الفوانيس المصرية تتحدى الصيني
تقرير/ دعاء خليفة :حين تدخل أحد المحال التجارية, طالبا فانوس رمضان في محاولة لاستحضار جو البهجة والسحر الخاص بشهر الهدي والغفران, تجد أمامك عروسة, فرخة تتحرك وتبيض, جمل, حمارا أو حيوانا ذا ملامح مختلطة من الصعب تمييز إذا ما كان جملا أم بقرة أو توك توك يسير ويغني, وجميعها يغني رمضان جانا أو حلو يا حلو.أشكال متعددة وألوان جذابة من ألعاب الأطفال تغني ترقص ويطلق عليها فوانيس.أما إذا رفضت وقررت البحث عن فانوس الزمن الجميل, بشكله التقليدي وصناعته المعدنية, فستجده يقف في السيدة, الحسين أو تحت الربع يعلن بتصميماته وألوانه المتعددة عن مهارة صانع مصري مازالت قدراته الإبداعية صامدة.أنواع وأحجام متعددة من الفوانيس التقليدية التي تحمل عنق الماضي وروحه وصورة قاهرة المعز في زمن قد ولي, تقف متحدية علي نفس الفرش, الأنواع الحديثة من الفوانيس المصنعة في الصين, والتي لاغني عنها- كما يقول البائعون لراغبي التغيير والباحثين عن الأرخص سعرا وأكثر خفة وجذبا لأطفالهم.وتقف علياء ذات الثماني سنوات والتي تنتمي لجيل طال التغيير فيه كثيرا من مناحي حياته الاقتصادية والاجتماعية, حتى مظاهر وطقوس الاحتفال بشهر الغفران, تختار فانوسها من الألعاب الصينية مؤكدة أن الفانوس هو ما يتحرك ويردد أغاني رمضان الآخر فهو صامت.وكما تقول هناء موظفة وأم لطفلين, هو ده الفانوس الذي يميزنا عن الدول العربية الأخرى, أما هذه الفوانيس الأخرى التي ترقص وتغني فهي ألعاب أطفال يمكن أن يقتنوها في أي وقت آخر. ورغم منافسة الفانوس المصري بتجدد تصميماته وتنوع أشكاله هذا العام, إلا أن الصيني بحركته وأغانيه وتعدد شخصياته يفرض نفسه بقوة علي السوق الشرائية. وينافس مستلزمات المدارس في ميزانية الأسرة المصرية.والسؤال الذي يطرحه أحمد يحيي عبد الحميد, أستاذ الاجتماع السياسي كيف يمكن أن نواجه تشويه التراث بطريقة لاعلاقة لها بتاريخنا عن طريق صناعة مستوردة.وكيف يمكن أن نعيد القيمة الثقافية لتراثنا الرمضاني في الوقت الذي نعاني فيه من أزمة بطالة وأزمة توظيف.ويوجه رجال الأعمال والمستثمرين لإعادة اكتشاف التراث وتطويره وفق متطلبات أذواق الأطفال واحتياجاتهم.بمعني أن نقرأ احتياجات الطفل, ونطور الفانوس مع الاحتفاظ بملامحه الأساسية, المستقاة من التراث.وهو ما يؤكده محمود, بائع فوانيس في السيدة زينب, منذ أكثر من ثلاثة عشر عاما.المستوردون هم من يطلبون هذه النماذج الحديثة من الفوانيس, بمواد خام أرخص وأبسط ليستطيعوا ترويجها ببساطة في السوق المصرية, والصينيون مهرة يريدون السيطرة علي السوق والمكسب.أما د. عبد الحميد حواس, مستشار أبحاث الثقافة الشعبية, فهو يري الموضوع من زاوية مختلفة.ففكرة الفانوس تعود الي نقص الإضاءة في الشوارع واستخدامه في الخروج والسهر أما عن معناه الرمزي فهو مرتبط بفكرة الهدي والبصيرة في الشهر الكريم.ولكنه- كما يقول- ليس فرضا من فرائض شهر رمضان.وربطه بالقومية والهوية هو أمر مبالغ فيه. وكونه ظاهرة ثقافية ترتبط بالشهر الكريم يجعلها متغيرة بتغير الأزمان. ويتساءل: فلماذا نقبل التغيير في كثير من مناحي حياتنا الاجتماعية والاقتصادية ونرفض تطور الفانوس.ولكنه يضيف أن كون الأذواق أصبحت رديئة وابتعدت كثيرا عن روح الفانوس فالأمر متعلق بمواصفات مستوردين, يسيطرون علي السوق. هو فانوس منتج وفق مواصفات مستورد مصري لكنه صنع في الصين. فالمتحكمون في السوق يريدون تلبية رغبة الأجيال الجديدة في التغيير ولكن بشكل غير صحيح, وفيه تشويه للذوق وللمعني أحيانا.فإذا كان الفانوس التقليدي يمكن أن يجرح أو يؤذي الطفل إذا كان مستخدما فيه الشمعة التقليدية, فيمكن تطويره وتعديله ولكن بمواصفات وذوق راق.