حدث وحديث
فايز عبد الجوادنحن اليوم بتنا على مشارف عام غزة الثالث من الحصار .. حصار من تصميم العقل الصهيوني وبأدوات آن للعقل العربي أن يدركها بعيداً عن العاطفة والغرق في وهم شعاراتها الزائفة حصار ينتج نفسه بأشكال متعددة ويرخي تداعياته على نمط العلاقات الاجتماعية في غزة فيخلف خرائب في الروح وفوضى في المعايير هذا هو بالضبط ما أراده العقل الصهيوني لنا وهذا هو بالضبط ما أعانه عليه تلك القوى الاقليمية التي تريد دوماًُ أن تقاوم وأن تركب موجة المقاومة بأشلاء أطفالنا في غزة وفي كل شبر من فلسطين التي باتت تنزف من شراييننا ألما لا حدود له .. تلك هي الجريمة الكبرى التي حاكها لنا العقل الصهيوني ومارسها بكل وسائل الضغينة والحقد وبأبشع صور السقوط في وحل الدسائس .. تلك الأدوات الصغيرة التي هي امتداد لأدوات أكبر وأوسع تجذرت في عمقنا العربي والإسلامي ونخرت في جسدنا مثل الأرضة فلم يعد المواطن العربي قادراً على فرز الحقائق والتفريق بين ما هو وطني وما هو غير ذلك .. وحقيقة فالمواطن العربي معذور لأن تلك الأدوات التي انتهكت كل ما هو مقدس في حياتنا سخرت لها كل الإمكانات وعديد الفضائيات ووسائل التضليل وقلب الحقائق للنيل من عقولنا واسقاطنا في دوائر الوهم المغلقة .. ولكن رغم ذلك فإن ما حدث ويحدث في غزة اليوم من انتهاك لكرامة الإنسان الفلسطيني على يد فئة تسللت إلى نسيجنا الاجتماعي بعناوين متعددة فانتهكت كل مقدساتنا واستباحت دمنا وشوهت كل ماهو جميل في تاريخ هذا الشعب حتى قدسية الشهادة، يفرض علينا وعلى كل مواطن عربي أن يتوقف برهة يحكم فيها عقله إزاء هذه الجريمة التي يرتكبها الكثير من المتنطعين على جدران قضيتنا المقدسة “القضية الفلسطينية”.إن ما يحدث في غزة من إذلال وتجويع وقتل وانتهاك للحرمات ويدعيه البعض بأنه مقاومة هو جريمة كبرى لاتغفر .. فالمقاومة لمن اراد الحرية لايمكن أن تكون هدفاً بل وسيلة من وسائل عديدة للوصول إلى الحرية .. إلى الهدف .. المقاومة لايمكن أن تكون بتجويع الشعب واذلاله ولا بالقرصنة على مقدراته إمعاناً في التسلط والقهر .. ان ما يمارس على شعبنا في غزة بسطوة السلاح هو نوع من أنواع السادية والامتهان للذات وسقوط ذريع في أوحال أولئك الذين يراهنون على دمنا للوصول إلى اغراضهم في هذه المنطقة .. ان هزيمة النفس وانكسارها أصعب ألف مرة من الهزيمة في ساحة المعركة وهذا هو مايمارس على شعبنا في غزة الصامدة. فالمتامل فيما يجري اليوم في غزة يدرك أن هذه الأدوات التي انسلت في لحمنا وعظامنا استطاعت أن تحول القضية وأهلها من حالة الوعي النضالي والسياسي المقاوم إلى حالة اللا وعي واختصرت القضية بكل وهجها الذي سطع على يد الثورة الفلسطينية في كل أرجاء العالم إلى قضية معبر .. ورغيف .. وكهرباء .. وحبة دواء .. فأين هذه المقاومة؟أن المتفرس في وجوه أهلنا في غزة يدرك عظم هذه الجريمة . يدرك كيف أن القناديل التي كانت مضاءة في أرواحهم، باتت مطفأة .. وأن مواعيدهم بدل أن تكون مع فجر قادم جعلوها مسكونة بمفاجأت سوداء وباتت هياكل الحياة اليومية في غزة سمتها الخراب وأن المستقبل الذي هو حلم الحياة بات في غزة مشكوكاً فيه فهل هذه هي المقاومة؟!!كل هذا يفرض علينا جميعاً العمل من اجل ازهاق الباطل وإعادة اللحمة إلى شعبنا لحمة الوطن والشعب .. اللحمة الجغرافية واللحمة النفسية والمجتمعية لأن هذا الانقسام الاسود لم يطل فقط الجغرافيا بل طال كل شيء وكل المعاني وتفاصيل الحياة الفلسطينية. والأمانة تقتضي منا أن نضع النقاط على الحروف بكل الصراحة والأمانة من أجل رفع الحصار الظالم عن شعبنا الذي بات نهباً له.