عدن.. الأهمية الاستراتيجية وأطماع المستعمرين
عدن/سبأ: ظلت مدينة عدن ثغر اليمن الباسم وعاصمتها الاقتصادية والتجارية، على مر التاريخ محط أنظار وأطماع الغزاة والمستعمرين، نظراً لما تتبوؤه من موقع استراتيجي هام يتوسط قارات العالم ويمثل نقطة التقاء لخطوط الملاحة الدولية التي تربط الشرق بالغرب عبر خليج عدن والبحر الأحمر اللذين يعدان بمثابة الشريان الرئوي لحركة التجارة العالمية . [c1]عدن الموقع والأهمية[/c]احتل موقع مدينة عدن أهميته الإستراتيجية كونه لا يبعد عن مضيق باب المندب سوى (177) كيلومتراً مما جعل عدن تتحكم جغرافيا بمدخل البحر الأحمر، فضلا عن كون هذا الموقع أمتاز منذ القدم كمنطقة التقاء لطرق القوافل وكميناء بحري يربط بين الهند ودول شرق إفريقيا ووادي النيل وبلاد الرافدين وبلاد الشام وغيرها إلى حوض البحر المتوسط مما ممكن عدن من التحكم بطريق القوافل التي تربط بين أول المستعمرات الأوربية في آسيا واستراليا وشرق إفريقيا وبين الدول الأوربية المستعمرة لها. وفي ضوء هذه الأهمية فقد كانت عدن بموقعها ومينائها البحري محط أنظار كثير من الدول الطامعة في إرساء قواعد لها على البحر الأحمر والخليج العربي ومنها السيطرة على المحيط الهندي، وكانت بريطانيا التي سميت آنذاك بـ"الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس" أكثر هذه الدول طمعا في احتلال عدن لجعلها قاعدة عسكرية لها ومحطة تموين لمستعمراتها القريبة. [c1]ذريعة الاحتلال البريطاني لعدن[/c]لم تجد بريطانيا مبررا لاحتلال عدن إلا ذريعة رفع العلم البريطاني على سفينة تجارية هندية يطلق عليها ( دوريا دولت) تعمد احد جنرالاتها المشهورين الكابتن /ستافورد بتسورت هنس/ جعل السفينة التي كانت في الأساس ترفع العلم البريطاني تقترب من شاطئ عدن في 4 يناير 1836م، ليتسنى له إطلاق مزاعمه بأن قبائل إحدى المناطق اليمنية اعتدوا على السفينة ونهبوها وقتلوا بعض رجالها. ودون أن يتيح فرصة للدفاع أو شرح الموقف، وجه الكابتن (هنس) مدافعة نحو عدن وباشر بضربها بقوة ثم انزل بعض رجاله على شواطئ المدينة في محاولة لدخولها إلا انه وجد مقاومة شديدة من أهالي مدينة عدن الذين قتل منهم عدد كبير من القوة المهاجمة. وكرر الكابتن هنس هجماته بأسلوب الكر والفر على المدينة ثم هجم بكل قواته وواجه صمود واستبسالاً ومقاومة شرسة من المواطنين والصيادين الذين تحصنوا بالقلاع والجبال دفاعا عن مدينة عدن الباسلة في معركة غير متكافئة، إلا أن القوات البريطانية بأسطولها الحربي استطاعت بما تملكه من قوة وعتاد عسكري أن تدخل المدينة في التاسع عشر من يناير عام 1839م. [c1]مخلفات ورواسب الاستعمار[/c]عمد الاستعمار البريطاني خلال احتلاله للجزء الجنوبي من الوطن إلى تقسيم جنوب اليمن إلى عدة محميات ودويلات وإمارات ومشيخات عشائرية، وأنتهج سياسة (فرق تسد) نهجا أساسيا لزرع العداوات والخصومات بين تلك المشيخات والعشائر ليسهل علية السيطرة على البلاد. وتعمد الاستعمار البريطاني خلال احتلاله لجنوب اليمن على مدى 129عاماً تكريس سياسة الجهل والتخلف والأمية ونشر الأمراض والشعوذة والخرافات بين أفراد الشعب، ونهب ثرواته الوطنية وجعل مدينة عدن قاعدة عسكرية وميناءها محطة تموين لمستعمراته القريبة, وممارسة أبشع صور الإجرام و التعذيب والانتهاكات بحق أبناء اليمن . [c1]مقاومة الاحتلال والكفاح المسلح[/c]ولأن الإنسان اليمني عرف على مرّ التاريخ بأنه لا يقبل العيش مسلوب الإرادة ومقيد الحرية ولا يرضى بالذل والخنوع لغير الله سبحانه, فقد ظل منذ وطأت أقدام الغزاة أرضه الطاهرة يقض مضاجعهم ويواجه ممارساتهم القمعية بالمزيد من الرفض والصمود والاستبسال، وتعزز ذلك في خمسينات القرن العشرين ومع ظهور الفكر القومي العربي، بتنامي الرفض والمقاومة الشعبية للاحتلال، حيث شهدت مدينة عدن العديد من الإعتصامات والعصيان المدني للنقابات العمالية والمواطنين ما ضاعف قلق المستعمر وقوض مصالحة.ومع اشتداد الحركة الثورية المناهضة للحكم الأمامي المباد في الشطر الشمالي من الوطن بعد ثورة 1948م تعززت ثقة اليمنيين في كلا الشطرين في الكفاح المسلح كون المعاناة المشتركة وضعتهم في خندق واحد من أجل النضال للتحرر من نظام الإمامة الاستبدادي الكهنوتي في الشمال ومن براثن الاستعمار المتسلط في الجنوب. وشكل انتصار ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م المجيدة في القضاء على نظام الأئمة وقيام النظام الجمهوري في الشطر الشمالي، محطة تحول بارزة في مسيرة النضال التحرري في جنوب الوطن، ومثلت ثورة سبتمبر دافعا قويا لتبني خيار الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، حيث أصبحت ساحة الشطر الشمالي مصدر دعم ومؤازرة للثوار خاصة وان الدفاع عن الجمهورية انصهر فيها الآلاف من أبناء الجنوب انطلاقا من هوية الانتماء الواحد لأبناء اليمن الموحد أرضا وإنسانا منذ فجر التاريخ الإنساني . وانعكس تلاقي الإرادة الوطنية التحررية وتوحد جبهة النضال لأبناء اليمن بكافة فئاتهم وشرائحهم في شطري الوطن ضد المستعمر، لتنطلق من جبال ردفان الشماء شرارة الكفاح المسلح في الرابع عشر من أكتوبر 1963م، واتسعت الثورة الأكتوبرية الخالدة لتتفجر كالبركان وتدك معاقل القوات البريطانية وقواعدها بجبروتها وعتادها، ليلقنها بذلك دروسا قاسية في التضحية والفداء من اجل الوطن وفي معارك بطولية وصمود أسطوري سجله أبناء اليمن حتى أجبروا الغزاة على لملمة أشلائهم والإسراع في الرحيل من أرض الأحرار يجرون أذيال الهزيمة والعار وصولا إلى مغادرة آخر جندي بريطاني عدن في يوم الاستقلال المجيد في الثلاثين من نوفمبر 1967م . [c1]واحديه الثورة اليمنية[/c]لقد سجل أبناء الشعب اليمني بتلاحمهم وتوحدهم وتضحياتهم الجسيمة في مختلف مراحل الكفاح المسلح ضد الإمامة والاستعمار عبر الثورة اليمنية المباركة (26 سبتمبر و14 أكتوبر)، قوة إرادتهم التحررية الصلبة التي جعلت من أرض اليمن منذ القدم مقبرة للغزاة والطامعين وكذا توقهم إلى نيل الحرية والاستقلال من براثن الطغيان الإمامي وتسلط الاستعمار متخذين، من أهداف الثورة اليمنية الستة قارب نجاة لانتشال الإنسان اليمني من عهدي التخلف والجهل والاستعمار إلى رحاب عصر الحرية والتقدم والتطور والازدهار التي نعيشه اليوم في ضوء الإنجازات الرائدة التي تحققت للوطن في عهد الثورة المباركة . ورغم التركة الصعبة التي ورثها شطرا اليمن من مخلفات الإمامة والاستعمار وفي مقدمتها التشطير والغياب التام لمشاريع التنمية، ومحدودية القدرات والموارد والإمكانات إلا أن الحكومات المتعاقبة ومعها الشعب شرعت في إرساء اللبنات الأساسية لترجمة أهداف الثورة على ارض الواقع متغلبة على كل العقبات و الظروف غير المواتية وتبنت خطط طموحة للارتقاء بمستوى حياة الشعب المعيشية اجتماعيا واقتصاديا وهيأت اليمن للحاق بركب التطور والازدهار من خلال منجزات عظيمة باتت اليوم تغطي كافة قرى ومدن محافظات الجمهورية، وتتوج ذلك التطور بتحقيق أغلى أهداف الثورة والمتمثل بإعادة تحقيق وحدة الوطن في الـ 22 من مايو1990م كهدف استراتيجي ناضل من أجله شبعنا اليمني طويلا، لتصبح الوحدة تجسيدا حيا لاستمرارية الثورة ومصدراً لقوتها ومحطة للانطلاق باليمن الموحد صوب استعادة ماضيه التليد وبناء حاضره المشرق ومستقبله الأفضل.