قراءة في صفحة من صفحات تاريخ اليمن
محمد زكريا قيل أنّ الشعر الجاهلي ديوان العرب لكونه ، كان سجلاً حافلاً بأخبارهم ووقائعهم وأحداثهم المختلفة وعلى وجه التحديد حياتهم الاجتماعية المتمثلة بأعرافهم وعاداتهم وتقاليدهم وذلك قبل بزوغ فجر الإسلام في الجزيرة العربية . ومثلما كان الشعر في العصر الجاهلي مرآة حياة العرب الصافية في تلك الفترة التاريخية البعيدة ، فإنّ المساجد العريقة التي تطفو في طول وعرض وارتفاع اليمن تمثل ـــ بحق ـــ ديوان وسجل اليمن الإسلامي لكونها توثق و تروي قصة أحداث تاريخ الدول التي تعاقبت على حكم اليمن كالدولة الصليحية ، الرسولية ، والطاهرية وغيرها من الدول التي اعتلت سدة الحكم . وهذا مسجد جامع أبان المشهور في عدن ثغر اليمن والذي بلغ من العمر عتيا والذي بناه أبان ابن الخليفة عثمان بن عفان ـــ رضي الله عنهما ـــ في عهد الخليفة عثمان بن عفان . ولقد أجمعت مصادر التاريخ أنّ هذا المسجد الجامع العتيق ، كان قبلة فطاحل العلماء ، ونوابغ الفقهاء , وكان أشعاعاً حضارياً بكل معنى لهذه الكلمة ، ويذكر المؤرخ بامخرمة المتوفى ( 947هـ / 1540م ) أنّ الإمام أحمد بن حنبل المتوفى ( 241هـ / 856م ) قدم مسجد أبان ليأخذ عن إبراهيم بن الحكم ، وكان فقيها ضليعًا. وهذا المسجد الجامع الكبير في لحج والمعروف باسم مسجد الدولة أو جامع مدينة الحوطة ـــ على حسب قول الأمير أحمد فضل القومندان صاحب كتاب هدية الزمن في أخبار لحج وعدن ــــ الذي يحكي تاريخ مدينة الحوطة التي كانت في يوم من الأيام عاصمة العبادل سلاطين لحج وعدن ( 1145 ـــ 1380هـ / 1732 ـــ 1959م ) .[c1]مراجع البحث[/c]والحقيقة أنّ مراجع البحث التي اعتمدت عليها الغالبية منها تعود إلى الروايات الشفهية ، والمشاهدة فضلاً عن بعض المراجع التاريخية المكتوبة ولا يفهم من ذلك أنه ، كانت هناك مراجع تتكلم بصورة مباشرة عن هذا المسجد أوذاك بل أنّ معلوماتها عن المساجد تأتي في سياق الحديث وبمعنى آخر أن معطياتها التاريخية عبارة عن نتف وشذرات متفرقة ومبعثرة هنا وهناك في بطون أمهات الكتب والحقيقة أنّ معرفتي عن تاريخ مساجد اليمن بصورة يعود إلى أوائل التسعينيات أي بُعيد قيام الوحدة اليمنية المباركة ، وكانت تلك الفكرة تدور في خاطري. وقد باتت تزداد وتتضخم عندما اقترب شهر رمضان المبارك ، وتحدثت مع أستاذنا الصحفي المخضرم الكبير الراحل شكيب عوض حول تلك الفكرة وبمجرد أنّ عرضتها عليه حتى شجعني ودفعني إلى إخراجها إلى حيز النور أو إلى حيز النشر في بداية شهر رمضان المعظم ، ولكنني كنت أتردت لكون المعلومات عن مساجد لحج وعدن معطياتها التاريخية تكاد تكون نادرة وشحيحة في المراجع اليمنية القديمة والحديثة سواء . واتجهت صوب مكتب الأوقاف لعلي أجد ضالتي المنشودة التي قد تعطينا معلومات تاريخية أو قبسًا منها على أقل تقدير عن بعض مساجد لحج وعدن المشهورة ـــ ومع الأسف العميق ـــ عدت بخفي حنين ـــ وسقط الأمر من يدي ولكن أستاذنا الكبير الراحل شكيب عوض ، كان يمسك بذراعي بقوة مع ابتسامة عريضة على وجهه الطيب ، و يتابعني و يلح عليّ بضرورة الإسراع في كتابة تاريخ المساجد وخصوصًا أنّ شهر رمضان على الأبواب. وأمام تشجيع أستاذنا الكبير الرائع شكيب عوض ـــ رحمه الله ـــ لم أجد مفر سوى أنّ أشق طريقي ، وأنّ ألقي بنفس في خضم العوائق ، والعراقيل ، فلملمت أوراقي ، وحملت قلمي على كتفي ومع كوكبة من المصورين المبدعين وهم الراحل على محمد فارع ـــ رحمه الله ـــ وجان عبد الحميد ، ومصطفى شاهر ، ومحمد عوض وغيرهم لإخراج تلك الفكرة إلى حيز النور والحياة . وبالفعل نشرت يوميًا في صحيفة “ 14أكتوبر “ على شكل سلسلة متصلة والتي استمرت زهاء ثلاثين يومًا شرقت وغربت في عددٍ من المدن اليمنية ابتداءً من ثغر عدن ومرورًا بلحج ، والراهدة ، وتعز ، وإب ، وانتهاءً بذمار ، وزبيد . [c1]كتابة تاريخ العمارة الدينية[/c]لسنا نبالغ إذا قلنا أنّ الكتابة في تاريخ عمارة المنشآت الدينية المتمثلة بالمساجد ، والمنشآت الصوفية كالزوايا أو المصليات الصغيرة ، والمدارس الإسلامية الملحقة بالمساجد والجوامع وأيضا والاسبلة ( سبيل الماء ) والارباض الدينية أو المدارس الداخلية لطلبة العلم لكون تلك المنشآت الدينية مرجع هام من مراجع تاريخ اليمن الإسلامي لا يمكن الاستغناء عنه . وعلى وجه التحديد العمارة المسجدية تختلف عن كتابة التاريخ السياسي وأحداثه ووقائعه الساخنة ، بمعنى آخر أنّ الباحث يجب ويتوجب أنّ يضع نصب عينيه على خصائص العمارة المسجدية المتمثلة بالمحراب ، المنبر ، بيت الصحن ( الجزء المسقوف من المسجد جهة القبلة ) ، والصحن ( الجزء الغير مسقوف من المسجد ) أو بمعنى آخر العناصر الأساسية التي تشكل ملامح المسجد وأيضا دراسة العناصر الزخرفية للمسجد أو المساجد كالمآذن التي تضفي عليها الرواء والجمال . فلابد للباحث أنّ يدرسها بعمق وعناية على سبيل المثال دراسة منبر من منابر مساجد اليمن العتيقة الطاعنة في السن من ناحية هيئته الخارجية أو نوعية طرازه ، وتاريخ بناءه ؟ . ولقد شهدت بنفسي في مُتحف بذمار منبر خشبي عتيق يعود إلى عصر متقدم للدولة الفاطمية في مصر أي بمعنى عندما كانت في أوج قمتها وقوتها وازدهارها ، ـــ . ويصف الدكتور حامد ربيع هذا المنبر الخشبي ـــ وهو من الأثريين المصريين الكبار الذين أسهموا إسهامًا كبيرًا في تسليط الكثير من الأضواء على الآثار الإسلامية في اليمن ــــ ، فيقول : “ إنّ هذا المنبر ، إنما صنع في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ، القرن ( 10م ) “ . ويعلل أسباب ذلك ، بقوله : “ وذلك بناء على مقارنته مع نماذج أخرى مؤرخة تحمل نفس الروابط الخشبية بمسجد الحاكم في عهد الدولة الفاطمية سنة 393هـ ( 1003م ) وباب جامع الأزهر المؤرخ سنة ( 400هـ / 1010م ) ، ومنبر مسجد الميدان بقرية ( أبيانة ) بإيران والمؤرخ سنة ( 466هـ / 1074م ) “. ونستدل من ذلك أنّ اليمن كانت لديها علاقة مع الدولة الفاطمية في مصر قبل ظهور الدولة الصليحية عام ( 439هـ / 1047م ) في فترة ليست قصيرة ، فمؤسس الدولة الصليحية علي بن محمد الصليحي المقتول سنة ( 459هـ / 1067م ) كان مزامنًا للخليفة المستنصر الفاطمي الذي أعلن ثورته في عهده ، أمّا الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي ( 387 ـــ 459هـ / 996 ــــ 1020م ) ، فقد كان من الخلفاء الفاطميين الأول في سلم الخلفاء في الخلافة الفاطمية بمصر .[c1]الطريق إلى الحوطة[/c]وصف الرحال الألماني هانز هولفريتز مدينة الحوطة عاصمة السلطنة اللحجية الذي زارها في عهد السلطان العبدلي عبد الكريم بن فضل بن علي الذي اعتلى عرش السلطنة في ديسمبر 1918م ، عندما خلف وراء ظهره مدينة الشيخ عثمان التابعة للسلطات الإنجليزية ، وأخذ يتوغل نحو لحج وتحديدًا مدينة الحوطة والتي أخذت تتراءى له المدينة شيئا فشيئا من وراء الأفق اللامتناهي فيقول : “ وفجأة ارتفع أمامنا في الأفق ، منظر رائع ، وكأن مسة سحرية قد أصابته ، فبعثته إلى الحياة ، إنها قصور ذات أبراج ، تشرق بيضاء لامعة ، كالمرمر ، وقد ارتفعت سقوفها المدورة وشرفاتها الرقيقة . وكان الشيء المدهش ، أنّ جميع هذه المناظر، بدت عائمة في الهواء ، وكأنها مرسومة على نقطة انحدار السماء الزرقاء نحو الأفق ، وقد ضمت أرق الألوان وأكثرها وداعة “ . ويمضي في حديثه ، فيقول : “ وعندما اقتربنا ، أخذنا نبصر الخطوط العريضة للمدينة ببيوتها السمراء المربعة ، وقد تشابكت مع بعضها ، وثبتت أقدامها في الأرض . وتبينا سبب ما أصابنا من خداع النظر من بعيد ، فالبيوت كلها مؤلفة من أكثر من طبقة واحدة ، وجميع طبقاتها العليا مصبوغة باللون الأبيض ، أما الطبقات السفلية فلونها من لون التراب ، وهذا الذي جعلها تبدو لنا من بعيد وكأنها معلقة في الفضاء “ . [c1]مسجد الدولة[/c] وهذا الوصف يعطينا فكرة واضحة عن بهاء مدينة الحوطة آنذاك لكونها كانت عاصمة السلطنة اللحجية حينذاك ، وكانت أيضًا بوابة عدن حيث كانت القوافل التجارية المحملة بكافة السلع والبضائع القادمة من داخل الريف تمر عبرها لتصبها في مدينة عدن ولذلك أطلق عليها لحج بوابة عدن . والحقيقة أنّ ضخامة وفخامة المسجد الجامع في مدينة من المدن اليمنية في التاريخ البعيد ، كانت تمثل للسلاطين والملوك الذين تعاقبوا على حكمها ومنها مدينة الحوطة عاصمة السلاطين العبادل عاصمتهم السياسية . ولذلك سار سلاطين لحج على هذا المنوال ، فعندما اعتلى السلطان عبد الكريم فضل المتوفى ( 1947م ) سدة السلطنة اللحجية سارع في تشييد جامع كبير فخم جلب له الكثير من البنائين الهنود المسلمين المتخصصين في بناء المنشآت الدينية وعلى وجه الخصوص المساجد ، وصرف عليه الأموال الطائلة . وتذكر الروايات أنّ السلطان عبد الكريم أعاد بناء هذا المسجد على أنقاض مسجد قديم ، كان قد بناه السيد عمر بن عبد الله المساوي . “ وبعد فترة جدد السلطان عبد الكريم فضل الميضآت ( أماكن الوضوء ) . وأمر السلطان بحفر بئر بالقرب من الجامع بعد أنّ ، كان الماء يجلب بصعوبة ومشقة إليه من مكان بعيد على ظهور الثيران ، والجمال ، وكان السلطان عبد الكريم يقوم بإدخال تحسينات عليه بصورة شبه دائمة . فقد فرش أرضيته بالمرمر ، وأضاءه بالكهرباء . ويذكر الأديب الشاعر أحمد فضل المشهور بــ ( القومندان ) تاريخ الأنتهاء من بناء هذا المسجد الجامع ، فيقول : “ وفي هذا العام ( 1349هـ / 1930م ) أتم السلطان عبد الكريم بناء جامع مدينة الحوطة “ أي أن جامع الدولة أو جامع مدينة الحوطة قطع من العمر قرابة أكثر من 70عاما حتى يوم الناس هذا . ويعد هذا المسجد الجامع معلم من معالم لحج الخضراء . [c1]مسجد الخير[/c]قبل دخول العثمانيين إلى مدينة الحوطة بعشر سنوات بقيادة القائد العثماني على سعيد باشا وتحديدًا في عهد حكم السلطان أحمد بن فضل محسن العبدلي المتوفى سنة ( 1914م ) قام التاجر صالح فضل العاص في سنة ( 1323هـ / 1905م ) ببناء مسجد سماه الخير ـــ وهو أحد التجار الأثرياء المشهورين في تجارة العطارة ـــ وقيل كان يقام في هذا المسجد دروس في علوم الشريعة من فقه وتفسير للقران والحديث ، و النحو ، والأدب . ومن المحتمل أنّ المسجد في بداية عهده كان يضم في جنباته الكثير من العلماء الكبار ولذلك كانت تدرس فيه تلك العلوم الشرعية وفروعها المتنوعة كما أشرنا قبل قليل . ويسترعي انتباهنا أن المسجد يقبع بين منازل متواضعة عتيقة ، قد بنيت من الطين ، وأنّ تجاعيد الزمن حفرت أخاديد واسعة على جدرانها.ويلاحظ أنّ المسجد لم تمتد إليه أيدي الترميم والصيانة حتى هذه اللحظة علمًا بأنه من المساجد القديمة في لحج والذي يبلغ من العمر أكثر من نيف ومائة عام , ونستدل من ذلك أنّ هذا المسجد أقدم من مسجد الدولة . [c1]مسجد أبان[/c]يذكر أحد الرحالة الغربيين الذي زار عدن في القرن العاشر الهجري / القرن السادس عشر الميلادي وكانت عدن في تلك الفترة التاريخية تحت حكم الدولة أو السلطنة الطاهرية . أنّ المدينة مزدهرة بالمساجد بصورة تدعو إلى الإعجاب من ناحية وأنّ المنشآت الصوفية تحتل مساحة كبيرة في هذه المدينة المطلة على البحر العربي من ناحية أخرى . وفي عدن القديمة ( كريتر ) يطفو مسجد غاية في الأهمية يعود بناؤه إلى عهد الخليفة عثمان بن عفان ـــ رضي الله عنه ـــ الذي تولى خلافة المسلمين في سنة ( 23هـ / 644م ) . وقد أجمعت كتب التاريخ أنّ هذا المسجد الجامع ، كان قبلة نوابغ العلماء الكبار وجهابذة الفقهاء ، وقبلة طلاب العلم وكذلك قبلة طلاب الشهرة . وصفته أكثر المصادر التاريخية أنه كان “ أحد مساجد عدن المشهورة بالبركة ، واستجابة الدعاء ، ونجاح الحوائج ، وفيه أقام العالم الجليل الإمام أحمد بن حنبل المتوفى ( 241 هـ / 856م ) . وكانت ولاية اليمن ومنها عدن واقعة تحت ظلال الخلافة العباسية وتحديداً في عهد الخليفة العباسي عبد الله المأمون بن هارون الرشيد الذي بويع له بالخلافة سنة ( 198هـ / 814م ) وفي إبان عهده شهدت البلدان العربية والإسلامية ازدهارًا فكريًا وعلميًا واسعًا وكان من البديهي أنّ ينعكس هذا على ازدهار الحركة العلمية في ثغر اليمن عدن . [c1]شيخ جوهر[/c]وتذكر المصادر أنّ الشيخ الكبير ، قطب أقطاب الصوفية في عدن أبو البهاء جَوهَر بن عبد الله العدني المتوفى ( 626 هـ / 1229م ) وهو يوم ميلاد الدولة الرسولية التي حكمت اليمن أكثر من قرنين من الزمان ، أنه كان يعمل بزازاً ( بائع للأقمشة ) في سوق أبان ، وكان كثير الاعتكاف في هذا المسجد ، قبل أنّ يتولى منصب المشيخة عن شيخه أبا حمران . ومازال قبر بن جوهر معروف وهو مدفون في مسجده المسمى على أسمه في حي القاضي بـ ( كريتر) عدن القديمة. وكيفما كان الأمر ، فقد ذاعت شهرة مسجد جامع أبان آفاق البلدان العربية والإسلامية بفضل علمائه الأجلاء الجهابذة الذين كانوا ينبوع في العلوم الدينية وفروعها المتنوعة لا ينضب . وهذا مما دفع الإمام الكبير والعالم القدير أحمد ابن حنبل أنّ يأتي إلى هذا المسجد ليأخذ مسألة علمية من العالم الفقيه الحكم بن أبان . وتذكر الروايات أنّ قدوم الإمام أحمد بن حنبل إلى عدن ، كان في سنة ( 170 هـ / 787م ) . ويصف المؤرخ بامخرمة مؤلف (ثغر عدن ) أبان بن عثمان نقلا عن الذهبي ، قوله : “ ما رأيت أعلم بحديث ، ولا فقه منه ... كان فقهاء المدينة عشرة وعد منهم أبان بن عثمان “ . ويذكر الدكتور حسين مؤنس في كتابه ( المساجد ) تاريخ وفاته بين 95 و 105 هـ / 713 ـــ 722م . ويذكر ابن سعد في الطبقات أنّ أبان توفى في المدينة المنورة ، ويفهم من تلك الرواية أنه رجع إلى المدينة ، وتوفي فيها ، بخلاف ما هو شائع ومشهور أنّ أبان بن عثمان مدفوناً في مسجده الذي سمي باسمه ، ولكن المعطيات التاريخية تغفل عن تحديد تاريخ رجعوه إلى المدينة من عدن ، ولكن الشيء الثابت والمؤكد أنه لم يدفن في مسجد أبان كما كان يظن الكثير من الناس وإنّ لم يكن أغلبهم .[c1]مسجد العسقلاني[/c]مسجد العسقلاني أو مسجد البيحاني الرابض في أخر شارع ( حسين على ) المقابل لحي القطيع أقدم الأحياء السكنية بــعدن القديمة ( كريتر) وتذكر الروايات التاريخية أنّ هذا المسجد قطع من العمر نيف وستمائة سنة . ويقال أنّ هذا المسجد سميا بمسجد العسقلاني لكون الإمام الحافظ بن حجر العسقلاني ، قد أقام فيه لمدة ستة شهور ، وألقى الكثير من العلوم الدينية فيه عند زيارته لثغر عدن . وتذكر المصادر أنّ الشيخ علي بن عبد الله اليافعي قام بترميمه وتوسعته في العقد الثالث من القرن الثالث عشر الهجري / القرن التاسع عشر الميلادي . وفي سنة ( 1369 هـ / 1950م ) . هدم هذا المسجد من أساسه ، وأعيد بناءه على أحدث الطرز المسجدية حينئذ , ولقد بلغ تكلفته أربعمائة واثنين وثمانين ألف روبية هندية ، وأشرف على هذا العمل الجليل الشيخ سعيد بن أحمد بازرعة ، وقام المقاول الحاج محمد عثمان اليمني ببناء المسجد ـــ حسب قول الشيخ محمد سالم بيحاني في مؤلفه ( رسالة نحو المسجد ) . وتذكر الروايات أنّ اسم مسجد العسقلاني ارتبط أيضًا باسم الشيخ محمد سالم البيحاني ـــ ويعد من كبار العلماء الإجلاء في اليمن ـــ ، وكان يلقي دروسه بصورة مستمرة في هذا المسجد ، ويلقي أيضًا فيه خطب الجمعة والمناسبات والأعياد الدينية ، وكان له دور كبير في الوقوف مع الأحرار اليمنيين وعلى رأسهم الأديب والشاعر الشهيد المناضل محمد محمود الزبيري والأستاذ أحمد محمد النعمان الذين أسسوا حزب الأحرار في مدينة عدن سنة 1944م ضد جور وظلم الإمام يحيى وأبنه السيف أحمد الذي كان وليًا للعهد آنذاك .[c1]جامع عدن[/c]ويورد الشيخ البيحاني في مؤلفه ( رسالة نحو المسجد ) عددًا من اسماء المساجد عدن القديمة التي مازالت ماثلة للعيان ، والبعض الآخر بات أثرًا بعد عين ، وبني على أنقاضه مسجد آخر باسم آخر وفي عصر آخر ، كالآتي : “ المسجد القديم ـــ يقصد موقع المنارة القائمة حاليًا بجانب بريد عدن العام ـــ ، وتذكر المصادر أنّ مكان المنارة الحالي ، كان مسجدًا بناءه ( بناه ) الخليفة عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي ـــ رضي الله عنه ـــ المتوفي سنة ( 101هـ / 720م ) وقام الأمير حسين بن سلامة ( 2 / 403هـ / ) ( 1013م ) وهو أحد موالي الدولة الزيادية في زبيد ، بتوسعته ، وأضاف عليه السلطان الملك عامر بن عبد الوهاب الطاهري المتوفى ( 923هـ / 1517lم ) زيادات أخرى . وأمّا عن بناء المنارة القائمة حتى يوم الناس هذا فهي من المحتمل بنيت في وقت متأخر لكون ظهور المآذن في المساجد ، كان في أواخر عصر الدولة الأموية سنة ( 132هـ / 750م ) ، وبداية الدولة العباسية . والجدير ذكره ، أنّ المآذن ليست من العناصر الرئيسة في المسجد أو المساجد ، كالقبلة المحراب ، المنبر ، بيت الصلاة ، الصحن ، وإنمّا تعد من العناصر الإضافية والجمالية فيه . ومن المرجح أنّ مئذنة جامع عدن بنيت في الفتح العثماني الأول لليمن سنة 1538م والذي استمر قرابة قرن من الزمن . [c1]من مساجدها القديمة[/c] ويورد الشيخ البيحاني في مؤلفه ( رسالة نحو المسجد ) في سرد معلومات تاريخية هامة عن عددٍ من المساجد القديمة والمشهورة في عدن القديمة ( كريتر ) ، فيقول : “ مسجد العيدروس نسبة إلى العالم الجليل والقطب الصوفي الكبير السيد الشريف أبي بكر بن عبد الله العيدروس باعلوي ، ومسجد حسين صديق الأهدل ، ومسجد الشيخ عبد الله بن أبي بكر بن عمر بن سعيد الخطيب الشعبي في شارع أو سوق الزعفران ــــ ويعد الزعفران من أقدم الأسواق الشعبية في المدينة ، وكان يباع فيه الماء ، والحطب ، وذكر اسم هذا السوق في عصر إمارة بني زريع عمال الدولة الصليحية في عدن ولحج والذين انسلخوا منها في عهد الملكة سيدة بنت أحمد الصليحي المتوفاة ( 532هـ / 1138م ) , وقد كوّنوا لهم إمارة جديدة في عدن استمرت 36 عامًا حتى قضى عليهم الأيوبيون سنة ( 596هـ / 1173م ) ــــ والكلام مازال للشيخ البيحاني : وبانصير ، وأبي الليل ، وجوهر ، والعراقي ، وعلوي ، والخوربي ، والشوذري ، وعبد الله عمر ، وبن علوان ، وحامد المهدلي ، وخواص ، وأحمد هندي ، وخدابخش وهو المعروف تاريخيًا بمسجد الشجرة ... “ . ويذكر الأستاذ عبد الله محيرز في مؤلفه ( صيرة ) أنه كان يوجد مسجد في حي القطيع ـــ وهو من الأحياء القديمة في المدينة ـــ بنته السيدة الحرة بهجة أميرة من أميرات بني زريع ، وقد نسب المسجد إلى أسمها . ويرجح عبد الله محيرز أنّ المسجد الحالي ، قد بنى على أنقاضه مسجد آخر هو مسجد علوي بن محمد بن عيدروس المشهور حاليًا بمسجد ( العلوي ) المتوفى سنة ( 1000هـ / 1592م ) أي أنه شيد في إبان حكم العثمانيين الأول لليمن . [c1]خواص[/c]مسجد صغير يرقد في أحضان مدينة عدن القديمة ( كريتر ) منذ نيف ومائة عام . يتجلي فيه التواضع والوقار ، يفيض بالنور والضياء ، مازال واقفاً شامخًا يطاول الأيام ، والشهور ، والسنين ، تغيرت الدنيا من حوله ولم يتغير حمل على كتفيه الأيام الخوالي أنه مسجد خواص الشاخص ببصره على ميدان ( كريتر ) , وحي حسين الأهدل ، وسوق الطويل . وعلى جدار الجهة الشرقية من المنبر والمحراب في بيت صلاة المسجد تطل لوحة مربعة الشكل صغيرة الحجم من المرمر الأبيض ، نحتت عليها عبارة قصيرة كالآتي : “ بناءه ( بناه ) الحاج خواص بن سيف الدين في سنة 1325هـ ( 1907م ) “ . وهذا وقد سمي المسجد بإسمه . ويقال خواص هذا ، كان متبعا الطريقة الصوفية للشيخ عبد القادر الجيلاني وهو قطب من أقطاب الصوفية في العراق ، والعالم الإسلامي ، وله أتباع ومريدين كثر في مختلف البلدان العربية والإسلامية ، فوهب خواص عمارة المسجد ثوابًا على روحه . وتذكر المصادر أنه بعد وفاة الحاج خواص ، تكفل الحاج هاشم كوار بالعناية والإنفاق والصرف على المسجد . وقد أوقف على المسجد أربعة بيوت في ( حافة ) حي الصومال بكريتر . ويقول بعض الطاعنين في السن أنّ الحاج هاشم كوار الذي تكفل في العناية والاهتمام بمسجد خواص تعود أصوله إلى الصومال ، ولقد سكن أجداده الأول عدن في التاريخ البعيد ، وأكثروا فيها الأنساب ، وباتوا جزء لا يتجزأ من نسيج مجتمع أهل عدن ، وتحت سمائها عاشوا ، ودفنوا في ثراها مثلهم مثل كثير من الجاليات المتنوعة التي قدمت منذ الأزمنة البعيدة من مصر ، الإسكندرية ، الهند ، السند ( الباكستان الحالية ) ، ومن فارس وغيرها من بلدان العالم الإسلامية لكون ، عدن ، كانت أشهر ميناء عربي يقع على الطريق البحري الدولي بين مصر والهند . والحقيقة إذا أردنا أنّ ندرس بعمق تاريخ الحياة الاجتماعية في عدن بصورة خاصة واليمن بصورة عامة على المرء أنّ يدرس تاريخ نشؤ وتطور المساجد لكونها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً وقويًا بحياة الناس بصورة دائمة . [c1]الشيخ حامد ( أبوقبة )[/c]في التاريخ البعيد ، رحل الشيخ العارف بالله حامد بن عبد الله بن علي صاحب القبة الكبيرة في الوهط في لحج وتعتبر هذه المدينة من المدن الدينية في اليمن ، حيث نشاهد الكثير والكثير جدًا من القبور والشواهد لشيوخ الطرق الصوفية ، وأولياء الله الصالحين فيها . وتذكر بعض الروايات أنّ الشيخ حامد ألقى عصا الترحال في سوق الزعفران في عدن وهناك أقام زاوية من الزوايا الصوفية التي اشتهرت بها مدينة الوهط . ومع تعاقب النهار والليل ذاع صيته في عدن وألتف حوله الكثير من الأتباع والمريدين ، وكان يرد أيضًا مريدون من الوهط على مصلاه الصغير. وفي مصلاه ، كان يلقي على مريديه وأتباعه علوم الدين ويفقهم في شؤون دنياهم ودينهم . وقيل أنّ الشيخ ( حامد ) توفى سنة ( 1011هـ / 1602م ) في عدن ، وبعد فترة ليست طويلة تم بناء مسجد بجانب ضريح الشيخ حامد ، وتذكر المصادر أنّ يد التوسع امتدت أكثر من مرة في توسعة هذا المسجد وفي المرة الأخيرة أدخل الضريح في المسجد . وبهذا نستخلص أنّ الضريح وجد قبل بناء هذا المسجد الذي سمي بإسمه . ويلفت نظرنا أنّ الشيخ حامد بن عبد الله العارف بالله ، جاء إلى عدن في إبان الحكم العثماني الأول لليمن من ناحية وأنّ المسجد قطع تقريبًا مع العمر أكثر من أربعمائة سنة وبذلك يعد من أقدم المساجد في مدينة عدن بل وفي اليمن .[c1]الهوامش :[/c]بامخرمة ؛ تاريخ ثغر عدن ، ـــ الجزء الأول ـــ الطبعة الثانية 1407هـ / 1986م ، شركة دار التنوير للطباعة والنشر ـــ بيروت ـــ لبنان ــــ .الدكتور أحمد شلبي ؛ موسوعة التاريخ الإسلامي ـــ الجزء الخامس ـــ الطبعة التاسعة ( 1999م ) ، مكتبة النهضة المصرية ، شارع عدلي باشا بالقاهرة .محمد زكريا ؛ مساجد اليمن نشأتها تطورها خصائصها ، الطبعة الأولى 1416 هـ / 1996م ، مركز عبادي للدراسات والنشر ـــ صنعاء ـــ الجمهورية اليمنية ــــ .هانز هولفريتز ؛ تعريب : خيري حماد ؛ اليمن من الباب الخلفي ، الطبعة الثالثة 1985م ، المكتبة اليمنية للنشر والتوزيع ـــ صنعاء ـــ .الدكتور حسين مؤنس ؛ المساجد ، عالم المعرفة ، صفر / ربيع الأول 1401هـ ـــ يناير ( كانون الأول ) 1981م ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ـــ الكويت ـــ .أحمد فضل العبدلي ؛ حققه وضبط نصه وعلق عليه : أبو حسان خالد أبا زيد ألأذرعي ؛ هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن ، الطبعة الأولى 1425هـ / 2004م ، الناشر : مكتبة الجيل الجديد ــــ اليمن ــــ صنعاء .