أضواء
ينظر بعض عقلاء الأمة بصورة جادة إلى ظاهرة هروب علماء العرب والمبدعين منهم إلى الدول الغربية، وخاصة إلى أمريكا وأوروبا، حيث تفتح لهم المجالات، ويُرحب بهم، ويُجنّسون، ثم تُعطى لهم الأوسمة، ويتم تقديرهم عندما يعرف الغرب قدراتهم، وهو أمر مؤسف جداً وخطير، فهجرة الأدمغة هي في حقيقة الأمر خسارة رأسمالية كبيرة، وقد قدر بعض الدارسين خسارة عالمنا من هجرة هؤلاء الناس بما قيمته 200 مليار دولار حيث: «حذر تقرير أصدرته الجامعة العربية من أن الوطن العربي خسر 200 مليار دولار بسبب هجرة الكفاءات العلمية والعقول العربية إلى الدول الأجنبية، ودعا إلى السعي لاستعادة هذه العقول، لاسيما في ضوء التفوق التقني الإسرائيلي، وتحوّل الصراع العربي الإسرائيلي تدريجياً إلى صراع تفوق تقني. ووصف التقرير -الذي تقرر عرضه كبند مستقل لأول مرة على مجلس وزراء الخارجية العرب القادم في القاهرة، الممهّد للقمة العربية في عمّان- التقدم العلمي والتقني الإسرائيلي على العرب أنه كارثة جديدة تهدد مستقبل الشعوب العربية، وأكد أن إسرائيل تفوقت في السباق العلمي مع العرب عن طريق إغراء العلماء الأوروبيين والأمريكيين، وتوطينهم داخل إسرائيل، في الوقت الذي تتزايد فيه هجرة العلماء العرب إلى الخارج، وتفشل الدول العربية حتى الآن في استعادتهم، أو الاستفادة منهم.(1) وبكل أسف فإن هجرة الأدمغة تزيد الفجوة بيننا وبين إسرائيل بعد أن احتضنت الدول الغربية أكثر من أربعمائة ألف عربي من حملة الشهادات والمؤهلات العليا ودمجتهم في مجتمعاتها واستعانت بقدراتهم في دعم مشروعاتها التقنية، في وقت نلاحظ فيه أن إسرائيل -بكل أسف- تقدمت في أبحاثها واحتضنت العلماء عندها وكرمتهم وأكرمتهم حتى غدت في المرتبة الثانية في الأبحاث والقدرات العلمية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وفي المرتبة الرابعة بعد اليابان في استيعاب التطورات التقنية. وقد نبهت منظمة اليونسكو: «هذا التدني العلمي العربي، مقابل إسرائيل ودول العالم الأخرى، وأوضحت في تقريرها تدني نصيب الدول العربية من براءات الاختراع التقني على مستوى العالم، بينما بلغ نصيب أوروبا من هذه البراءات 47.4%، %وأمريكا الشمالية%، واليابان والدول الصناعية الجديدة 16.6.%(2) وإذا ما أردنا أن نتعمق في حقيقة هذا الأمر نجد أن الأسباب الرئيسة كما حددها اتحاد البرلمان العربي في مؤتمره العاشر بالخرطوم بتاريخ 11 فبراير 2002 هي: 1- ضعف وانعدام القدرة على استيعاب أصحاب الكفاءات الذين يجدون أنفسهم، إما عاطلين عن العمل أو لا يجدون عملاً يناسب اختصاصاتهم في بلدانهم (الجراحات الدقيقة، الطب، الهندسة الإلكترونية وعلوم الليزر). 2- ضعف المردود المادي لأصحاب الكفاءات، وغياب التشجيع والدعم والاحترام والتقدير للبحث والباحثين. 3- انعدام التوازن في النظام التعليمي، أو فقدان الارتباط بين أنظمة التعليم ومشاريع التنمية. 4- عدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي والإشكاليات التي تعتري التجارب الديمقراطية العربية والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى شعور بعض أصحاب الخبرات بالغربة في أوطانهم، أو تضطرهم إلى الهجرة سعياً وراء ظروف أكثر حرية وأكثر استقراراً. 5- إلى جانب هذه الأسباب الأساسية، يمكن أن توجد عوامل أخرى موضوعية أو ذاتية تدفع أصحاب الخبرات إلى الهجرة كالبيروقراطية الإدارية وأنظمة الخدمة المدنية وبعض التشريعات والتعهدات والكفالات المالية التي تربك أصحاب الخبرات، إلى جانب أسباب عائلية أو شخصية فردية».(3) ولاشك أنه مهما تعددت الأسباب فإن غياب الحرية في البحث وضعف الاهتمام بالبحث العلمي أدى إلى ذلك، فالعالم في بلادنا العربية لا يجد الاحترام الكافي، وإن وجد بعض الاحترام فلا يجد المناخ المناسب للبحث، وإن وجد المناخ لا يجد الميزانيات الكافية، ولا الظروف التي تتيح له التحرك والبحث والعمل بحرية وعلمية، ويكفي أن تعرف: «أن الإنفاق السنوي للدول العربية على البحث العلمي لا يتجاوز 0.2% من إجمالي الموازنات العربية في وقت ينفق في دولة كأمريكا 3.6، %والسويد 3.8، %وسويسرا واليابان 2.7 % وفرنسا والدانمارك 2.(4) %وختاماً.. أود أن أقول إن على زعماء الأمة ووزراء التعليم والبحث العلمي بها أن يدركوا خطورة ما يجري في بلادنا كنتيجة حتمية لهجرة هذه العقول هجرة لا عودة بعدها كما قالت السيدة آمال موسى في مقالها بجريدة الشرق الأوسط (الكفاءات العربية.. هجرة بالحقائب من دون عودة). وإلى لقاء آخر نلقي فيه الضوء على مفتاح الحد من هذه الهجرة ومعالجتها بطرق موضوعية صحيحة، وقد كانت خطوة خادم الحرمين الشريفين يوم أعلن هذا الأسبوع تحسين مخصصات أساتذة الجامعة خطوة موفقة ولكنها لا تكفي قطعاً، لأن القضية في النهاية أكبر من مجرد تحسين مرتبات أو مخصصات، فالمناخ العلمي مهم وحرية البحث العلمي والاحترام والتشجيع والإيمان بأننا في عصر التقنية وإننا نحتاج إلى هذه الأدمغة أكثر من حاجتنا إلى المال مهم أيضاً خاصة في مسيرتنا المقبلة. والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل. [c1]عن/ صحيفة(عكاظ) السعودية [/c]