في جمعية تنمية الثقافة والأدب - عدن (2ـ2)
[c1]* روايات وآراء ومواقف اجتماعية وسياسية * الشخصية الفنية والواقعية في روايات أديب نوبل[/c]متابعة / محمد نعمان الشرجبيتعميق الوعي والصفاء الفني الشاعر عبدالله باكداده - مدير عام مكتب الثقافة في عدن أفصح ولم يلمح في اشادته بالبرامج الدورية للجمعية وتنفيذها للمواضيع الثقافية والادبية المرتبطة بالواقع الذي خرجت منه وقيمتها الوطنية والانسانية .وقال لاحظت أن الجمعية تبذل ما وسعها الجهد عبر برامجها في تناول ثقافة لها قدرتها على اثراء الحساسية وتعميق الوعي والتأمل في ماضي وحاضر الواقع الثقافي والصفاء الفني الى قوله .. ثقافة تذيب التنافر والتباعد وتخلق الانسجام والوحدة وبهذا تحظى الكلمة بقيمتها وفائدتها المرجوة وأبرز دليل على ذلك الاديب الروائي المصري – العالمي ذاكرة الفردفي جماعته الانسانية قيد التناول هذا المساء وبهذا القدر من الجدية والجهد والتركيز والاهتمام والاختيار الامثل للتوقيت المتزامن مع الذكرى الخامسة والتسعين لميلاد نجيب محفوظ الولع بمعايشة فنه.هنيئاً لجمعية تنمية الثقافة كل النجاحات القادرة على تأدية دورها في أركان التطور الحضاري بقدر المستطاع من إيجابية الفعالية .[c1]إثراء الثقافة العربية بإبداع حقيقي [/c]المهندس محمد مبارك حيدرة - رئيس جمعية تنمية الثقافة والادب بعد إشارته الى أن نجيب محفوظ كان صاحب رسالة أدبية بلا شك تمكن من خلالها أن يصبح روائياً عظيماً يدافع عن الحق وينتصر له .. الحدث عنده نابع من روح ورحمة الانسان في أعماقه روح تعانق الفن والحياة.وفي سياق حديثه قال .. الاديب الروائي الكبير نجيب محفوظ (1911م-2006م) أثرى الثقافة العربية بابداع حقيقي وكتابة جمالية متجددة واستطاع بجهوده إرساء وترسيخ الرواية كفن أدبي متميز في الأدب العربي المعاصر.وإن روايات محفوظ اتسعت لشتى مناحي التاريخ والتراث والموقف منهما ..النهضة وعوامل تحقيقها الحرية والعدالة والسعي وراءها القهر والطغيان ومحاربتها الثقافة والمثقفين ودورهما الانتصارات والهزائم والاتعاظ بهما القوة والضعف الانسانيين والانحياز لأحدهما الأنا والآخر والتجسيد بينهما الحرب والسلام والفاصل بينهما ,المرأة المفروض والمرفوض نحوها وكذا الحرافيش والفتوات والباشوات الفاعلية والحق الجموع والزعامات..الخ.وفي الموضوعات سالفة الذكر أوضح أن (محفوظ) كتب عن شخصيات حواري وأزقة مصر (المدينة) وكتب عن عظماء قادتها وعظمة حضارتها وعبر عن تطلعاتها شعبها وفي كتابته كان يعبر عن عموم العرب والناس في كل مكان . -وبإيجاز يبدو مخلا – عبر روائياً عن أكثر وأهم الموضوعات المرتبطة بالضمير الانساني بعامة وهنا مكمن سر عالميته وهنا يكمن خلود أدبه.وعن المكتبة العربية قال إن نجيب محفوظ رفدها بثمانية وثلاثين رواية وثلاث عشرة مجموعة قصصية منشورة بأكثر من طبعة وترجمة بدءاً من (عبث الأقدار 1939م) الى اصداء السيرة الذاتية 1997م الى جانب المئات من المقالات والموضوعات الادبية والثقافية في مختلف المجلات الثقافية العربية والاجنبية والعشرات من المقالات الصحفية والمسموعة والمرئية وأحاديث ندوات ومشاركات ثقافية .وأعطى نجيب محفوظ جل حياته للرواية وصك نموذجاً للاخلاص والتفاني للرواية , القصة , والكم الهائل الناجم عنها بقدر ما تسطع هذه العظمة في قدرته الفائقة على إلتقاط مايدور حوله من قضايا والتفاعل معها وإعادة صياغتها روائياً وكذا في مهارته على تجسيد المفاهيم الانسانية والفلسفة المجردة واردية وشخوص اجتماعية معاشة في الواقع الامر الذي أكسب نصوصه مصداقية واضفى على اسلوبه سمة البساطة والقرب من الناس مما خلق لدى متلقيه الشعور بإدراك نصوصه كل من رؤيته وثقافته الخاصة .على أن نيمات التاريخ والتراث من أبرز الموضوعات التي نفذ منها الكاتب للتعبير عن رؤية الحاضر وتحديد آفاق المستقبل ومثل هذا الاتكاء يمكن الاشارة إليه في البدايات الاولى لنجيب وكذا في روايتي (أمام العرش1983م) ,(العائش في الحقيقة 1985م) في حين اعتمد محفوظ على العربية الفصحى بطريقة حافظ فيها على نقائها وصفائها وأبان قدرتها على مسايرة العصر وإن كان يرى المزاوجة بالعامية او التعريب بأدنى الحدود أبعدها عن أساليب النثر العربية القديم الاساليب التي من الممكن الوقوف على بعضها في كتابات عدد ممن سبقه أو جايله من كتاب القصة العرب . الى قوله – ينتقي محفوظ شخوص رواياته بعناية فائقة عادة ما تعبر عن وجهة نظر تكون معظمها حدية في طرحها وسلوكها وبهذا فإن الحوارية تقود الى منفذ للتعبير عن وجهات النظر في حين يلجأ الكاتب لاستحضار شخصيات تضادية مع أبطال روايته الى جانب الشخصيات الهامشية .زد على ذلك نلحظ الاهمية القصوى للمكان والزمن في روايات نجيب محفوظ ونعتقد أن المكان الجغرافي المتعين بالحدود والموقع المعروفين ما هو إلاّ الايحاء الذي يشحن الانفعالات في الرواية.ومن بين الكتاب العرب كان نجيب محفوظ الاكثر حظاً مع السينما العربية المصرية ولربما أن السينما هي المحظوظة بنجيب ولكأني استرجع السؤال القديم من الذي أذاع صيت الاخر؟ الشاعر اشهر المطرب أم العكس؟ ليس هذا موضوعنا الآن .. اعلم أن نجيب محفوظ قدم للسينما 46 فيلماً ما بين رواية وقصة أو لنقل أنها أخذت منه 46 رواية وقصة لتحويلها الى أفلام رائعة إضافة الى عشرات السنيوروهات والحوارات التي أعدها وقدمها للسينما العربية وخلص مبارك الى القول بأن جمعية تنمية الثقافة والادب عدن يسرها أن تكون ضمن الجمعيات والمؤسسات الثقافية في عدن واليمن عموماً على امتداد الخارطة الثقافية للوطن العربي الكبير للاحتفاء بالروائي العالمي نجيب محفوظ احياءاً لميلاده (96) ولأننا نرى في ابداعات نجيب محفوظ عناوين الواقع العربي وتاريخه الممزوج بسحر الشرق وأنوار الحكمة والبلاغة.[c1]فلسفة ممتعة وأدب جميل[/c]الشاعر الزميل/ هاني محمد سعيد جرادة قالت ورقته لربما برز في البدء السؤال التالي فيما أثار أدب نجيب محفوظ ضجة في الوسط الأدبي قبل نيله الجائزة وكذلك بعد استلامه لها؟الاجابة على ذلك يمكن الرجوع إلى ما قاله الأديب الراحل عبدالله البردوني عندما وازن بين الأدب الجميل والأدب العظيم في مجال الرواية حيث قال: "لعل نجيب محفوظ ومحمد عبدالحليم من أقرب الأمثال في الفن الروائي، كلاهما امتلك الشروط الفنية للرواية وحقق البغية الجمالية في التكنيك "لكن الفرق هنا بين العظمة والجمالية والجمال لذاته. فنجيب محفوظ ينتزع ابطاله أو يعيد صياغتهم على رؤية فلسفية ومنهج واقعي على حين لم يهتم محمد عبدالحليم باصحاب الشارع السياسي وتصارع الاجيال ثقافياً واقتصادياً، وانما ينتزع ابطاله من هوامش الحياة العادية ويسوق تجارتهم من خلال بيئة البيت وتنافس المدرسة والعمل.ولو رجعنا وسألنا أنفسنا ماهي الارضية الثقافية التي وقف عليها نجيب محفوظ حتى يصل بأدبه إلى العظمة لوجدناها ترجع إلى قراءات تخصصية وعامة متنوعة في جوانب ثقافية عديدة، فقد التحق نجيب محفوظ بقسم الفلسفة بالجامعة ويحكى ان صديقاً لنجيب محفوظ سأله لقد قررت أن أدرس الطب فماذا قررت أنت؟رد نجيب محفوظ ببساطة "سأدخل قسم الفلسفة".دهش الصديق وراح يناقش نجيب هذه الرغبة الغريبة وهو يعرف ميله وحبه وتعطشه للجانب الأدبي وقراءاته لكتب عظيمة كالبيان والتبيين للجاحظ والعقد الفريد لابن عبدربه، واجمل ماقاله نجيب لصديقه "سوف تسعى ياصديقي لعلاج الاجسام، أما أنا فسأحاول علاج افكار الناس".لقد اكتشف نجيب محفوظ ان الفلسفة تعني محبة الحكمة وان الفلاسفة يستخدمون عقولهم لفهم مايدور في العالم وان الفلاسفة اليونانيين القدامى هم الذين وضعوا أسس الفلسفة مثل "ارسطو وافلاطون وسقراط" كما قرأ "محفوظ" الفلسفة الإسلامية العميقة التي كتبها الامام الغزالي وابن رشد وغيرهما حتى الشعر المتفلسف تتبعه عند ابي العلاء المعري وغيره من الشعراء. وان ينسى ما ينسى نجيب محفوظ ذلك الكاتب والفيلسوف المشهور الذي كان يذهب إليه من حين لاخر ويعرض عليه القصص الطويلة التي يكتبها.الا وهو "سلامة موسى" الذي احس ان نجيب موهبة يجب الوقوف عندها واستطاع وهو في الخامسة والعشرين من العمر أن يكتب اولى الروايات له وهي "عبث الاقدار" وهي رواية تاريخية عن الحضارة المصرية نشرت في "المجلة الجديدة" التي يصدرها "سلامة موسى" بعد إعادة كتابتها للمرة الرابعة وبطلب منه لنجيب محفوظ الذي لم يتبرم من ذلك فخرجت تحفة فنية راقية "كافأه سلامة موسى" بخمسمائة نسخة حملها محفوظ وأصدقاوه إلى صاحب مكتبة قريبة، دفع صاحبها قرشاً لكل نسخة واحدة بالرغم من ان النسخة الواحدة تباع "بخمسة قروش" لكن "محفوظ" اعتبر مبلغ الخمسة جنيهات في تلك الفترة مبلغاً كبيراً قبضه عن أول رواية.ورغم كثرة قراءات نجيب محفوظ في الفلسفة إلا أنه لم يكف عن قراءة الشعر وكان إذا قرأ رواية ادبية يقرأها بشغف ويردد في نفسه : " الفلسفة ممتعة ولكن الأدب جميل" وقرأ لطه حسين كتبا هامة أثارت جدلاً كبيراً بين القراء وللعقاد ايضاً ولمصطفى لطفي المنفلوطي مثل " تحت ظلال الزيزفون" و"الشاعر" وعرف ان ما يكتبه العقاد وطه حسين والشيخ علي عبدالرازق ومصطفى صادق الرافعي وقاسم امين ينتمي إلى الافكار الجميلة ولهم آراء في امور عديدة تتعلق بالسياسة والدين والتاريخ والمشاكل الاجتماعية واصبح العقاد وطه حسين الكاتبين المفضلين عند نجيب محفوظ والحديث يطول عن نجيب محفوظ وأدبه يضيق به هذا الحيز المتواضع المخصص للحديث عنه.[c1]الثلاثية، واعترافات مباشرة[/c]استميح الدكتور جميل الخامري العذر لفقدان الورقة الاولى من حديثه، وهي حالة يشفع لي فيها النسيان المستور الملازم لي ـ لا عن رغبة أو وراثه ـ لكنه التخيل الذي يبهر الخاطر.وأحمد الله أن ورقته الثانية أمامي مرة تعاتبني ومرة تقول: ثلاثية نجيب محفوظ، " بين القصرين ، قصر الشوق، السكرية". هذه الثلاثية تناول فيها د. جميل طريقة وتجربة التدوين عند محفوظ من الناحية التعبيرية، وسيلة واداة بما في ذلك واقعية الحدث الذي يعتمل في اليومي المألوف.شوفي اتجاه دلالي قال .. في حين نلحظ أن "أمينه" هي بطلة الثلاثية، يكشف لنا محفوظ بأنها أخته "واحدة من اعترافات محفوظ المباشرة عن سره الإبداعي وكانت قبل ايحاءات قيمة" .. وان مقام الحسين ارتبط بالحافظة "ومصدر محبة واحداث" لهي التركة التي خلفتها له أمه الحريصة على التبرك اليومي بمقام الحسين وفي سياق حديثه عن السيد أحمد عبدالجواد قال أن نرجسيته المستبدة كانت المسيطرة أو أنها لم تفارق الاحداث في الثلاثية كلها . إلا أن مكانته العالية، وتصرفاته المستهترة بالحياة تراجعت شيئاً فشيئاً إلى أن اصبح تراثه اثراً بعد عين، على أنه من المفيد التذكير بأن محفوظ رمز لبطله "بسي السيد" لتكون لكلمته الرأي الأول والأخير والتنفيذ الذي لايقبل النقاش، وهذه هي السيطرة المستبدة.واختتم حديثه عن " أديب نوبل" بأن ثلاثيته تلامس حياة اجيال مصرية ثلاثة، "جيل ما قبل الثورة 1919م، وجيل الثورة، وجيل مابعد الثورة".[c1]الحرافيش رواية الروايات [/c]ومن حديث صاحب التغطية نقرأ باقتضاب من المهم الاشارة إلى ان العدالة في أدب نجيب محفوظ مرتكز القيمة الاساسية في القصة والرواية وتأسيساً على ما سبق نفهم عقب قراءتنا لحرافيش محفوظ ان الحدث فيها يمثل تحقيق العدالة الاجتماعية بدرجة رئيسة، وذلك أمر نلحظه من الرفض القاطع للتمييز الطبقي، وتعالي الاصوات المطالبة بالاشتراكية، وملاحقة طريق المجد من خلال حكايات عشر تبدأ.بعاشور ناجي الذي اعتبره "نجيب محفوظ" أول الغيث في أسرة " آل ناجي" يليه شمس الدين، الحب والقضبان، المطارد، قرة عيني، شهد الملكة، جلال صاحب الجلالة، الاشباح، سارق النعمة والتوت والنبوت.في الحكايات العشر هذه تختلف نسب الاخطاء التي تلازم المجد والعدالة وفي حين يتعرض درب العدالة للتشقق يجتهد محفوظ في سبر أغوارها، مستنداً على "قيم الضمير" التي تجوس في نفوس الشخصيات، وشجرة آل الناجي، وعدم قدرة الادراك الفطري من معرفة التذبذب الذي اعترى طريق العدالة.والحرافيش، "رواية الروايات" تجمع بين الاعتراك الدائم للفقر، والغني، والجنس والسير في طريق تحقيق الإصلاح، على أن عاشور ناجي يعني القائم بأعمال مجد العدالة، ونصير الحرافيش.وللحرافيش عند "ابن منظور" معنى قال فيه "نفشت الرجال" إذا صارع بعضهم بعضاً ونفش الديك ـ تهيأ للقتال" ومفرد الحرافيش ـ حرفوش ـ قثال ابن منظور" عنه أنه، ذميم الخلق والخلق.