إن الأنظار تتركز على الولايات المتحدة باعتبارها ساحة اختبار لعلاقة الغرب بالعالم الإسلامي. وبتعبير آخر، يمكن القول إنه بالقدر الذي تنجح فيه الولايات المتحدة في بناء جسور وثيقة بالبلدان الإسلامية تنتعش فرص الوئام الإسلامي - الغربي عامة على الرغم من أن المطلوب ليس مجرد الوئام بل التفاعل السياسي، والاقتصادي والاجتماعي، البناء.لا ريب في أن الكثير قد كتب عن الذكرى الخاصة بمرور تسعة أعوام على اعتداءات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وخاصة من قبل كتاب وصحافيين في العالم الإسلامي. ولا ريب أيضاً في أن الجميع يدرك اليوم أننا أمام منعطف حساس على صعيد علاقة المسلمين بالغرب. مع ضرورة التفريق هنا بين الغرب بما هو مفهوم جيوسياسي، اصطلاحي بالدرجة الأولى، وبين المسيحيين، بما هم مجموعة دينية. إن الغرب ليس مصطلحاً رديفاً للمسيحية، ولا يجب النظر إليه كذلك، بأي حال من الأحوال.. ما هي معالم المعضلة الراهنة على صعيد علاقة المسلمين بالغرب؟ وكيف يمكن الخروج منها. هناك تجليان رئيسيان لهذه المعضلة أولاً، ثمة سوء فهم متبادل، ناجم عن محدودية اطلاع كل طرف على رؤية الطرف الآخر، وخياراته الثقافية والاجتماعية، وحتى السياسية. ثانياً، لا يزال التاريخ يرمي بإرهاصاته وإيحاءاته السالبة على علاقة المسلمين بالغرب، حيث كانت التجربة الاستعمارية قاسية ومدمرة. خاصة لكونها استندت إلى منطق الهيمنة والاستغلال، ومصادرة السيادة الوطنية. وأياً يكن الأمر، ثمة واقع قائم لابد من الاعتراف به اعترافاً مسؤولاً. وخلافاً لمنطق الاستسلام للواقع، فإن الاعتراف المسؤول به يعني العمل على ضبط إيقاعاته، والتأثير الممنهج في مسار تفاعلاته المختلفة، كما يشير هذا المفهوم بالضرورة إلى معالجة الموروثات السالبة، والقضايا العالقة، التي تضغط على التفاعلات القائمة، وتنحو بها منحى متوتراً، طارداً لفرص التعايش، والتعاون المشترك. على صعيد السياسات المتبعة، وعد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، منذ حملته الانتخابية، باعتماد مقاربة جديدة للعلاقة مع العالم الإسلامي، تقوم على رفض النظرات المسبقة، والرؤى النمطية، المستندة للخرافات والأوهام. وربما يكون الرئيس أوباما قد نجح في قرع جرس الإنذار، والتحذير من عواقب الركون للواقع المتعاظم في تحدياته. وعلى الرغم من هذا الاستنتاج، فإن ما حدث لا يقلل من شأن المعضلة القائمة، بل يؤكد ضرورة السعي لفك عقدها المختلفة. وبداية، يجب التفريق بين ما هو سياسة رسمية ، وبين ما هو مرتبط بسلوك أشخاص أو هيئات مستقلة. وإن كان يجب الإقرار سلفاً بالتأثير المتبادل على مستوى الحالتين، وذلك بحكم الأمر الواقع. على الصعيد الرسمي، هناك الكثير مما ينبغي عمله، سواء بالنسبة للولايات المتحدة ، أو بلدان العالم الإسلامي. إلا أن الولايات المتحدة تبقى الأكثر قدرة على أخذ زمام المبادرة. وهذا أمر مفهوم على أية حال. بالنسبة للسياسة الأميركية، المطلوب اعتماد موقف حازم من حملات التشويه التي يتعرض لها الإسلام، سواء من قبل أفراد أو وسائل إعلام، أو غيرها. ولابد أن تكون هناك قوانين تكفل حماية الحريات والمعتقدات الدينية الخاصة. فليس من المعقول أن يخرج راعي كنيسة مغمورة ليهدد بحرق القرآن الكريم، الذي هو كتاب الله، الذي يدين به اليوم نحو ألفيْ مليون إنسان على وجه الأرض ؛ وحيث تخرج بعد ذلك التظاهرات هنا وهناك، ويذهب فيها قتلى وجرحى، وتتوتر بسببها أوضاع دول، لا رابط لها بأصل الموضوع. على صعيد آخر، تؤثر السياسة الخارجية الأميركية، على نحو مباشر، في رؤية العالم الإسلامي للولايات المتحدة خاصة، والغرب عامة. وحتى تغدو هذه الرؤية ذات طبيعة ايجابية، أو على الأقل غير سالبة بالكامل، لابد من اتخاذ جملة من الخطوات التي تساهم في حل القضايا العالقة، التي أفرزت صراعات وحروبا متكررة. فإضافة إلى البحث عن السبل الآيلة لإنهاء الحرب في العراق وأفغانستان، هناك ثلاث قضايا لابد للسياسة الأميركية من التحرك نحوها، والسعي لإيجاد حلول عادلة ومتوازنة بشأنها. وهذه القضايا هي: النزاع العربي - الإسرائيلي، حيث لابد من قيام دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس. مع ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين. وعلى نحو فوري، لابد من التأكيد على ضرورة فك الحصار المفروض على قطاع غزة، لكونه منافياً للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي على حد سواء. قضية كشمير. المطلوب على هذا الصعيد أحد أمرين: إما تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (726)، الصادر في 13 آب/ أغسطس 1948، والقاضي بإجراء استفتاء عام لسكان الإقليم حول تقرير المصير. وإما الدخول في مفاوضات متعددة الأطراف، للوصول إلى تسوية سياسية يرتضيها الجميع؛ بحيث تلتزم خلالها الهند بمنح الكشميريين، ممن سيبقون تحت سلطتها، كافة حقوقهم المدنية، دون تمييز على أساس العرق أو الدين. القضية القبرصية، وقضايا الأقليات المسلمة حول العالم بصفة عامة؛ حيث يتعرض القبارصة الأتراك لحصار جائر، فرض عليهم منذ أكثر من 35 عاما، كما يتعرض المسلمون في عدد من دول آسيا وأفريقيا وأوروبا لتهميش منهجي، ومصادرة لحرياتهم وحقوقهم الأساسية. المطلوب اليوم فك الحصار المفروض على القبارصة الأتراك، لكونه شكلاً من أشكال العقاب الجماعي، المنافي للأعراف والقوانين الدولية. والمطلوب من جهة أخرى معاملة الأقليات المسلمة حول العالم باعتبارها جزءاً أصيلاً من الشعوب التي تساكنها، وعدم ممارسة التمييز الصريح أو المبطن ضدها. إن السياسة الأميركية متى تبنت مقاربات متوازنة لقضايا العالم الإسلامي سابقة الذكر، فإنها تكون قد كسبت الرأي العام الرئيسي فيه. وأسست لروابط وثيقة، وبعيدة المدى، مع كافة الدول الإسلامية. من ناحيتها، تبقى الدول الإسلامية معنية بالتشجيع على ثقافة التسامح، وقبول الآخر، واحترام خصوصياته وتمايزه فالإسلام دين سماحة لا إكراه فيه. وعلى قادة الرأي، ومؤسسات المجتمع الأهلي، في العالم الإسلامي تقديم الصورة الأصيلة للإسلام، التي لا اعوجاج فيها. وتجنب خلط الدين بالشوائب المسيئة إليه، وخاصة تلك التي تظهره، على خلاف حقيقته، بمظهر الغلو والتطرف. وفي المنتهى، فإن العلاقة الصحية والمزدهرة بين العالم الإسلامي والغرب تبقى حاجة مشتركة. وبالقدر الذي تنجح فيه الدبلوماسية، والسياسات الثقافية، في التقريب بين الجانبين، تتقدم الأسرة الدولية خطوات إضافية على طريق تحقيق الأمن والازدهار وتعايش الأمم. وهذه غاية سامية على الجميع السعي من أجلها.[c1]عن/ صحيفة( الرياض ) السعودية [/c]
|
مقالات
تسعة أعوام على 11 سبتمبر .. حتى لا ينتصر الغلو والتطرف
أخبار متعلقة