كـتـاب
تأليف / لوسيل فيغرييه عرض / إصلاح العبدكتاب "أحداث عشتها في اليمن" تأليف لوسيل فيغرييه، وترجمة / خالد طه الخالد ، صدر عن دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة ، الطبعة العربية الأولى . المؤلفة هي من الشخصيات التي عرفت اليمن عن قرب فجاء كتابها واقعاً وأحداثاً عاشتها المؤلفة لوسيل التي ولدت في إقليم " تورين" الفرنسي ، في أسرة طبية ، فجدها لوسان فيغرييه كان طبيباً عقيداً، وأخو جدها شارل فيغرييه كان طبيباً فريقاً ، ووالدها بييرفيغر كان طبيباً أيضاً .كان والدها يعمل في المغرب حتى عام 1946م انتهت فترة عمله في مناجم " جردة" في المغرب، حينها عرضت وزارة العلاقات الثقافية الفرنسية على والدها إدارة المستشفى الفرنسي في صنعاء باليمن حيث كان نداء الشرق الأوسط يثير الجميع .[c1]الحياة في صنعاء والتعرف على الضواحي [/c]في الفصل السادس نقلتنا المؤلفة إلى أربعينيات القرن الماضي، وبأسلوبها الشيق استنشقنا معها عبق الماضي بنسماته وأصواته وروائحه، وأبدعت في ذلك، فهي تصور مدير العجلات التي ترفع الماء من الآبار وأصوات الأبواق التي يطلقها الحراس عند سماع الأوامر/ فالمؤلفة لها أسلوب مميز تجعلك تشعر كأنك معهم، وتعايش الأحداث لحظة بلحظة.وتتطرق المؤلفة إلى تفاصيل حياتهم هي وعائلتها في صنعاء، وكيف كانوا يخرجون سيراً على الأقدام مع أصدقائهم ليقوموا بجولات طويلة في ضواحي المدينة على امتداد قنوات الري، وتتطرق إلى أنواع الخضروات والفواكه التي تنتج في اليمن، ووصفت بدقة أشجار الكروم، كما تشير المؤلفة إلى أن اليمنيين لم يكونوا ينتجون النبيذ، لأن هذا لا يجوز للمسلمين، ولذا كانوا يحصلون على النبيذ من الحي اليهودي بمكان يعرف بقاع اليهود.. يعرف حالياً "قاع العلفي".كما نجد في هذا الفصل ما يضحك حين كان الطباخ يصنع لهم في بعض المرات خبزاً مسطحاً ثقيلاً على المعدة، وينجح في مرات أخرى بصنع خبز به لب، كما أنهم يجدون في أطباقهم الذباب، فلا مفر من ذلك، حيث تعلق لوسيل قائلة: "انه في ذات يوم وجدنا طباخنا يصيح ويتحرك دون توقف وبيده ممسحة تنظيف كبيرة، حيث اعتقدت والدتي انه فقد صوابه، وكانت على وشك الصعود لتخبر أخوتي بما حدث، فانفجرت ضاحكة وأنا أشرح لها ما الذي حدث، وقلت: ليس هناك شيء، فطباخنا أحمد يطرد الذباب ويطلب منها الذهاب إلى منزل جارنا.. ولا أعرف إن كان لذلك من جدوى!".وكذا اطلاقهم على المترجم لقب "بفضل الله" لأنه كان ينهي جميع جمله بهذا التعبير. ايضاً تعاملها مع الطباخ بالاشارات واصدار أصوات تساعدها في توصيل ماهو مطلوب، خصوصاً في غياب المترجم، حيث أومأت للطباخ بإحدى يديها وأشارت له باثنتين من أصابعها وبالاخرى إلى حلقها راسمة بها اشارة تدل على الذبح، وقالت له "كو- كوكوك" ففهم الطباخ وعمل لهم دجاجتين مشويتين في وجبة الغداء، فكانت هذه الواقعة متداولة بين أفراد الأقلية الأوروبية!كما تستعرض المؤلفة في هذا الفصل استخدام اليمنيين في تجديد الحمام روث الحيوانات مع اضافة القش المكسر والقليل من الماء، وكيف كن يدسنه حافيات الأقدام ليحصلن على الخليط المتجانس، وكيف يشكلنه بأيديهن في القوالب ثم يجففنه تحت أشعة الشمس، ومايثير دهشة لوسيل أن النساء اللاتي يقمن بهذه الأعمال لديهن أطفال كن يعتنين بهم أثناء عملهن دون أن يغسلن أيديهن، حيث يمسحن وجوه أطفالهن واطعامهم إلا أنهم لا يبدون مرضى! وتعلل ذلك باكتسابهم مناعة ضد ذلك!! وتتالع لوسيل قائلة: "كان باب الحمام منخفضاً ولا أدري هل ذلك يعود لكون غالبية اليمنيين ذوي قامات قصيرة! وقد علق والدي، الذي يصل طوله إلى متر وثمانين سم، على باب الحمام لافتة تقول "احنوا رؤوسكم، فالباب منخفض" ومع ذلك كان ينسى هو أن يحني رأسه، وفي كل صباح كنا نسمع تأوهاً قوياً عند باب الحمام!.وتشير المؤلفة إلى السوق والحركة السائدة فيه، وأنواع البضائع والحرف والأقمشة بانواعها ومطعم يقدم الجراد المشوي وفي هذا الفصل أيضا توضح المؤلفة كيف أن والدها كان عميداً للفرنسيين في اليمن، وكيف أنه بعد وصولهم ببضعة أشهر أقام حفل استقبال في منزلهم للاحتفال بالذكرى الـ (14) من يوليو "العيد الوطني الفرنسي"، حيث حضر الحفل وزير الخارجية في اليمن القاضي راغب بيك، وسيف الاسلام القاسم وزير الصحة والمواصلات، وتم تبادل أنخاب الشامبانيا، اما اليمينون فتناولوا الليمون.وتستعرض المؤلفة كيف أنه كان يتم تغيير العساكر القائمين على حمايتهم في كل خمسة عشر يوماً، فكانت والدتها تجد صعوبة في تمييز أشكالهم، وكيف أنه كان يتم تنظيف صنعاء بتشغيل السجناء والسلاسل في أقدامهم وبمساعدة النسور، وكانوا يشعرون بالأسى لرؤية الجروح في كعوب السجناء بسبب احتكاكها بالسلاسل!أما منظر النسور على السطح فقد أكد لهم العساكر أن وجودها يدل على الغنى لأنها لاتحط إلا على منازل الوجهاء، لذا كانوا يستمتعون برمي العظام لها عند اقامتهم الحفلة شواء، وفي هذه المناسبة تم التقاط صور بالزي اليمني بعد استعارتها من عامل صنعاء، وقد وصفت وصفاً دقيقاً الزي اليمني، حيث أشارت إلى أنه من الحرير الأحمر ومطرز بخيوط من الذهب والفضة، وكان طوله إلى الكعبين، أما غطاء الرأس فمنقوش بخيوط الذهب ومرصع بالفصوص.. وأشارت إلى ان هذا الزي كان بديع الجمال.كما أن المؤلفة لم تنس أن تشير إلى عادة يمنية كان يقوم بها النساء يومياً، حيث كن يقمن كل صباح بإخراج ونشر البسط والإغطية المستخدمة لتعريضها لأشعة الشمس، وفي المساء عند وقت الاذان يبدأن بإدخالها ولكن بعد تنظيفها من البراغيث والقمل والبق، والمثير للدهشة والاستغراب أنهن لا يقتلن هذه الحشرات بل يجلسن القرفصاء وينتزعنها بالابهام والسبابة لإبعادها.. وتتساءل لوسيل عن مدى فعالية هذه الطريقة.وأوضحت المؤلفة أنه بعد اقامتهم في صنعاء بوقت ليس بطويل احتفلوا بعيد القديس "بيير" الذي تزامن مع عيد ميلاد المؤلفة الثامن عشر، لذا فقد احتفلوا بهذه المناسبة، وتشير إلى انها لبست هي ووالدتها ثياباً طويلة والرجال بدلات قصيرة عملاً بالتقاليد، وأصيب الخدم بالدهشة فاختفوا ثم عادوا بملابس الاحتفال وهم فخورون لمبادلتهم الأدب، حيث سعدوا لذلك ولاحترام اليمنيين للتقاليد الأوروبية.المؤلفة لم تنس شيئاً، فقد وصفت حتى نوافذ منازل صنعاء المتميزة، حيث يعلوها قالب نصف دائري من الجص يتراوح سمكه من 3- 5 سم ويطعم بقطع صغيرة من الزجاج الملون الذي يسمح بتسلل ضوء جميل وخافت إلى الحجرة المغلقة النوافذ.. وعللت المؤلفة ذلك بأن اليمنيين عملوا هذا عن قصد، لكونهم غالباً ما يسترخون لمضغ القات!ونضحك مع المؤلفة حين تتحدث عن نادرة حدثت لهم مع أحد الخدم حين أهدته أمها ثوباً (جرسي) ضاق عليها بسبب تكرار الغسيل، وذلك حتى يهديه لزوجته، ولكنهم رأوا الخادم يرتديه وهو فخور!![c1]أخلاق وعادات اليمنيين[/c]في الفصل السابع تتطرق المؤلفة إلى الأسرة الملكية بدءاً بالامام يحيى الذي كان يبلغ من العمر 83 عاماً، ثم أبنائه الثلاثة عشر، وكيف انهم كانوا جميعاً يحملون لقب سيف الاسلام، وما كان يلبسه الامام، حيث كان يلبس دون سواه عمامة بيضاء لها هدبتان طول كل منهما حوالي عشرين سنتمتر، اما الامراء فأشارت إلى أنهم كانوا يلبسون عمائم ذات هدبة واحدة فقط, وكيف انه لا يحق لغير أفراد الأسرة الملكية لبس عمائهم بيضاء اللون ذات أهداب.. وقامت المؤلفة بتعداد الأمراء الثلاثة عشر حسب تاريخ الميلاد على النحو التالي:ـ سيف الإسلام (احمد) ولي العهد وكان يحكم آنذاك لواء تعز- سيف الإسلام (علي) وزير التجارة.- سيف الإسلام (عبدالله) سفير في العواصم الأجنبية ومندوب في الأمم المتحدة.- سيف الإسلام (الحسين).- سيف الإسلام (القاسم) وزير الصحة والمواصلات.- سيف الإسلام (الحسن) وزير المالية.- سيف الإسلام (المطهر).- سيف الإسلام (اسماعيل) قائد في الجيش.- سيف الإسلام (ابراهيم) منفي في عدن.- سيف الإسلام (المحسن).- سيف الإسلام (يحيى) قائد في الجيش.- سيف الإسلام (العباس) شاب صغير السن لايزال يدرس.- سيف الإسلام (عبدالرحمن) عمره عشرة أعوام.وأشارت إلى ان محمد البدر ابن سيف الاسلام (أحمد) وآخر أئمة اليمن لم يكن يحمل لقب سيف الاسلام..وتطرقت إلى ان تنصيب الأئمة كان يتم عن طريق الانتخاب، لكن الامام يحيى قرر أن يصبح الامر وراثياً.في هذا الفصل ايضاً تشير المؤلفة إلى أنها كانت تقوم هي وأمها بزيارة حريم الأسرة المالكة من باب المجاملة، وكان يتم استقبالهما بحفاوة عالية، وكانتا تفضلان الذهاب إلى حريم سيف الاسلام (القاسم) الذي كان متزوجاً بإحدى بنات القاضي راغب بيك وزير الخارجية ذي الاصل التركي، التي كانت الأقرب إلى الأخلاق الأوروبية، وتصفها بأنها في هيئتها ومظهرها تبعث على التفكير في لوحة من لوحات الرسام الفرنسي (انجرس) وانها ايضاً كانت مرحة ونبيهة.ثم تحكي كيف ان الامام يحيى عاقب ولده سيف الاسلام (القاسم) بسبب اغضابه لزوجته واثارة غيرتها، فعاقبه بأن منعه من التنقل على الخيل ولم يعد يمنحه سوى حمار.. ووصفت هذا العقاب بأنه كان مبالغاً فيه لرجل في الأربعينات من عمره!!ويقدم هذا الفصل من الكتاب نموذجاً حياً وهو الزيارات المتبادلة بينهم وبين زوجات الوجهاء، حيث كانوا يصطحبون معهم زوجة طبيب لبناني فرنسية الأصل لتقوم بدور المترجمة..وقد عبرت حريم الوجهاء عن رغبتهن في زيارة منزل الدكتور بيير، والتعرف على أسلوب حياتهم، حيث تقول لوسيل : " بالطبع دعوناهن إلى منزلنا ووضعنا ستائر معتمة على جميع نوافذ الصالون، وأبلغنا الخدم والعساكر بالبقاء في مكان غير مرئي في الطابق الأول.. في الساعة الموعودة أو بعدها بقليل وصلت الأميرات، وكان وصولهن يعتبر موقفاً مميزاً وغير مألوف في الوقت ذاته، حيث كان سائق العربة الاولى يهز دون توقف جرساً كبيراً بغرض فتح الطريق، وكانت الأغطية والستائر مغلقة بعناية حتى لا يتمكن أي شخص من رؤية المارين، فأخي بيير الذي لم يكن يبلغ من العمر 14 عاماً لم يكن مقبولاً للترحيب.وتتابع لوسيل قائلة : "كانت الزيارة ممتعة جداً لهن وحدثت غلطة بالطبع غير مقصودة، وكنا في أشد الحاجة لازالة توتر الجو.. إذ إني صنعت بعض أصناف الحلوى والكريمات الأوروبية ومن ضمنها كريمة البن بالشكولاته وقدمناها في أطباق فردية صغيرة، حيث نظرت احدى الأميرات إلى طبقها وحسبت أن مابه كحل فمررته على حواجبها ورموشها!! فوجئنا كثيراً ولم نعد نجرؤ على أكل كريمتنا، لسحن الحظ فهمت زوجة سيف الاسلام ( القاسم) الغلطة ومدى حرجنا فبادرت على التو بتوضيح الامر لرفيقاتها وانفجرن جميعاً ضاحكات". وتضيف المؤلفة أنه لسوء حظهن كان من الصعب جداً السماح لهن بالمجيء، ولم نستطع تكرار هذه الزيارة واستمرينا نحن في زيارتهن في منازلهن.وتتطرق المؤلفة ايضاً في هذا الفصل إلى وصف قصر الامام الذي يدعى المقام الشريف، وتقول انه مكون من بنايتين هما القصر بالمعنى التام للكلمة، حيث يقيم الامام وحاشيته، ومنزل النساء المفصول عن القصر بحدائق جميلة مسيجة ومظللة ومزهرة جداً، حيث تستطيع الأميرات التجول بحرية دون أن يراهن من في الخارج.. وهذا ما أنقذهن عند الثورة.كما تصف سور القصر بأنه يوجد عليه طريق وله باب قديم مطلي الأحمر والأسود ومزين بالفضة، ومحصن بقلعتين بينهما شرفة يصعد اليها الامام خلال العرض العسكري.. وتشير إلى انه في احدى المرات دعاهم الامام لحضور عيد الاضحى من فوق سور القصر، وسمح لهم بالتقاط بعض الصور.. ولا تنسى المؤلفة ان تشير إلى انه لدى الأسرة الملكية حظيرة للحيوانات النادرة مثل الأسود والمها وغيرها.وتصف الملابس التي ترتديها النساء، حيث يخرجن إلى الشارع فتقول إنهن كن يلبسن تشكيلة كبيرة من القماش المزركش الذي يغلب عليه اللون الأحمر والأسود ويغطين وجوههن بحجاب أسود به دائرتان مصبوغتان باللون الأحمر أمام العينين، وتحت القميص كن يلبسن سروالاً واسعاً ومضغوطاً عند الكعبين ومطرزاً من الأسفل بالألوان بالنسبة لسائر النساء، بينما يكون مطرزاً بخيوط الذهب والفضة بالنسبة للأميرات وزوجات الوجهاء، وتشير إلى ان النساء والفتيات اليهوديات كن لا يرتدين الحجاب بل قبعة مزينة بقطع صغيرة من الزخارف المعدنية، حيث تقول لوسيل : " توقفت طويلاً امام الأزياء اليمنية، وعقدت مقارنة بين المرأة في الريف والمرأة في المدينة ووجدت ما يمكن تسميته بالانجازات المبكرة في الريف، فالمرأة في الريف أكثر تطوراً من المرأة في المدينة، فالريفية تخرج دون حجاب"!وفي هذا الفصل بدأت المؤلفة تشير إلى تعب والدها، وتقول أنه دائماً ما يدعو الأوروبيين إلى حفلة في منزلهم ويعمل على اسعادهم بمرحه وحيويته رغم تعبه، وتصف شخصية والده بأنها قوية لأنه استطاع إلى حد ما أن يجمع حوله جميع الأوروبيين، وفي الوقت ذاته الوجهاء اليمنيين، ولكن هذا لم يعجب الطبيب العقيد ويثير غيرته من والدي.وأهم ما تشير إليه المؤلفة في هذا الفصل هو أنه في عام 1947م كانت الأسرة الملكية تمتلك بعض السيارات فقط، وكان هناك بعض الشاحنات التي تنقل البضائع الكبيرة من صنعاء والحديدة.[c1]وفاة الدكتور (بيير)[/c]في الفصل الثامن تبدأ المؤلفة بالإشارة إلى مرض والدها، فتقول إنه بدأ يشعر بالأعراض الأولى لمرضه إلا أنهم ظنوا أن ذلك ليس سوى وعكة مرضية غير خطيرة . وتشير إلى أن أوضاع المستشفى لم تكن تعجب أبوها، حيث يغير المرضى اماكنهم، فقام بجعل كل مريض يحمل سواراً قطنياً موضح فيه رقم السرير الذي فيه استمارة تشخيص المريض، وكيف كان أخوها (لوسيان) يساعد والدها في العمل، حيث كان يقوم بالاشراف على التنفيذ الصحيح لأوامره.وتضيف المؤلفة انه في فترة انتشار الكوليرا في عام 1947م في مصر تم اكتشاف عدة حالات في اليمن، فأرسلت باريس بصورة طارئة لقاحات لجميع الأوروبيين الموجودين في اليمن. وتحكي المؤلفة ان اليمنيين كانوا يعتقدون انهم في مأمن من الوباء، لانه -حسب قولهم- لا تملك الميكروبات القوة للصعود إلى الجبال الشاهقة وتموت قبل ان تصل اليهم.. في تلك الفترة كان والد المؤلفة يعلم انه مصاب بالتهاب معوي، ورغم معاناته استمر في ممارسة عمله وكان يجر نفسه جراً إلى عمله، وكان يتناول بعض الحبوب المهدئة ويقول ان ثمة تسربات ضارة تنفذ إلى بئرهم، وكان يردد مراراً " إنهم يتركوني أمضي نحو القبر"!!وإزاء هذه الحال عملت أم لوسيل على ارسال برقية لطلب طائرة لنقل زوجها الدكتور (بيير) بصورة طارئة إلى مستشفى جيبوتي لتلقي العلاج والعناية، ولكنهم انتظروا دون جدوى هذه الطائرة التي لم تأتي أبداً، فقد ألغى الطبيب العقيد طلب الطائرة دون أن يبلغهم، وأكد انه ليس هناك ضرورة لذلك وان الدكتور ( بيير) ليس مريضاً!! لكن صديق المؤلفة (جون) أحضر عند عودته من السفر بعض (البنسلين) وأقراصاً مهدئة فاستعاد الدكتور نشاطه وعاد لعمله في المستشفى، انتقلوا إلى مسكن جديد بعد تقديم طلب إلى القاضي راغب بيك وزير الخارجية، ولكن الدكتور عاوده المرض بشدة لدرجة انه لم يغادر غرفته أبداً، وعندما علم الطبيب العقيد بخطورة مرضه أتى لعلاجه ومعه مضادات حيوية وحقن وأصابته الحيرة.. وكان يقول " لا أستطيع عمل معجزة"!!فارق الدكتور (بيير) لحياة في 28 أكتوبر 1947م، وعندما علم الامام بوفاته بعث إلى زوجته وأبنائه بتعازيه طلب منها تحديد المكان الذي تريد دفن زوجها فيه، فخيرها بين أن يقبر في مقبرة اليهود أو في حديقة منزلهم، أو على بعد ثلاثة كيلو مترات من صنعاء على سفح الجبل بالقرب من طريق حدة بجوار قبور الطيارين الألمان، فوقع اختيارهم على المكان الأخير.وتشير المؤلفة في هذا الفصل ايضا إلى مدى الاحترام الذي كان يكنه الامام يحيى لوالدها، حيث سمح لهم بنحت صليب من أحجار الجبل السوداء على قبره، حيث كان هذا الصليب الجنائزي الوحيد في اليمن في تلك الفترة.. وتصور المؤلفة مدى الحزن الذي اعتراهم بعد رحيل والدها، حيث وجدوا أنفسهم في بلد من العصور الوسطى، ودون أي تمثيل دبلوماسي أو مساندة سوى وجود صديقين حميمين هما (جون) و (الفونس ليبمان).وأشارت إلى غيرة الطبيب العقيد من والدها حتى بعد موته، وبررت ذلك بسبب نموذج الأسرة السعيدة الملتئم شملها التي كان يتمتع بها والدها، بينما هذا الطبيب كان يعيش مع ممرضته منفصلاً عن أسرته التي لم يستطع احضارها إلى اليمن.[c1]أسرة الدكتور (بيير) تحت حماية الإمام يحيى[/c]في الفصل التاسع تتطرق المؤلفة إلى وطأة الأمور التي بدأوا يعانون منها بعد وفاة والدها، حيث حرموا من السيارة والحصان والميزات التي كانت تمنح لوالدها، فقدم صديقهم الفونس ليبمان نصيحة لوالدتها بأن تقوم بالكتابة للإمام يحيى للدخول تحت حمايته، فما كان من الامام الا ان ارسل لها ورقة مؤكداً الحماية الكاملة..وتؤكد المؤلفة بأنها مازالت تحتفظ بهذه الورقة التي يوجد بها امضاء الامام المجفف بالبودرة الحمراء التي تمثل أحدى خصوصيات الامام.وتشير المؤلفة إلى انهم في جميع لقاءاتهم مع الأوروبيين كانوا مجبرين على أن يسلموا على الطبيب العقيد الذي تعتبره المسؤول عن موت والدها لأن هيبة فرنسا تقتضي الا نظهر أي خلاف بيننا نحن الفرنسيين.. وتحكي تفاصيل أول عيد ميلاد بعد موت والدها، حيث أحضروا ديكاً رومياً حياً من الحديدة وبحثوا عن غصن غليظ من شجرة الاثل وزينوه بزخارف مصنوعة من الورق اللامع وعلب السجائر وقاموا بإعداد كمية من الشوكلاته والكعك التقليدي الخاص بعيد الميلاد واحتفلوا بمعية أشخاص فرنسيين وصديقيهما الفونس ليبمان والخالد دانزكير، أما صديقهم جون فكان قد غادر بعد ان ترك لهم بعض اللقاحات التي لاغنى عنها.وبعدها تحكي المؤلفة عن موسم الأمطار، وكيف كانت تهدم الجدران المبنية من الآجر المجفف تحت أشعة الشمس والمرصوصة احداها على الاخرى اثناء البناء، وانه في موسم الامطار أخبرهم الأهالي بأنه يتم رفع الضرائب في الأرياف لأن المحاصيل تزداد وفرة فأشفقن على القبائل المسكينة.. ومما ترك في نفسها انطباعاً وشغفاً لا ينسى هو منظر الشمس عند الغروب حيث ترسم على منارات المساجد ونداء المؤذن وركوع المؤمنين باتجاه مكة تاركين أعمالهم.وأهم ما تشير إليه المؤلفة في هذا الفصل هو أسلوب اليمنيين آنذاك في عد الأكياس الممتلئة بالريالات، وهي عملة من الفضة تزن 28 غراماً منقوش عليها صورة ملكة النمسا (ماري تريزا) حيث كان اليمنيون يتداولون هذه العملة النقدية فكانوا يصفون على أرضية احدى الغرف اكياساً صغيرة يحتوي كل منها على 100 ريال، ويقفزون حفاة الاقدام من كيس إلى آخر ويحصون في كل مرة كيساً مما تلمسه أقدامهم.. وكأنهم يؤدون رقصة (باليه) وحين كانت الغرفة تمتلئ بالاكياس النقدية حتى السقف يتم سد الباب وينتقلون إلى الغرفة التالية. وأطرف ما تحكيه هنا هو أن أحد الأمراء عندما وجد ان والده الامام يحيى لا يعطيه مصروفاً كافياً قام بحفر ثقب في أرضية غرفة تقع فوق غرفة اخرى مليئة بالريالات وبواسطة سنارة كان يأخذ المبلغ الذي يحتاجه.. وتعلق لم نعرف أبداً ان كان الامام يحيى قد علم بهذا.وتحكي كيف ان الامام يحيى بعد وفاة والدها سمح لهم بالمكوث في المنزل حتى مغادرتهم إلى فرنسا، لكن والدتها كانت تنتظر البت في موضوع التعويض الذي طالبت به ولم تحصل على أي رد.. وكيف أنهم كانوا يخرجون للتنزه، وكان اليمنيون لا يعترضونهم ولا يضايقونهم لأنهم كانوا يكنون لولدهم المتوفى احتراماً يحول دون ذلك، وكذلك لأن الكل يعلم أنهم تحت حماية الإمام يحيى .[c1]يتبعفي الحلقة القادمة اغتيال الإمام يحيى وحصار صنعاء ونهب المدينة[/c]