الإسلام في معناه القلبي الاعتقادي هو التسليم والانقياد لله تعالى وحده . وليس لأحد من البشر أن يحاسب إنسانا بشأن عقيدته ، والا كان مدعيا للالوهية . والقرآن يؤكد تأجيل الحكم على الناس في اختلافاتهم العقيدية إلى يوم القيامة وإلى الله تعالى وحده ، قال تعالى : (( .. فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )) (البقرة/ 113) وقال تعالى: (( .. ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )) (آل عمران/ 55) وقال تعالى: ((إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )) (يونس/ 93) وقال تعالى : ((وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )) (النحل / 124) وقال تعالى : ((إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) (المائدة/ 48) وقال تعالى : ((إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ))، ((ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ))، (( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ )) (الزمر/ 46،7،3) .هذا هو معنى الإسلام الباطني القلبي الاعتقادي ، هو في التعامل مع الله تعالى استسلاماً وخضوعاً له بلغة القلوب، وهي لغة عالمية يتفق فيها البشر جميعًا، وعلى أساسها سيكون حسابهم جميعًا أمام الله تعالى يوم القيامة.أما الإسلام في التعامل الظاهري فهو السلم والسلام بين البشر مهما اختلفت عقائدهم يقول تعالى (( يآ أيها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة )) ( البقرة / 208 ). أي يأمرهم الله تعالى بإيثار السلم .ونتذكر هنا تحية الإسلام ألا وهي السلام وأن السلام من أسماء الله تعالى، كل ذلك مما يعبر عن تأكيد الإسلام على وجهه السلمي ويؤكد المعنى السابق للإيمان بمعنى الأمن والأمان . والانسان الذي يحقق الاسلام السلوكي في تعامله مع الناس فيكون مسالما لا يعتدي على أحد ، ويحقق الاسلام العقيدي في تعامله مع الله تعالى فيسلم قلبه وجوارحه لله تعالى وحده ، هذا الانسان يكون مستحقا للسلام عند الله تعالى يوم القيامة، لذلك فإن الله تعالى يعدهم بالسلام و الأمن فى الجنة ، قال تعالى : ((ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ)) (الحجر / 46) والجنة هي دار السلام ، قال تعالى : ((لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) (الأنعام / 127) والسلام هو تحية أهل الجنة قال تعالى : ((سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)) (الرعد / 24) وقال تعالى : (( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) (يونس /10) وقال تعالى : ((سَلامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ )) (يس / 58).[c1]مفهوم الكفر والشرك في القرآن الكريم [/c]1 ـ الكفر والشرك سواء، هما قرينان في مصطلح القرآن لذلك يأتيان مترادفين في النسق القرآني . قال تعالى : (( بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ))، وقال تعالى : ((مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ)) ( التوبة / 1، 2، 17) وقال تعالى على لسان رجل مؤمن : ((تَدْعُونَنِي لأكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ)) (غافر /42). 2 ـ الكفر فى اللغة العربية يعني التغطية، أي كفر بمعنى غطى، ومثلها أيضا « غفر» ومنه المغفر الذى يغطى الوجه فى الحرب . وكلمة «كفر» أي غطى انتقلت الى لغات أخرى منها الأنجليزية : (Cover). إلا أن الله تعالى وصف المزارعين بالكفار، فالزارع كان يطلق عليه فى اللغة العربية “كافر” لأنه “يكفر الزرع” أي يغطيه بالتراب والماء لينمو. وجاء هذا المعنى في القرآن الكريم في قوله تعالى : ((اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) (الحديد / 20). لقد خلق الله تعالى البشر بفطرة نقية لا تعرف تقديسا إلا لله تعالى ولا تعرف غيره جل وعلا ربَّـًا وإلهًا ومعبودًا ووليًا وشفيعًا ونصيرًا، قال تعالى : ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )) ( الروم / 30 ) . ثم تأتي البيئة الاجتماعية وموروثاتها الدينية فتغطى تلك الفطرة النقية بالاعتقاد فى آلهة وأولياء وشفعاء ينسبونهم إلى الله تعالى زورًا، ويزعمون أنها تقربهم إلى الله تعالى زلفا أو أنها واسطة تشفع لديه . ذلك الغطاء أو تلك التغطية هى الكفر بالمعنى الديني. وفي الوقت نفسه فإن ذلك هو أيضا شرك لأنه حول الألوهية إلى شراكة وجعل لله تعالى شركاء فى ملكه ودينه. وفي الواقع فإن فى داخل الكفر والشرك بعض الإيمان حيث يؤِِِمنون بالله إيماناً ناقصاً اذ يجعلون معه شركاء في التقديس، أو يأخذون من مساحة التقديس ـ التى ينبغي أن تكون لله تعالى خالصة ـ ويعطونها لمن لا يستحقها من البشر والحجر أنّ شريكـًا له في العبادة والتقديس. وبهذا يجتمع ذلك الإيمان ـ الناقص ـ بالله تعالى مع الإيمان بغيره أي بتأليه البشر والحجر، ووصف الله تعالى أن أكثرية البشر لا تؤمن بالله إلا إذا آمنت معه بغيره، وهذا هو حال المشركين، قال تعالى : ((وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ )) ( يوسف / 106).أي أنّ الشرك يعني وجود إيمان بالله لكنه إيمان ناقص حيث يؤمن بالله تعالى ويؤمن أيضا بوجود آلهة أخرى معه. وهذا الإيمان الناقص فى عقيدة الشرك سيؤدى بأصحابه إلى النار يوم القيامة ، وسيقال لهم وقتها أنهم كانوا إذا قيل لهم فى الدنيا آمنوا بالله وحده رفضوا ولم يؤمنوا بالله إلا إذا جعلوا معه شريكا وحولوا الالوهية إلى شراكة بين الله تعالى وغيره ، قال تعالى : ((ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ )) (غافر / 12)والله تعالى لا يأبه بذلك الإيمان القليل لأنه “كفر” أى غطى الفطرة بتقديس غير الله. والفطرة كما جاء في القرآن الكريم تجعل الالوهية لله وحده . وقد لعن الله تعالى الكافرين بسبب إيمانهم القليل بالله ، قال تعالى : (( وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً )) (النساء / 46) وأكد أن إيمان الكافرين القليل لن ينفعهم يوم القيامة، قال تعالى : ((قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ )) (السجدة /29).وبعضهم يرى أن الكفر هو الإلحاد أي الإنكار التام لوجود الخالق جل وعلا، وأن الشرك هوالاعتقاد في آلهة واولياء مع الله، فالشرك عندهم يختلف عن الكفر. ونقول بالإضافة لما سبق إن الله تعالى ذكر فرعون نموذجًا لأكثر البشر كفرًا وإلحادًا؛ بلغ به إلحاده الى إدعاء وإعلان الربوبية العليا، ووصل به تحديه لله تعالى إلى أن يتساءل ساخرًا عن الله تعالى منكرًا وجوده لأنه ما علم إلهًا للمصريين سواه وهو بذلك يقصد نفسه. كما جاء في قوله تعالى : ((فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى)) (النازعات / 23 ، 24)، ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ)) ( القصص /38) ((وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ )) (غافر / 36 ـ37). هذا الملحد الأكبر كان في داخله يؤمن بآلهته الفرعونية ، بل ويؤِِمن بأن لله تعالى ملائكة ، قال تعالى : (( فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ )) (الزخرف/ 53) ، ((وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ )) (الأعراف / 127)” ولكنه انخدع بالمُلك والسلطان والتراث الديني الذي يزكي طغيانه والكهنة والجند يؤازرونه فازداد طغيانًا وتحدى رب العزة جل وعلا. وحين زال عنه سلطانه وجنده وكهنته وكهنوته وأدركه الغرق انكشف غطاء الوهم ورجع سريعًا إلى فطرته التى غطتها موروثات الشرك، وأعلن إسلامه في الوقت الضائع حيث لا يجدي الندم ولا التوبة، قال تعالى : (( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )) ( يونس / 90 ) و أصبح مثلا فى القرآن الكريم لكل مستبد يصل به استبداده إلى الإلحاد والتأله. ومع ذلك قلَّ من يعتبر من أغلبية المسلمين من الراعي والرعية والرعاع . إن أعتى الملحدين في عصرنا لا يستطيع إلغاء الفطرة في داخله ، ومهما أعلن إنكاره لله جل وعلا فإنه عندما يتعرض للمرض أو الغرق أو المصائب يرجع ذليلا لربه جل وعلا، وقد يعود إلى عتوه بعد زوال المحنة، قال تعالى : (( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )) ( يونس / 22 ، 23) وقال تعالى : (( وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ )) ، ((فَإِذَا مَسَّ الإنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )) ( الزمر / 8 ، 49 ) ، وقال تعالى : ((وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا )) ( الإسراء / 67).وقد يظل في غيه إلى لحظة الاحتضار. وهنا يصبح أسيراً بين يدي خالقه يصرخ حيث لا يسمعه البشر من حوله وحيث لا ينفع الندم ولا تجدي التوبة. وحديث القرآن عن هذا الغيب وغيره يطول ـ وما أروعه ـ ولكن ليس هنا محله.3 ـ وفي كل الأحوال فإن الشرك والكفر يعنيان معًا الظلم والاعتداء.وقد وصف الله تعالى الشرك بالله بأنه ظلم عظيم، قال تعالى : ((إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )) (لقمان /13) فأعظم الظلم أن تظلم الخالق جل وعلا وتتخذ إلهًا معه، وهو خالقك ورازقك، وهذا طبعًا في العقيدة والتعامل مع الله. أما في التعامل مع البشر فإذا تطرف أحدهم في ظلم الناس بالقتل والقهر والاستبداد ومصادرة الحقوق الأساسية للإنسان في المعتقد والفكر، أصبح هذا الظالم مشركا كافرًا بسلوكه، وتصرفه وتعامله الظالم مع الناس، ولا شأن لنا بما في قلبه أو بعقيدته التى يتمسح بها أو يعلنها. نحن هنا نحكم فقط على جرائمه الظاهرة من قتل للأبرياء واعتداء على الآمنين وقهر للمظلومين. أما عقيدته وعقائدنا فمرجع الحكم فيها فالى الله تعالى يوم القيامة.والقرآن يؤكد تأجيل الحكم على الناس في اختلافاتهم العقيدية الى يوم القيامة والى الله تعالى وحده.4 ـ وعليه فكما للإسلام معنيان (الايمان بالله وحده إلهًا والانقياد والاستسلام لله وحده) حسب العقيدة القلبية في التعامل مع الله، و( الأمن والثقة والسلام) في التعامل مع كل الناس، فإن الشرك والكفر يعنيان معا الظلم والاعتداء. الظلم لله تعالى والاعتداء على ذاته بالاعتقاد في آلهة أخرى معه، وتقديس غيره، فيما يخص العقيدة، والظلم والاعتداء على البشر بالقتل للأبرياء وسلب حقوقهم وقهرهم، في التعامل مع الناس. وبينما يكون لله تعالى وحده الحكم على اختلافات البشر في أمور العقيدة ـ من اعتقاد فيه وحده أوبالعكس مثل إتخاذ أولياء وآلهة معه أو نسبة الابن والزوجة له ـ فإنه من حق البشر الحكم على سلوكيات الأفراد وتصرفاتهم، إن خيرًا وإن شرًا. إن كانت سلامًا وأمنـًا فهو مؤمن مسلم، وإن كانت ظلمًا وبغيًا فهو مشرك كافر بسلوكه فقط. هنا يكون سهلا تحديدنا المسلم بأنه الذى سلم الناس من أذاه مهما كان دينه الفعلي أو الرسمي أو اعتقاده، والمشرك الكافر هو المجرم الإرهابي والمستبد الظالم الذي يقهر شعبه، أو الطاغية، من الطغيان، وهو أفظع الظلم ، والبغي وهو الظلم الذى يجاوز الحد ويعتدي على الآخرين ظلمًا وعدوانًا. 5 ـ لقد ارتبط الكفر والشرك في القرآن الكريم بوصف الظلم. وتكرر وصف الظلم في القرآن الكريم نحو مائتي مرة، كما ربط الله تعالى بين الكفر والشرك ومصطلح الاعتداء فى مواضع كثيرة، وقد حرّم الله تعالى البغي ووصف كبار المشركين بالبغي والطغيان. 6 ـ الطاغوت أعتى الكفر والشرك والظلم يمكن للقارئ أن يتأكد من هذا إذا راجع كلمة الطاغوت وسياقها القرآنى . هناك مجرم عادي يقتل الأبرياء كل يوم دون مبرر ديني، وهناك مستبد علماني يقهر شعبه تحت شعار الوطنية أو القومية دون أن يتمسح بالدين أو أن يحمل اسم الله تعالى. هذا القاتل الظالم وذلك المستبد العلماني يوصفان بالكفر والشرك حسب إجرامهما السلوكي.ولكن بعضهم يبرر ويسوغ ظلمه للبشر واعتداءه عليهم بتفسيرات دينية وأقاويل ينسبها لله تعالى ورسوله، ويجعل ذلك سفك الدماء وغزو المسالمين جهادا وفريضة دينية، كما يفعل حاليا الإرهابيون الذين يزعمون أن إجرامهم الإرهابي جهاداً. هنا يكون ظلمهم لله تعالى وللناس مضاعفا. هنا يمتد طغيانهم ليشمل الله تعالى ودينه ووحيه والناس أيضًا. هذه الحالة من الطغيان المركب والمضاعف يسميه القرآن الكريم : (الطاغوت) أي الافك والتزييف المسيء المنسوب ظلمًا وعدوانًا لله تعالى والذى يتمسح بدينه بالكذب والبهتان.وفى مصطلح القرآن فإن الطاغوت هو إمام المشركين الظالمين وهو الذي إليه يرجعون وبه يتمسكون. وإذا تدبرنا السياق القرآنى الذى وردت فيه كلمة الطاغوت في القرآن وجدناها تنطبق فى عصرنا على الفتاوى الدموية التي تجيز قتل الأبرياء وتجعل القتل جهادا والتي تقنع الشباب بالانتحار ليقتلوا المدنيين عشوائيًا. هذا هو التشريع الديني الذي يحول أبشع الظلم إلى عبادة، ويجعل القتل العشوائي للمدنيين والأطفال والنساء والشيوخ جهادا يزعمون أن الله تعالى أمر به، والله تعالى لا يأمر بالظلم والفساد والاعتداء، إنما يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. لذا فهذا الافتراء على الله تعالى لا يوجد طغيان وبغى أفظع منه. ولأنه أفظع ظلم يقع على الله تعالى ودينه ورسوله وكتابه فقد استعمل القرآن له وصف المبالغة في الطغيان فجعله طاغوتاً. وبهذا الطاغوت كانت تحكم الدول الدينية المذهبية باسم الإسلام وباسم المسيحية في العصور الوسطى في الشرق المسلم والغرب الأوربي المسيحي، وتحت عباءة الطاغوت دارت الحروب الدينية والفتوحات باسم الإسلام وباسم المسيحية، ودارت محاكم التفتيش والاضطهادات الدينية والمذهبية،وجرى استرقاق الملايين وهتك أعراضهم بمقولة السبي ، وأبيدت أمم في أطراف العالم. ثم تحررت منه أوروبا، وكان المسلمون على وشك التحرر منه فكريًا وثقافيًا بانتهاء الدولة العثمانية وسقوط خلافتها الطاغوتية لولا أن المذهب الوهابي أعاد نشر نفس الكهنوت، وأسهمت ظروف الحرب الباردة والاستقطابات العسكرية والسياسية بين قطبي العالم قبل سقوط الاتحاد السوفيتي في نشر هذا الطاغوت الوهابي ليسيطر على أفئدة المسلمين باسم الإسلام، وهو أعدى أعداء الإسلام .7 ـ المحصلة النهائية لما سبق :ا ـ إن كل إنسان مسالم فهو مسلم حسب الظاهر من سلوكه بغض النظر عن دينه ومعتقده، سواءً كان مؤمنًا بالقرآن أو مسيحيًا أو يهودياً أو بوذيًا أو صابئاً. وحسب سلوكه المسالم نتعامل معه بنفس السلم . وطبقـًا لتشريعات القرآن فلكل بيوت العبادة حصانة سواءً كانت كنائس أو أديرة أو بيوت عبادة لأصحاب التوراة أو أي بيت يذكر الناس فيه إسم الله كثيرًا أو مساجد. ومن أجل الدفاع عن كل بيوت العبادة شرع الله تعالى الجهاد، قال تعالى : (( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )) ( الحج / 40).ب ـ إن كل إرهابي وكل سفاك للدماء وكل قاتل ظالم وكل مستبد يقهر شعبه فهو بسلوكه كافرٍ مشركٍ ظالمٍ باغٍ طاغٍ بغض النظر عن دينه الرسمي. فإذا سوغ قتله وظلمه بتفسيرات دينية نسبها لدين الله تعالى فقد أصبح طاغوتـًا، يرتكب أفظع ظلم لله تعالى والبشر. وهذا ما كان يرتكبه قادة الكنائس الأوروبية والمتحالفون معهم من الحكام، وما كان يرتكبه الطغاة في الإمبراطوريات العربية والإسلامية فى العصور الوسطى، وما يفعله الآن حكام الدول الدينية فيما يسمى بالعالم الإسلامي، وما يرتكبه الثائرون عليهم من جماعات الارهاب مثل ابن لادن والظواهرى والزرقاوى. [c1]---------------------------------------------------------* عالم ازهري ورئيس المركز العالمي للقرآن الكريم[/c]
أخبار متعلقة