قصة قصيرة
ريما إبراهيم فائقأساور الشك أيها الأحمق هي من تركتني أفتح لك الباب و أطلقك ، ثم أقف خلف زجاج الترقب أنتظر ، أعدّ خطواتك ، أترقب هفوة ما، أتآكل، أصدأ ، ثم أرمي للريح خوفي لتنثره فوق تلال عينيك . أساور الشك أيها الذكي هي التي جعلتني ابتسم على حين غصة ، و هي التي دفعتني لأقول لك حبيبي حين التقطت عطرا نسائيا يتمشى على ياقة قميصك ، و هي التي جعلتني أصنع لك كعكة كبيرة ، و ألف لك بيدي هدية أكبر ، و ألون وجهي ، و أحشر نفسي في فستان أحمر .أساور الشك جعلتني أتعجل الإنجاب ، فمنحتك طفلين ، و جعلتك أبا مرتين ، و أغدقت عليك بحكايات دلال ، و ألحان وله ، و علمت طفليك أن يقولا شعراً ، و أن يرسما صورتك ليفاجئاك بها حين عودتك ، و تركتهما يكتبان لك في بطاقة كلمات بريئة ، على حين أن أساور الشك تضيق و تضيق حتى ازرقت يداي . وعلى الرغم من أن أساور الشك التي ترتديها أمي، و خالتي، و صديقتي، و ابنة عمي، و جارتي كانت واسعة ، إلا أنهن كن يشددن أساوري علي : زوجك وسيم .. صديقتك فاتنة .. السكرتيرة تلبس ثيابا ضيقة .. يسافر وحده !!! لا يبدو سعيدا .. نسي عيد ميلادك .. اشترى لك هدية رائعة !!!! .. يغرق نفسه بالعطر !!! .. يرتدي أفخم ثيابه !!! لا يرغب في مزيد من الأطفال !!! و أنا كنت يا سيدي حمقاء مثلك . حاولت أن ألتقط كل إشارة خيانة قد تعبر منزلنا، حاولت أن أسدل الستائر فلا تدخل العيون، حاولت أن أتناسى اختناقي بشكي، أن أجعلك منزها عن الخطأ ، أن أمحو كل الأصوات التي تكرّ نعيبها في أذني كلما وضعت رأسي على الوسادة ، حاولت كثيرا أن أستنطقك بما لم تفعل ، أن أقفل بابي لكنهن اقتحمن علي خلوتي عبر سماعة الهاتف ، أرسلن لي وجعا في الرسائل النصية ، أكلن بنهم راحتي ، و أنا أنام على الشوك و على الشوك أصحو . خائبة المسعى عدت ، أو أنني كنت عاجزة حين كنت ذكيا ، و لأن الرجال كالماء في الغربا، و لأن ظلك أوسع من كل حائط في الدنيا، ولأنك جميل و هادئ، و تعرف كيف تفاجئني، وتتقن رسم ابتسامتي، و تعرف متى أنكفئ على خوفي فتنقذني من الغرق وراءه ، لذلك سيدي الرائع أعلنت لهن .... لكل امرأة في حياتي أنني أتبرأ من منطقهن الأعمى ، أقسمت لهن أن من تنطق اسمك أو تشير إليك بلقب ، أو حتى تهز رأسها بأي تعبير أمامي ، أو تسألني عنك ، أو تسألني عن حالنا ؛ فإنني سأقطع ذكرها عن لساني ، و قلت لهن و كأس الشاي يهتز في يدي ، و صوتي يعلو بنبرة خائفة غاضبة بأنني سأهاجر إلى مكان لا يستطعن معرفة إن كنت ما زلت حية و إياك فيه ، و نفضت فتات الكعك عن ثوبي و خرجت وقد تركتهن مشدوهات ، وأمي تهزّ رأسها عجبا . المشكلة أنني اعتدت أساوري ، لونتها ، جعلتها مزركشة ، معوجة ، ارتديتها و أنا نائمة ، حتى خدشت يدي ، و بكيت من ضيقهما كلما خرجت من المنزل ، و بلعت ألمي كلما عدت ، و أتقنت رسم فرحتي برؤيتك ، و علّمت نفسي الرضا والأمان في حضنك الدافئ حتى استكانت.و عندما خرجتَ ذات يوم كعادتك، و لم يعد سوى اسمك في ورقة في اليوم التالي، وقفت أمام الباب ، و ابتسمت ، تسربت في دمي دقائق راحة، ثم رنت ضحكتي في المكان، فاستيقظت جارتي، و رن هاتفي ، و دخل الهواء من كل منفذ.