قد يتساءل البعض أو يتبادر إلى الذهن من الوهلة الأولى لقراءة عنوان هذه المقالة عن دلالة أن يأخذ موضوع مقالي هذه التسمية تحديدا وفي هذا التوقيت، وما علاقته بمتطلبات المرحلة الحالية والقادمة ؟ وأرد بالقول إن سفينة وطن الـ22 من مايو العظيم التي يقف عليها اليمنيون كافة بدون استثناء سلطة ومعارضة ومستقلين وأغنياء وفقراء، رؤساء ومرؤوسين كبارا وصغارا، شرفاء وخيرين وفاسدين وأشراراً، وطنيين شرفاء وعملاء خونة، علماء ومثقفين وجهلاء وأميين وأنصاف مثقفين، نساء ورجالاً وأطفالاً.. قد دخلت بالفعل منذ فترة ليست بالقصيرة مفترق طرق خطيراً جدا في وسط بحر هائج، تتلاطم أمواجه وتتكسر بقوة على جانبيها من كل حدب وصوب على خلفية طبيعة و حجم التحديات والمتغيرات الحادة المتسارعة على المستوى الداخلي والخارجي، لدرجة أصبح (باعتقادنا) السير على نفس الخطى والآليات والسياسات الآنية في رسم وتحديد ملامح ووجهة خط سير سفينة النظام والوطن- أولا- ثم كيفية الوصول بها باعتماد أقصر الطرق أو أطولها مراعاة منها لعاملي الكلفة والزمن- ثانيا- هو أهم ما يجب أن نقف عليه طويلا، فلم يعد من مصلحة أي فرد يعيش في هذا الوطن أن نظل نسير بغير هدى ولا خارطة للطريق إلى ما لا نهاية، فما كان يفيد اليوم قد لا يفيد غدا، وما كان يصلح كحل جزئي مؤقت في الماضي القريب ، لم يعد يصلح الآن، وما كان صغيرا غير مؤذ أصبح كبيرا وضاراً ومؤذياً، وما كان كبيرا ضاراً ومؤذياً وخطراً أصبح أكثر ضررا وإيذاء وخطرا على المصلحة العليا للأمة والهوية والوحدة الوطنية، فلكل وقت متطلباته ومحدداته الحاكمة لخط سير الأحداث فيه.إذا سيبقى السؤال الأكثر أهمية- في هذا الشأن- يتمحور في الكيفية التي يمكن لنا من خلالها إخراج سفينة النظام والوطن من موضعها الحالي حيث توقفت كليا عن الحركة عند مفترق للطرق هو الأكثر خطورة بالمطلق في وسط المحيط الهائج وتعطل بوصلة الاتجاهات، منتظرة من ربانها الوحدوي الحكيم والقوي وطاقم إدارتها المخلصين ممن وضع الوطن أمانة في أعناقهم وثقته بهم، التوكل على الله ووضع اللمسات الأخيرة على خريطة الطريق التي أمامه أو النقاط الأخيرة على الحروف لتحديد أي الطرق يجب أن نسلك مع مراعاة عاملي الكلفة والزمن لأنهما يسيران في غير صالحنا البتة، فطريق الأمم والأوطان ومصالحها الحيوية العليا المنتهكة والمنتقصة على مر الأزمان؛ قبل وبعد كل شيء هو طريق الله والعدل والحق وهو مستقيم سهل وقصير جدا وأكثر وضوحا برغم ما تحيط به من صعوبات جمة، وطريق الذات والأنا والمصالح الضيقة قبل وبعد كل شيء هو طريق الشيطان نفسه والظلم والعدوان وهو ملتو معقد وطويل وغامض ومشوش.إن أهمية هذا الأمر دون غيره من أوقات عصيبة مضت تكمن في أن هذا هو آخر ومن ثم أخطر وأصعب المفترقات في سلسلة الطرقات الاستراتيجية التي واجهتها سفينة وطن الـ22 من مايو العظيم، لأن أي طريق سيتم اختياره سيكون بالفعل هو وحده الكفيل بتقرير مصير المشروعين الوحدوي والانفصالي- وليس كما يتوهم الكثيرون أن الأمر مجرد تنافس على مقاعد السلطة، فإما المضي قدما إلى الأمام في خط مستقيم نحو استكمال تشييد مرتكزات المشروع الوحدوي وتتويجه بإعلان دخولنا الفوري الواثق بالله وبمقدرات شعبنا وقدره إلى مرحلة دولة المؤسسات والنظام والقانون التي طال انتظارها مهما كانت الحسابات الآنية؛ من خلال إعادة التركيز بقوة على مجمل الايجابيات المتاحة في نطاق أيادينا ، كي نتجاوز كل سلبيات المرحلة وإرهاصاتها دفعة واحدة، وليس تجاهلها بالطبع، أو العودة بالوطن إلى الوراء عند أشد العهود ظلمة .وكي أدخل في صلب الموضوع مباشرة أجدني أرد على ذلك بمثال عملي وواقعي؛ هو بيت القصيد في مقالنا هذا بالعودة بالذاكرة قليلا إلى الوراء إلى كل تلك المعاني والدلالات والأبعاد التي كانت حاضرة في عقول وقلوب القادة المؤسسين لفكرة المؤتمر الوطني الشامل منذ النصف الثاني من عقد السبعينيات؛ ممثلا بما اصطلح على تسميته آنذاك بـ(المؤتمر الشعبي العام)- قبل أن يصبح حزبا سياسيا- للخروج بالبلاد من المأزق التاريخي الحاد الذي تعيشه منذ قيام الثورة، في أحد أهم القرارات المصيرية شجاعة وخطورة والتي وضعت البلاد دفعة واحدة على مسار بناء مرتكزات دولة المؤسسات والنظام والقانون التي لو كتب لها الاستمرارية لكنا اليوم في مصاف الدول الأكثر تطورا ونموا وريادة واستقرارا، حيث اختارت تلك القيادة ولوج ذلك الطريق بخطوطه المستقيمة غير عابئة بما يحيط بها من تحديات في إطار مشروع وطني تنموي متكامل بكل أبعاده، على الرغم من أنه كان ولا يزال أشد وضوحا في قلوب وعقول قادته إلا أن الأمة والأرض اليمنية تشربته بسرعة فائقة غير متوقعة، لتصبح ملامحه بارزة على أرض الواقع قبل أن تكتمل خطوطه الرئيسة والعامة في عقول قادته، بعد توقف طويل لسفينة الوطن والنظام في مفترق طرقات كان هو الأكثر خطورة- مثلما هو حالنا اليوم- باعتباره طريق الله والأمة للعبور بسفينة المواطن والوطن نحو أقدارها في بناء مقومات الإنسان الجديد والدولة الحديثة المنشودة، التي بلغت أوجها عندما ارتأت القيادة التاريخية آنذاك إن أحد أهم مستلزمات ولوج الطريق المستقيم هو ضرورة توحيد الجبهة الداخلية على الثوابت الوطنية التي يتفق عليها الجميع دون استثناء؛ من خلال تلك المساعي والجهود التي كان وراءها جميع المعتدلين والوسطيين من أبناء الأمة لمحاولة تشييد دعائم الجسر الوطني الذي تجاوز كل الخلافات الضيقة والآنية والشيطانية دفعة واحدة ، كي يتسنى للبلاد العبور الآمن والفوري إلى عتبة بوابة دولة المؤسسات والنظام والقانون المنشودة. نعم نحن بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى ذلك الجسر الوطني الذي سيكفل لنا توفر الوسيلة الأكثر ضمانة نحو حشد قدرات البلاد للانتقال بها إلى نطاق المرحلة الثانية من العمل الوطني الذي يجب أن تتكاتف فيه قلوب وعقول وسواعد الجميع في اتجاه البناء والنهوض التنموي، والطريق الأكثر سلاسة للخروج بالبلاد من نفق اللا عودة والاحتراب والفوضى الهدامة الذي يغلب عليه طغيان المصالح الذاتية والأنانية والخاصة، من أجل إيقاف الاستنزاف الفوري والحاد لقدرات البلاد تمهيدا للقيام بحركة سريعة ومدروسة، نخرج بها قطار الوطن والنظام معا نحو الطريق المستقيم، لاسيما أن المرحلة الأولى من الحياة السياسية- الحزبية الماضية بكل إرهاصاتها وآثارها السلبية الحادة التي فشلت جميع القوى السياسية والحزبية العاملة في الساحة اليمنية في تجاوزها على مدار الـ20 عاما الماضية، نظرا لبقائها حبيسة مفاهيمها وطقوسها وآفاقها الضيقة التي يغلب عليها طابع الخلاف؛ بما تتضمنه من تنافس وصراع فردي واسري وجهوي ومناطقي على الكراسي باسم الشعب والوطن والمصلحة العليا وهم منها براء، بالانتقال إلى أتون المرحلة الثانية هدف وغاية النهج التعددي من الأساس، التي سقفها السماء المفتوحة وأطرافها الشعب بكل فئاته ومستوياته سلطة ومعارضة ومستقلين ومنظمات مجتمع مدني كل من موقعه، وهدفها المنشود تحقيق التنمية الشاملة بكل أبعادها والارتقاء بواقع الشعب والوطن إلى الأفضل. ثم بعد ذلك يبقى التساؤل الجوهري الذي يطرح نفسه بقوة على كل القوى الداخلية والخارجية صاحبة المصلحة؛ وهو من أين يجب أن يستمد كافة الشركاء المفترضين في العملية التنموية القادمة- من قوى سياسية وحزبية واجتماعية واقتصادية ومنظمات مجتمع مدني- مصادر قوتهم الحقيقية؟ أهو من حقيقة مبادئهم ونواياهم ومن ثم توجهاتهم قبل وبعد كل شيء وبالتالي من طبيعة برامجهم في تحقيق المصلحة العليا للأمة؟ أم من طبيعة اللعب القائم على التوازنات الداخلية و الخارجية؟ ثم أوجه سؤالي مباشرة إلى القوى الدولية صاحبة المصلحة الحيوية والمباشرة في بلدنا والاتحاد الأوربي خاصة ما حقيقة نواياكم وتوجهاتكم إزاء الداخل اليمني على خلفية استمرار تنامي حالة الفرز المتواصلة في الصفوف الداخلية وانعكاساتها على استقرار وأمن الوطن من عدمه؟ بمعنى آخر ماذا تريدون وإلى ماذا تطمحون؟ أأنتم مع حل فوري يستوعب مجمل المتغيرات والتحديات الحالية والقادمة ، ويفضي في نهاية المطاف إلى تحقيق الأمن والاستقرار للوطن ضمن ثوابته الوطنية والقومية، ويتوج بالإعلان عن قيام دولة النظام والقانون المنشودة التي بالطبع ستكفل إعادة رسم المعالم الرئيسة للبيت الداخلي اليمني على قاعدة المصلحة العليا ؟ أم أنكم مازلتم تبحثون عن حلول جزئية مؤقتة ضمن لعبة التنافس الدولي المقيتة التي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع ؟ لننتظر معا ما ستأتي به الأيام القلائل من إجابات وافية. والله من وراء القصد.[c1]باحث في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية [email protected]