متابعة : إبراهيم درويشفي عام 1890 وصل علي سعيد من اليمن إلى ساوث شليدز في انكلترا على خلاف اليمنيين الذين وصلوا إلى المنطقة وعملوا على السفن التجارية ، قرر علي سعيد الاستقلال في عمله، _وفتح فيما بعد نزلا لاستقبال العمال اليمنيين ، وتزوج امرأة بيضاء . لكن علي سعيد كان اكثر من مجرد صاحب نزل لعمال ، فقد كان ناشطاً في الدفاع عن حقوقهم خاصة بعد تصاعد المواقف العنصرية من العرب ، وسعيد هو شخصية اشكالية من ناحية انه كان دائماَ على تضاد مع القانون ، ففي الوقت الذي سجل فيه نزله لدى السلطات المحلية في شارع النيل 1911 لاستقبال خمسة عشر بحاراً ، تعارك في عام 1916مع بحار آخر ، وفي العام الذي يليه عام 1917ادانته محكمة لانه قصر في تسجيل اسمه في سجل الغرباء عن الارض الانكليزية وهو المصطلح الذي كان يستخدم لوصف العمال والمهاجرين الاجانب في بريطانيا ولكن مصاعب علي سعيد مع القانون لم تتوقف ، فقد ورد اسمه في حادث مقتل شخصين عام 1919م اثناء تعارك بين عدد من البحارة في نزل آخر ووجد اربعة من المتهمين يختبئون في نزل سعيد . هذه الشخصيةالقلقة ، كانت في قلب ثورة أو انتفاضة قادها البحارة اليمنيون في ميل دام بمنطقة ساوث شيلدز ضد التحيز والعنصرية والحرمان من العمل التي مورست عليهم ، في تاريخ العلاقات بين بريطانيا والعالم العربي ، يظل اليمنيون والصوماليون من واوائل الذين اقاموا مراكز لهم على الشواطىءالبريطانية ، ومع انهم كانوا نزلاء موقتين إلا ان وجودهم وعملهم في احواض السفن ادى لنشوء نوع من الاعمال ذات الطابع الخدماتي ، نزل مطاعم ، بالاضافة لانشاء مراكز للعبادة ونشاطات دينية ، وحجم هذا الوجود ينعكس من خلال صورة جميلة للاحتفال بعيد المولد النبوي تم في المنطقة عام 1937م حيث خرج اليمنيون باعلامهم وازيائهم في اختفال ديني ، يشي بحجم هذا الوجود . العمال اليمنيون في احواض السفن وعلى السفن التجارية كان ارباب العمل يفضلونهم لاسباب عدة منها انهم لايشربون الخمر ، مما يعني انهم يحضرون لاعمالهم مبكراً اضافة لاخلاصهم وحرصهم على اعمالهم ، ومازاد في الاقبال على استخدام العمالة اليمنية ان صناعةالسفن واحواضها كانت تعاني من نقص في الايدي العاملة بسبب غياب الكثيرين على الجبهات في اثناء الحرب العالمية الاولى . ولكن بعد انتهاءالحرب وعودةالرجال بدأت حملة عنصرية شديدة ضد العمال العرب ، وفي قلب هذه الحملة اظهر علي سعيد وجهاً آخر ، كنقابي يدافع عن حقوق العمال ، وقاد انتفاضة اليمنيين في الثاني من آب (اغسطس) 1930والتي ادت الى اعتقل عدد من قادة الانتفاضة ، وسجنهم وترحيلهم ومنهم علي سعيد . واللافت في شخصية هذا هو وعيه بالظرف الثقافي والاجتماعي وقوته في الدفاع عن حقوق العمال ضمن اطر العمل النقابي في ذلك الوقت ، حيث كان من الداعين لضم العمال اليمنيين الى اتحاد عمال السفن ، وهو المطلب الذي اثار ردة فعل كبيرة بين اعضاء الاتحاد ومن هنا تصدى علي سعيد للأمر ونشر رسالة في عام 5291م في احدى الصحف المحلية والتي جاءت رداًعلى رسالة احد القراء الذي حذر من مخاطر ضم العمال العرب الى اتحاد السفن ، وجاء اسلوب سعيد حاداً وصدامياً ، حيث اكد ان تفضيل العرب على الانكليز في الاعمال لانهم اكثر انضباطاً وتكريساً للعمل من العمال الانكليز . ويستخدم علي سعيد في رده ،الذي جاء على مايبدو رداً على رد كتبه الانكليزي على ما كتبه ،اسلوباً قاسياً عندما يتهم الكاتب با لجهل بالحقائق والتهرب من مواجهتها ، اضافة الى اتهامه القارىء بشيءاكبر من التحيز ، بل اقترح ان الرجل الابيض يحسد العربي على الوظائف التي يجدها في هذاالقطاع . رسالة سعيد تظهر جانباً آخر من هذا المناضل النقابي ، لانه كان يكتب ضمن شروط بداية القرن العشرين ، او بداية العقد الثالث منه ، وفي الوقت الذي لم يكن فيه وضع اليمنيين كعمال امنا ، باعتبارهم اجانب ، على الرغم من تابعيتهم البريطانية الا ان رسالة من هذا النوع ، فيها تحد واتهام وانتقاد كانت تتطلب الكثير من الشجاعة الادبية التي اتسم بها علي سعيد . ليست هذه هي الرسالة الاولى والاخيرة التي كتبها سعيد ، فقد كان واعياً للظرف اليمني في ساوث شيلدز منذ عام 1915م وقبل ذلك ، في صحيفة ساوث شلدز غازيت كتب رداً على شخص وصف نفسه بـالبريطاني الحقيقي فقال من السهولة بمكان التشهير بطبقة هادئة وطيبة من الناس ، ولكن التخفي وراءالاسماء المستعارة ينم عن خسة وجبن ، وطبيعة غير انكليزية ، وتحدى سعيد هذا البريطاني الحقيقي للابحار تحت الوانه الحقيقية والكشف عن اسمه ، ولكن رسالة سعيد تظهر اشكالية البحارة اليمنيين الذين لم يكونوا يحملون المواطنة الانكليزية باستثناء التابعية التي تسمح لهم بالعمل والاقامة في البلاد ، وعليه عندما تم استحداث نظام الروتا او الحصص ، والذي كان متحيزاً ضد العرب كان علي سعيد من اكثر الناقدين له ، واصبح مقرباً من قادةحركة البحارة الاقلية والتي فتحت مكاتب لها في ساوث شيلدز وقامت بتنظيم اعتصامات امام مكاتب اتحاد عمال السفن ، وطلبت من البحارة اليمنيين التوقيع على اوراق اعتبرت بطاقة للعبودية ، وفي يوم حادث الشغب او الانتفاضة اليمنية كان علي سعيد مع البحارة يشجعهم ، وعندما حصلت الفوضى وبدأت المواجهات بين اليمنيين والشرطة والعمال البيض ، والتي استخدموا فيها اسلحة بيضاء وقوائم خشبية من الكراسي والطاولات كان علي سعيد معهم ، وبعد انتهاء العنف ، واعتقال 91 بحاراً يمنياً كان علي سعيد واحداً منهم ،عندما قدم المتعقلون للمحاكمة وانتهت المرافعات في تشرين الثاني ( نوفمبر ) 1930م وصف القاضي علي سعيد بأنه العقل المدبر للانتفاضة .كان سعيد شوكة في جسد السلطات المحلية ، ولكن شخصيته القلقة تعني اكثر من هذا فهو وان دافع عن حقوق العمال والبحارة اليمنيين ، ابناء جلدته ، إلا آنه كان مثيراً للمتاعب لهم من خلال انغماسه في مناوشات ومعارك معهم ، على الرغم من توفر صور للانتفاضة ، ووجوه يمنية تبرز من خلال هذاالزمن ، زمن العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي إلا ان علي سعيد لاصورة له ، وابنته دورين ميلبرن التي تعيش مع أبنها الان ، رجل الاعمال في منطقة قرب مدينة شيفلد لاتعرف شيئاً عن والدها بعد اعتقاله ، وكل ما سمعته انه سافر إلى فرنسا حيث فتح قهوة هناك وبعدها انقطعت اخباره واخر مرة شوهد فيها كانت عام 1940 . حكاية الانتفاضة اليمنية والشغب كماتعرف في ادبيات تلك المرحلة تحمل الكثير من عناصرالتوتر والدراما العالية ، ولهذا كانت محل اهتمام بيتر موتيمر ، الكاتب والمسرحي الانكليزي من ساوث يلدز الذي سافر إلى اليمن لغرض البحث عن وجوه واشخاص عملوا في تلك الفترة في انكلترا - رحلته لليمن التي صدرت في كتاب العام الماضي يحمل عنوان لامشكلة مع القات : رحلة يمنية ، بلدان وزمنان ومحاولته للبحث عن بحارة في المحاربين القدماء في السفن البريطانية فتحت له عالماً مختلفاً عن العلاقة بين اليمن وانكلترا ولكنها كانت بمثابة رحلة اكتشاف متوازنة لحيوات اليمنيين الذي حملوا معهم جزءاً من اليمن إلى بريطانيا ، فمع ان الجيل الذي أسس مدارسه ، ومؤسساته انتهى إلا ان اليمنيين لاتزال موجودة في الثاني أو الثالث من أبناء البحارة . حيث مازالت بيوتهم وبعض مراكزهم موجودة مثل مسجد ساوث شيلدز الذي لايزال يعمل فيه ويحرسه ابناء ينتمون إلى الجيل الأول ، بالنسبة للحي العربي لم يعد موجوداً ، فقد انتشر ابناء المهاجرين في مناطق مختلفة ، فيما ، انتقل اخرون إلى مدن اخرى بحثاً عن عمل . كان للانتفاضة اثر على العلاقات العرقية ، فهي وان وادت إلى طرد يمنيين عمال يمنيين عمال الا انها اسهمت فيما بعد في بناء درجات من التعايش بين السكان ، ومعظم ابناء المهاجرين عاشوا بتوافق وتواؤم مع جيرانهم ، وكانو نموذجاً للمواطن الصالح يكتشف مورتيمر الذي انهى كتابة مسرحيته عن شغب - ساوث شيلدز 1930م في اليمن عالماً مختلفاً عن عالم انكلترا ، ويبدو في كتابه ناقداً للحياة البريطانية في بعدها الاستهلاكي والفردي ، وما يكتشفه في اليمنيين هو حس الضيافة والترحيب بالغريب ، والاقبال على اكرامه ، وهو حس مفقود في الحياة البريطانية ، ففي كتابه مفلس في كل بريطانيا رحلة استغرقت خمسمائة ميل اعتمد فيها على احسان وعطف الاخرين ، فقد قابل الكثير من الشك والخوف والريبة ، ويقارن ذلك قائلاً انه في اليمن من النادر ان يردك شخص من امام بيته ، يكتشف في صنعاء وتعز وعدن مدناًمفتوحة على الرغم من انغلاقها في وعي العالم ، حيوات ملئة بالصخب والتنوع والفرح ، فسكان هذه المدن يعيشون في مصيدة من الفقر التي ليست من صنعهم ولكن كرم ضيافتهم وترحيبهم بالغرباء مثر للدهشة . هذا البلد (اليمن ) يبدو انه يملك شيئاً لانملكه هذا لا يتعلق بالاقتصاد .ما يبرز من خلال هذا الكتاب هو صورة علي سعيد كشخصية درامية آثاره بعد الانتفاضة يضفي الكثير من الحس الملغز عليه ، ولا أعرف كيف عالج مورتيمر الانتفاضة في مسرحيته ،، عبثاً حاولت معرفة مصير المسرحية وان كانت قد عرضت على مسرح كاستام هاوس ولم اعثر على أي شخص يجلب مورتيمر في رحلته اليمنية الكثر من المواقف المتعلقة الآن بالإسلام ، فهو زار اليمن مع تحضيرات امريكا لضرب العراق ، واثناء تجواله المضني بحثاً عن وجوه يعيد اكتشاف هويته ومعنى ان تكون بريطانيا ، فهو هنا امام ثقافة مختلفة ، ينظر اليها في بعض الاوساط باعتبارها متخلفة ، ولكن اثر هذه لثقافة على القادم من بريطانيا غير مسبوق ، فهو امام ترحيب الناس به يسائل موقف بريطانيا من المهاجرين ، وعبر وحدته ، الروحية والجسدية ، يتعاطف مع اليمنيين البحارة الذين عملوا في بريطانيا بدايات القرن العشرين ، واياً كانت دوافع المنتفضين وان كانوا تأثروا بسرية حركة البحارة الاقلية ام لا الا ان رحلتهم تطرح الكثير من الاسئلة التي لا تزال حاضرة الان في سياق علاقات الدول ومواقفها من المهاجرين ، وهو ما يلح مورتيمر احياناً على استجلائه واكتشافه في ظروف البحث عن اقارب للبحارة ، لسوء او حسن الحظ لم يعثر على أي شخص يمت بصلة الى البحارة اليمنيين وحتى الشخص الذي قابله في بلدة مقبنة رفض الحديث معه او التقاط الصور له ، وكان معنياً بالسؤال عن بن لادن ومكان وجوده اكثرمما كان معنياً بالاجابة على اسئلة المسرحي القادم من انكلترا ، تذكر رحلة اليمنيين في بريطانيا براوية محمد عبدالولي يموتون غرباء عن اليمنيين في اثيوبيا والتاجر الذي يجمع المال من اجل بناء بيت ، اكبر بيت في قريته ، ويموت وتبقى صورة البيت علقة في المحل الصغير ، الذي كان مقر سكن التاجر ، ومصدر رزقه وعلاقاته الكثيرة بالنساء .وعلي سعيد في نقابيته ونشاطه يمثل على الاقل جزءاً من الغربة والغرابة في الرحلة يعترف مورتيمر ، انه ليس باحثاً اكاديمياً ويعتمد كثيراً على ما كتب حول موضوع اليمنيين في بريطانيا مثل كتابات ريتشارد لوليس ، خاصة كتابه من تعز إلى تاينسايد وهو الذي يتحدث فيه عن وصول اليمنيين اولاً كمهاجرين مؤقتين ومن ثم اقامتهم منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى نهاية العقد الثاني من القرن العشرين .تعرف مورتيمر في رحلة البحث عن وجوه الثلاثينات اليمنية على جلسات القات ، وزار الدكتور عبدالعزيز المقالح ، عميد المثقفين اليمنيين ، ومع ذلك فشل مورتيمر وباعترافه في ادارة لقاء معه ، وعندما حاول مقابلته في المرة الثانية لم يستطع ، ويقدم مورتيمر مقتطفات من اشعار المقالح وبعضاً من ارائه حول الشعر .بيتر مورتيمر هو كاتب وشاعر ومسرحي ومحرر لمجلة ايرون برس ، والمخرج الفني لمسرح كلاود ناين ، له عدد من الكتب مثل مائة يوم في جزيرة مقدسة ، وكتابه مفلس في كل انحاء بريطانيا .
|
ثقافة
قصة إنتفاضة يمنية على كل الشواطئ الانكليزية
أخبار متعلقة