منظمات المجتمع المدني
يواصل الأستاذ / علي صالح عبدالله ، وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ، في الحلقة الثانية من موضوعه ( منظمات المجتمع المدني - تطورات واخفاقات ) الحديث عن العوامل المحبطة والمعيقة لدور منظمات المجتمع المدني في بلادنا والتي أدت إلى إخفاقات عديدة ابتعدت به عن الطموحات الكبيرة التي تطلع اليها الناس .ماهي هذه العوامل وماهي الحلول؟ثانياً : برغم هذه التطورات الكمية في نشاط منظمات المجتمع المدني وتوفر كل تلك الشروط والمناخات والتسهيلات التي اشرنا اليها فإن حجم واعداد هذه المنظمات لايتناسب واقعياً مع مستوى الخدمة المقدمة واعداد المستفيدين ، كما اظهرت المسوحات الميدانية لدى الوزارة انه مازال هناك الكثير من العوامل المحبطة والمعيقة لدور هذا القطاع من داخله ومن خارجه وهي العوامل التي ادت إلى تعرض هذا القطاع لاخفاقات عديدة ابتعدت به عن الطموحات الكبيرة التي تطلع اليها الناس وكانوا يأملون في أن يحققوا من خلال هذا القطاع بعضاً من الآمال التي احبطت وسنحاول من خلال التالي استعراض اهم العوامل المحبطة والمعيقة لاداور هذا القطاع:1- ان التزايد الكمي في اعداد منظمات المجتمع المدني بالرغم من ايجابيته وعكسه لسلامة وديمقراطية التشريعات وصحة التوجهات الرسمية فأنه قد حدث بشكل متسارع دون اكتمال عدد من المقومات الداخلية والتراكيب التنظيمية لهذه المنظمات ما افقد الكثير منها القدرة على الإدارة السليمة للانشطة وتلبية الاحتياجات الحقيقية للناس والتفهم الواعي لما تضمنه القانون من اهداف ومقاصد نبيلة تستهدف مصلحة العمل الاهلي الامر الذي ادى إلى وقوع الكثير من هذه المنظمات في فخ المخالفات والتجاوزات القانونية . 2- محدودية الموارد لمتاحة امام هذه المنظمات ونقص التدريب لهيئاته الادارية والمساعدة وغياب التخطيط السليم لاعمالها وسيطرة افراد ووجهات على اداراتها والانحراف بها عن اهدافها وافراغ العمل الاهلي من مضامينه الانسانية . 3- ان صدور التشريعات الاهلية الجديدة لم يترافق مع برامج متكاملة للتوعية بهذه القوانين الا من بعض الانشطة التوعوية المتواضعة الامر الذي ادى إلى اضعاف التعامل والامتثال الواعي للقوانين وتجاوز دور الهيئات الادارية وبروز الكثير من الظواهر السلبية هذا ناهيك عن الافعال المتعمدة لتجاوز القانون واضعافه من قبل البعض الذين يرفعون الشعارات المنمقة ويؤسسون كيانات او تحالفات غير قانونية تصدر البيانات والاحتجاجات على خلفية من الاهداف السياسية والحزبية . 4- إعاقة عمل المنظمات الاهلية بتعمد وادخال بعضها في دائرة الاعمال المحظورة والمخالفة لاهداف القانون مثل ممارسة الانشطة الحزبية والسياسية واعمال الدعاية الانتخابية مادة (19) من القانون والدخول في المضاربات المالية الخطرة او تسخير بعضها لمصالح قبلية ومناطقية ضيقة لاتنسجم والمصلحة العامة . 5- استيلاء اعداد قليلة من المنظمات على مصادر التمويل الخارجية وحرمان الاكثرية من هذا المصدر وابتعاد اجندة كثير من الممولين الاجانب عن الاهتمام بتمويل تلك الانشطة التي تلبي الحاجات الحقيقية للناس هذا بالاضافة إلى عدم التزام هذه المنظمات بالمادة (23) من القانون بالإبلاع عن المساعدات التي تحصل عليها وضعف التنسيق في هذا الجانب بين وزارتي التخطيط والشؤون الاجتماعية والعمل . 6- انعدام الديمقراطية الداخلية وعدم انتظام عقد الدورات الانتخابية الكاملة في احايين كثيرة وهي من الاسباب الرئيسية التي ادت إلى اتخاذ قرارات الشطب لاعداد كبيرة من المنظمات الاهلية من سجلات الوزارة والمكاتب بالمحافظات ( هناك حوالي 1500 منظمة اهلية وتعاونية تم شطبها تمهيداً لاستكمال اجراءات تقديمها للقضاء للبت النهائي بوضعها ) . 7- الفهم القاصر للمعاني الانسانية للطوعية والمشاركة واعتبار العمل الاهلي مجالاً للتكسب والمنفعة الشخصية وهذا اثر كثيراً .8- عدم توافر هيكلية موحدة للعمل الاهلي تنسق وتوجه جهود المنظمات الاهلية وتحدد الاولويات بالنسبة للانشطة والبرامج وتحرص على تكامل الاعمال وعدم تبديد الموارد المتاحة . 9- محدودية اداء الجهة الادارية الحكومية المختصة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في ممارسة دورها الاشرافي والرقابي وتحديد مواطن القوة والضعف في نشاط هذه المنظمات لتصحيح الاوضاع ومراجعتها . 10- ضعف نظام المعلومات والاحصاء والتوثيق . 11- ضعف الاعتماد على الذات لدى اعداد كبيرة من المنظمات وغياب كامل للمشروعات المدرة للدخل والاتكال الدائم على مساعدات الحكومة .3) بعض الاستخلاصات والآراء من تجربة العمل الأهلي 3 / 1 : اظهرت تجربة العمل الاهلي في بلادنا ان النظرة لهذا القطاع وادواره مازالت قاصرة وان شريحة واسعة من قيادات وقواعد هذا القطاع بجمعياته ومؤسساته بحاجة لتطوير داخلي يستهدف مزيداً من التوعية والتشريعات وتعميق الفهم لمبدأ ومفهوم الطوعية والادوار الحقيقية لهذا القطاع المستهدفة المنفعة العامة ولا تهدف إلى الربح المادي ونبذ تلك المفاهيم المنفعية والشخصية والحزبية والدينية والمناطقية الضيقة وهي مفاهيم مازالت تخيم بظلالها الثقيلة على العمل الاهلي . 3 / 2 : أن التشريعات والقوانين الاهلية قد تميزت بالعديد من الخصائص الجيدة خصوصاً مايتعلق بحرية التكوين والتأسيس للمنظمات الاهلية وعدم وجود آية قيود على هذا التأسيس او تمييز بين المواطنين المؤسسين لهذه المنظمات او تغليب الجانب المناطقي او الحزبي في حرية التأسيس وحرية النشاط طالما هو للمنفعة العامة والصالح العام ، وهذا ويبدو واضحاً في الفصول الاولى من القانون بله عن أن القانون قد تعامل بروح المسؤولية والتحفيز مع العاملين والمتطوعين في هذا القطاع واظهر الكثير من المرونة في التعامل مع موضوعات ذات حساسية خاصة مثل التمويل الخارجي وسهولة اجراءات التبرعات .. الخ 3 / 3 : بسبب سهولة وبساطة الاجراءات التأسيسية وديمقراطيتها ادى ذلك إلى اقبال الناس على تأسيس الجمعيات والمؤسسات الاهلية بنوايا ومقاصد حسنة ولكن كان هناك من استغل هذا الوضع بتأسيس منظمات أهلية تختفي وراءها مقاصد ونوايا مبيتة حزبية ودعائية انتخابية وهو ماحصل فعلاً في الحياة المدنية في بلادنا . 3 / 4 : نقص الموارد والامكانات المالية لدى المنظمات الاهلية يعتبر من المشكلات الكبرى التي يواجهها العمل الاهلي بكل انواعه في بلادنا ، والدولة وفقاً للقانون تقدم دعماً مالياً وفنياً وعينياً لاعداد من هذه المنظمات تعد بالمئات وهو امر غير كاف لذلك يلجأ الكثير من المنظمات الأهلية إلى المصدر الخارجي للتمويل من منظمات دولية ودول وصناديق اقليمية ودولية ويحصل بالفعل عدد لا بأس به على هذا النوع من التمويل وهو امر يساعد هذه المنظمات على تنفيذ الانشطة والبرامج ولكن الملاحظة الاساسية في هذا ان الممول الاجنبي عادة مايفرض اجندته في غالب الاحوال ويحدث ان مثل هذه الاجندة قد لاتخدم احتياج المجتمع كما ان غالبية هذه المنظمات المحلية لاتعلن اوتبلغ عن هذا التمويل واين استخدم وفقاً للقانون مما يثير من الشبهات حول استخدامات هذا التمويل . 3 / 5 : أن التطور الكمي الكبير في اعداد المنظمات الاهلية في بلادنا قد فاق التصور ويمثل مظهراً ايجابياً يعكس ديمقراطية التشريعات والاجراءات ولكن ثمة من يطرح ايضاً أن ذلك هو نتيجة طبيعية لحالة اليأس الجماهيري من الادوار الفاضلة والحالة المتردية للاجراءات والتنظيمات السياسية ، وان هذا الاقبال ماهو الا رد فعل معنوي لحالة الاحباط الجماهيري .4) بعض الأمل المرجو :بالرغم من كل هذه الاخفاقات التي اشرنا اليها والناجمة عن تداخل العديد من العوامل المحبطة للعمل الاهلي فإن ثمة أملاً لابد من الاعتراف بوجوده استناداً إلى تلك النتائج الايجابية المحققة فمسيرة هذا القطاع قد قطعت شوطاً وخطوات متقدمة تبعث على التفاؤل وذلك يعود للرؤية السليمة والواثقة للقيادة السياسية بزعامة رئيس الجمهورية الأخ / علي عبدالله صالح والمواقف والخيارات الديمقراطية التي اصبحت التزاماً رسمياً مجتمعياً لايمكن الخروج عنه وحتى لانفرط في التفاؤل ونكون دائماً على امل فأننا نؤكد ان هناك امكانية كبيرة لمزيد من النهوض في اعمال مساهمة هذا القطاع الذي مازال ينمو ويتشكل ويحتاج إلى التوجه لحل مشكلاته ومساعدته على تفعيل ادواره وذلك من خلال التركيز على العوامل التالية:* استكمال اللوائح التنفيذية وتنفيذ برنامج للتوعية بالقانون والعمل الطوعي . * توجيه الصناديق والمشروعات لمزيد من البرامج التدريبية وتعزيز البناء المؤسسي للمنظمات وتطوير مهاراتها الإدارية والفنية . * الابتعاد بالعمل الاهلي عن الاعمال المحظورة في القانون وخصوصاً الحزبية والدعاية الانتخابية.* توفير المزيد من الموارد الحكومية واوجه الدعم المالي للمنظمات وفقاً للضوابط والاشتراطات الواردة في القانون . * احترام حقوق الاعضاء وتعزيز الديمقراطية الداخلية وعقد الدورات الانتخابية في مواعيدها.* الزام الجهات الحكومية بتقديم التسهيلات المالية والافضليات الورادة في القانون . تخليص الاجهزة الحكومية من بيروقراطية التعامل وممارسة الفهم الحقيقي لدورها هذا القطاع. * تفعيل تنفيذ المادة (32) بشأن التمويل الخارجي وتحقيق عدالة التوزيع من خلال التنسيق بين وزارتي الشؤون الاجتماعية والعمل والتخطيط والتعاون الدولي .* استكمال هيكلة العمل الاهلي والاستفادة من التجارب الحالية لمجالس التنسيق والتشبيك .* تعزيز الدور الرقابي على المنظمات الاهلية بطريقة ديمقراطية ومساعدة للعمل الاهلي في التخلص من تلك الظواهر المرضية التي يعانيها والتطبيق المسؤول والجاد للقانون ولائحته التنفيذية بعيداً عن الانتقائية وتغليب مصلحة المجتمع والعمل الاهلي على كافة المصالح الضارة بالمصلحة العامة . ـــــــــــــــ[c1]وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل [/c]