها من أهل ردفان مثلما يزعم كثيرون .. فالقتلى كانوا اثنين، فتلك المعركة لم يكن مخططاً لها أن تكون تفجيراً لثورة التحرير، بل أنّها وقعت لأسباب لا عَلاقة لها بالسياسة .. أما معركة البدء بالثورة فكانت قيادة الجبهة القومية قد خططت لإطلاقها من منطقة ((الصبيحة)) وبالفعل كان المناضل الرائد (ثابت علي مكسر الصبيحي) ولا يزال حياً يُرزق قد تسلَّم من المناضل قحطان الشعبي الذي تزعم الدعوة للكفاح المسلح، وقاد عملية تأسيس الجبهة القومية، وصار أميناً عاماً لها، كان قد تسلَّم منه المناضل ثابت 25 ألف طلقة رصاص، تهيئة للبدء بحربِ التحرير من الصبيحة، لكن فجأة وقعت معركة ردفان وتواصلت في شكل انتفاضة قبلية.. فتبنتها الجبهة القومية، وأوصلت إليها الإمدادات وعينت لها قائداً من غير أبناء ردفان هو المناضل عبدالله المجعلي وهو من أبناء دثينة، فكانت تلك إشارة واضحة إلى أنّ المعركة في ردفان لم تعد تخص بعض أهل ردفان وإنّما صارت جزءاً من حرب شاملة لتحرير الجنوب .. ولولا ذلك التبني لظلت معركة ردفان مجرد انتفاضة قبلية سيخمدها الإنجليز أسوةً بما حدث مع جميع الانتفاضات المشابهة التي وقعت في مناطق كثيرة من الجنوب.. وبالفعل كان الإنجليز قد استطاعوا إخماد انتفاضة ردفان في 1963م وحاصروا المقاتلين والأهالي هناك، لكن الجبهة القومية تمكنت من إيصال الدعم لهم، فتمكنت بذلك من فك الحصار ومواصلة المعارك في ردفان، ومن ثمّ فتح جبهات قتال أخرى، بدأت بجبهة المنطقة الوسطى المسماة بجبهة دثينة ثم جبهة الضالع وهكذا.* لعل ما يؤكد كلامك أنني قرأت في بعض وثائق الجبهة القومية أنها عينت قيادة جبهتي المنطقة الوسطى والضالع؟** نعم وهم على وجه التحديد ناصر علوي السقاف لجبهة المنطقة الوسطى، ومحمد أحمد البيشي لجبهة الضالع.* لكن بعض الوثائق تقول بأنّ الشهيد علي عنتر كان قائداً لجبهة الضالع؟** علي عنتر كان قائداً عسكرياً لجبهة الضالع، وكان يتبع قائدها السياسي محمد البيشي.* وماذا عن جبهة عدن ؟** افتتحت في أواسط 1964م بقيادة فيصل عبداللطيف.* ولكن هناك أيضاً وثائق وشهادات تاريخية تقول بأن الشهيد الخالد عبدالفتاح إسماعيل كان قائد جبهة عدن ؟** حدث ذلك فعلاً عندما انتقل فيصل عبداللطيف إلى تعز وتسلم القيادة بعده عبدالفتاح إسماعيل حتى غادر إلى شمال الوطن ومنه إلى القاهرة في أوائل عام 1966م فالذين تعاقبوا على قيادة جبهة عدن كثيرون.* دخلت قيادة الجبهة القومية في خلافات حادة مع القاهرة، حتى انتهت بالقاهرة إلى دمج الجبهة القومية في جبهة التحرير واحتجاز قحطان الشعبي القائد السياسي للجبهة القومية وأمينها العام، وفيصل عبداللطيف ، وذلك في العاصمة المصرية، فما وجهة نظركم؟** لم يكن هناك بد من أن تختلف قيادة الجبهة القومية بشدة مع القاهرة، وتحديداً جهاز الاستخبارات المصرية بقيادة صلاح نصر، فالجهاز رغب في الهيمنة على الجبهة، وهو ما قاومته قيادتها، ولذلك عمل الجهاز على إنشاء تنظيم بديل سُمي بجبهة التحرير التي أُعلن في مصرَ واليمن في 13 يناير 1966م عن قيامها عبر دمج الجبهة القومية ومنظمة التحرير التي تشكلت في وقت سابق من حزبي الشعب الاشتراكي والرابطة وبعض السلاطين المُقالين .. وقد انسحبت الرابطة من المنظمة لاحقاً، وقد تم دمج الجبهة القومية قسريا مع منظمة التحرير و بعض السلاطين المقالين في إطار جبهة التحرير .. وعين عبدالقوي مكاوي ـ رئيس وزراء عدن ـ المقال أميناً عاماً لها.وفي يوم إعلان الدمج أصدر قحطان الشعبي بياناً صحفياً يعارض فيه الدمج ويعتبره مؤامرة على الجبهة القومية التي كانت قد أخذت تحقق الانتصارات على أرض الجنوب، واعتبر توقيع عضو واحد من قيادة الجبهة القومية هو علي السلامي الذي وقـَّع أمام عبدالله الأصنج عن منظمة التحرير لتشكيل جبهة التحرير، اعتبر الشعبي توقيع السلامي عملاً غير مشروع، فلا يحق له ولا لقيادة الجبهة القومية كلها أن تتخذ مثل ذلك القرار بالدمج في تنظيم آخر، فذلك قرار يحق فقط للمجلس الوطني للجبهة القومية اتخاذه.وفور صدور بيان قحطان احتجزته السلطات المصرية ومعه فيصل عبداللطيف.* ماذا كان نوع الاحتجاز؟** كان منعاً من مغادرة مصرَ ولذلك تم سحب جوازي سفريهما.* قلت إنّ جهاز الاستخبارات المصرية رغب في الهيمنة على الجبهة القومية وهو ما قاومته قيادة الجبهة القومية، فهل يمكن أن توضح لنا ذلك؟** الجهاز المصري أراد معرفة كل صغيرة وكبيرة عن الجبهة، بما في ذلك أسماء أعضاء قطاعها الفدائي، وقد رفضت قيادة الجبهة تزويده بذلك، وفي عام 1965م عارضت قيادة الجبهة اتفاقية جدة، بين الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر والعاهل السعودي الملك فيصل بن عبدالعزيز لتسوية القضية اليمنية، فمصرَ كانت عقب 26 سبتمبر 1962م تدعم الجانب الجمهوري، فيما دعمت السعودية الجانب الملكي.وقد رأت قيادة الجبهة القومية أنّ اتفاقية جدة ستقود إلى تصفية ((ثورة 14 أكتوبر)) لذلك عارضتها.وفي أكتوبر 1965م اجتمع وكيل المخابرات المصرية في القاهرة بقحطان الشعبي وسيف الضالعي عن الجبهة القومية ومحمد سالم باسندوة والسلطان السابق أحمد عبدالله الفضلي عن منظمة التحرير وعبدالقوي مكاوي وخليفة عبدالله حسن خليفة، عن حكومة عدن المقالة .. وكان ذلك بحضور سيد نوفل الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية .. واقترح وكيل المخابرات المصرية أنّه بدلاً عن ذهابهم كوفود ثلاثة إلى الأمم المتحدة لعرض قضية الجنوب ، فإن عليهم أن يتوحدوا في وفدٍ واحدٍ يرأسه المكاوي ، فعارض قحطان الشعبي ذلك المقترح بشدة وقال : إنّ الرئاسة يجب أن تكون للجبهة القومية باعتبارها قائدة الكفاح المسلح الذي يخوضه الشعب في الجنوب .. وإزاء تمسك وكيل المخابرات ومعه الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية بأن يترأس المكاوي الوفد الموحد انسحب قحطان ومعه سيف الضالعي من الجلسة، فقال وكيل المخابرات على مسمع من الحاضرين: ((طيب يا قحطان، إن ما وريتك))، وبعدها بأسابيع كانت مصر تـُعلنُ عن إقامة جبهة التحرير ودمج الجبهة القومية فيها.* وماذا حدث بالنسبة للذهاب إلى الأمم المتحدة بعد انسحاب قحطان وسيف الضالعي من الجلسة؟** ذهبت وفود ثلاثة تمثل الجبهة القومية ومنظمة التحرير وحكومة عدن المُقالة* ما هي المدة التي احتجز فيها قحطان وفيصل في مصر؟** ما يقارب ستة أشهر أما فيصل فقد تمكن من تضليل الأجهزة المصرية، وغادر القاهرة، إلى بيروت ومنها إلى تعز ومنها إلى داخل الجنوب، حيث تزعم المؤتمر العام الثالث للجبهة القومية، الذي انعقد في مدينة حمر القريبة من قعطبة وقرر انسحاب الجبهة القومية عن جبهة التحرير.أما قحطان الشعبي فقد ظل محتجزاً إلى أن وقعت الهزيمة العربية أمام إسرائيل، في حرب يونيو 1967م، فبعدها بأسابيع استقبله الرئيس عبدالناصر واعتذر له عما اتخذ بحقه وحق الجبهة القومية محملاً المسؤولية لصلاح نصر، وقال بأنّه كان يمده بمعلومات مغلوطة حول ما يتصل بالجبهة القومية وما يتصل بالجنوب .. وسمح عبدالناصر لقحطان بمغادرة مصر فغادرها إلى تعز ومنها إلى داخل الجنوب .. فقحطان احتجز لنحو عام ونصف.* كيف تمكن فيصل عبداللطيف من تضليل الأجهزة ليغادر مصرَ؟** قام بالترتيب لإدخال امرأة بمستشفى في بيروت تحت اسم زوجته، ومن ثم الإبراق إليه من بيروت بذلك، وبأنّ زوجته في حالة خطيرة، وبعد ما تأكدت الأجهزة المصرية من أنّ زوجة فيصل عبداللطيف ترقد في المستشفى ببيروت سمحت له بالذهاب لزيارتها، وفي بيروت أفلت فيصل من مرافقيه المصريين ثمّ غادر إلى تعز.* هناك من يقول إنّ رغبة الجبهة القومية في الانفراد بالسلطة التقت مع الرغبة البريطانية في تسليم السلطة لجهةٍ مناوئة لعبد الناصر، فبماذا ترد؟** ذلك بالطبع غير صحيح، وليس هناك أي دليل يثبته لدى من يدعونه .. بل أنّ عندي الدليل على عدم صحة ذلك .. وهو أنّ الجبهة القومية كانت قد رحبت بإشراك جبهة التحرير معها في السلطة عند الاستقلال .. لذلك قبلت بتحقيق الوحدة الوطنية مع جبهة التحرير، وبدأت مفاوضات في القاهرة في أكتوبر 1967م بين وفدين يمثلان الجبهتين وعلى أعلى المستويات .. فقد ترأسهما الأمينان العامان للجبهتين، وللأسف فإنّه بعدما كان الوفدان قد اتفقا على كثيرٍ من الموضوعات بما في ذلك شكل نظام الحكم وحتى توزيع السلطة بين الجبهتين اندلع الاقتتال الأهلي في عدن بين مقاتلي الجبهتين فجأة في 3 نوفمبر 1967م، وانتهى في 6 من الشهر نفسه بانتصار الجبهة القومية وبسط سيطرتها على عدن .. وكانت منذ استيلائها على السلطة في الضالع في 21 يونيو 1967م، قد واصلت عمليات الاستيلاء على بقية المناطق.. وهكذا اعترفت بريطانيا بأنّ الجبهة القومية صارت الحكومة الفعلية في الجنوب، فاعترفت بها كممثل للشعب ودخلت معها في مفاوضات لتسليم السلطة رسمياً إليها.* لكن وفد جبهة التحرير في مفاوضات القاهرة ذهب للاجتماع ولم يحضر وفد الجبهة القومية، وتبيَّن بعدها أنّ وفد الجبهة القومية قطع المفاوضات بدون إخطار وفد جبهة التحرير واتجه فجأة إلى بيروت، ومنها إلى جنيف، فما مدى صحة ذلك؟** من يقول ذلك، إنّما يتجاهل الاقتتال الأهلي، فهو سبب إنهاء المفاوضات.. فقد توقفت في اليوم الذي اندلع فيه الاقتتال، وبعد انتهائه لم يعد هناك مبرراً لاستئنافها .. فالجبهة القومية دخلتها منعاً لاندلاع قتال بين الجبهتين في عدن، بعد ما سيطرت الجبهة القومية على المناطق خارج عدن، وما دام الاقتتال قد وقع فلم يعد ثمة مبرر لمواصلة المفاوضات.ووفد الجبهة القومية لم يقطع المفاوضات فجأة أو غادر إلى بيروت دون علم وفد جبهة التحرير بدليل أنّ قحطان الشعبي عقد مؤتمراً صحفياً في القاهرة بعد انتهاء الاقتتال أعلن فيه إنهاء المفاوضات مع وفد جبهة التحرير.* وماذا كان موقف القاهرة عندئذٍ ؟** لم تعترض على إنهاء المفاوضات وعلى اتجاه الجبهة القومية للتفاوض منفردة مع بريطانيا فالموقف قد حسم على أرض الواقع، والرئيس عبدالناصر كان قد رفع يده عن جبهة التحرير بعد يونيو 1967م، وإلا لماذا استقبل قحطان الشعبي واعتذر له وسمح له بمغادرة مصر.* وماذا عن القول بأنّ تسليم السلطة للجبهة القومية وحدها كان نكاية في عبدالناصر؟** هو قول مضحك، وكأن هناك قوة سياسية أخرى توازي حجم الجبهة القومية أو تقترب منه ..وكما قال الأخ / خالد عبدالعزيز عضو وفد الجبهة إلى مفاوضات الاستقلال في جنيف، وهو حالياً عضو هيئة مكافحة الفساد، لم نسمع من قبل بأنّ بلداً منح بلداً آخر الاستقلال لمجرد النكاية في طرف ثالث.* قبل سيطرة الجبهة القومية على عدن ماذا كانت خارطة القوى السياسية الوطنية المؤثرة في الجنوب؟** كانت أربع وهي : الجبهة القومية وحكومة الاتحاد الفيدرالي وهذه انهارت في يونيو 1967م، عندما سيطر الثوار على حي كريتر بعدن لأكثر من أسبوعين، وجبهة التحرير وهذه انتهت كقوةٍ مؤثرة في 6 نوفمبر 1967م أي بنهاية الاقتتال الأهلي، والجيش العربي وهذا كان للجبهة القومية جيب تنظيمي فيه فأعلن في 6 نوفمبر 1967م ولاءه لها .. وهكذا لم يُعد بإمكان بريطانيا سوى الاعتراف بالأمر الواقع والتفاوض مع الجبهة القومية.* طبعاً لا نطرح هذه الأسئلة لغرض التشكيك في وطنية الجبهة القومية أو جبهة التحرير بل لنتيح الفرصة أمامك لتوضح رأيك كباحث في تاريخ ثورة 14 أكتوبر التي تتوجت بتحقيق الاستقلال الوطني الناجز يوم 30 نوفمبر 1967 .. وهنا سننتقل إلى مباحثات الاستقلال فما هي تشكيلة وفد الجبهة القومية الذي فاوض على استقلالنا في جنيف؟** تشكل من سبعة أفراد هم : قحطان الشعبي رئيساً، وعضوية كل من فيصل عبداللطيف، سيف الضالعي، خالد عبدالعزيز، عبدالله صالح سبعة العولقي، عبدالفتاح إسماعيل ومحمد أحمد البيشي.