أضواء
عبدالله الجسمي ظاهرة التعصب والتمييز الفئوي لا تزال حتى يومنا هذا تتحكم في العملية الديمقراطية المحلية، خصوصاً في الفترة التي بدأت مع تقسيم الدوائر السابقة الـ25 الذي استمر قرابة ربع قرن ورسخ هذه المفاهيم في العملية السياسية. فالتعصب الطائفي والقبلي والعائلي كظواهر اجتماعية انعكست على مظاهر عدة في المجتمع وأصبحت أساساً للنظر للعديد من الأمور وطريقة للتعامل بين الناس واتخاذ المواقف من القضايا المطروحة. ولا شك بأن هذه الظاهرة تتعارض تماماً مع الديمقراطية سواء كطرح فكري أو ممارسة بل هي أداة لتشويه الديمقراطية وهدم للأسس التي تقوم عليها وتعطيل لمؤسساتها وأدواتها البرلمانية في التشريع والرقابة. فلا نستغرب من سوء أداء البرلمانات المتتالية منذ أن بدأت هذه الظاهرة في التفشي بين الناخبين لكونها لا تصلح كمعيار لاختيار المرشحين. وسيتم تسليط الضوء هنا على الكيفية التي تتعارض بها الديمقراطية مع التعصب. التعصب في مجتمعنا يعد ظاهرة ثقافية لا فكرية. صحيح بأنه طريقة من التفكير، لكنه لا يقوم على أسس فكرية ذات طابع أيديولوجي أو فلسفي بل هو مظهر من مظاهر الثقافة الجماعية التي تلتقي من خلالها مجاميع مختلفة من الشرائح الاجتماعية ترى نفسها ككتلة واحدة من ناحية القيم والممارسة ومنغلقة ضمن إطار القبلية أو العائلة أو الطائفة بحيث يذوب كيان الفرد ضمن إطار المجموع بطريقة يستلب فيها ويفقد استقلاليته في التفكير ويرى ذاته ومصالحه ضمن الفئة التي ينتمي لها. ناهيك بالطبع عن إلغاء العقل ومحاصرته بمجموعة من الأفكار اليقينية التي لا تقبل الجدل. في المقابل فإن الديمقراطية تقوم على أسس فكرية في الاختلاف والتعددية الفكرية لا على أسس عرقية أو قبلية أو طائفية. وميزة الفكر بأنه قابل للتطور والنقد وهناك أدوات وأساليب تستخدم في تحليله ونقده كما أنه يعكس مراحل تاريخية تسود فيها أنماط فكرية معينه وتنحسر أخرى كما تخلق حالة من التعايش بين مختلف التوجهات الفكرية فيها وتقبل بوجود الآخرين واحترام أفكارهم. لكن مظاهر التعصب السابقة الذكر ثابتة وغير قابلة للنقد أو التحليل ولا مجال فيها للنقاش أو قبول الآخر. كما أن مفاهيم العصبية بشتى أشكالها غير قابلة للتطوير. فأنماط التعصب السابقة ظلت تتوارث عبر القرون دون تغير أو تجديد وقد أعاقت هذه المسألة تطور المجتمعات العربية والإسلامية ككل وذلك لكونها تتعارض مع طابع المجتمعات المدنية ومظاهرها الحضارية والثقافية المختلفة. وبتطبيق ذلك على الانتخابات سنجد أن التعصب يتعارض مع طبيعة الخيار الانتخابي الحر للفرد لأن الفرد يندمج مع المجموع فيخسر استقلاليته، والفردية والاستقلالية مسألة هامة في المجتمع المدني. فالثقافة المدنية الحديثة والمعاصرة قامت على حرية الفرد واستقلالية قراراته وخياراته وفي حال غياب ذلك سيخضع الفرد لسلطة المجموع التي ستهمش رأيه وتسلب استقلاليته من ثم تهمش فرديته. وإذا نظرنا لطابع الأفكار التي يتم التعصب لها سنجد أنها أفكار ذاتية ووجدانية لا صلة لها بالواقع المادي وتغييره. وهي في أحسن الأحوال تعبير عن ثقافة سائدة لا فكر. فكون الإنسان ينتمي إلى قبيلة أو طائفة أو عائلة أو عرق فان ذلك لن يفد في مواجهة المشكلات أو الأزمات في المجتمع. فهناك أزمات يواجهها المواطنون تمسهم جميعاً أو شرائح كبيرة منهم، فمثلاً عندما غزا صدام الكويت لم يفيد المواطن أي شيء من الأمور السابقة أي أن الانتماء إلى العرق أو القبيلة أو الطائفة لم يحرر الكويت وينه تلك الأزمة بل في بعض الأحيان كان عامل تفرقة بين المواطنين. وبالنسبة للمشكلات التي يواجهها معظم المواطنين فانتماء المرء إلى فئة أو شريحة اجتماعية لا يعفيه منها أو يتغلب عليها بناء على انتمائه القبلي أو الطائفي. فارتفاع الأسعار حالياً طال الجميع وغلاء المساكن وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها تمس جميع المواطنين بغض النظر عن انتمائهم المذهبي أو الاجتماعي. كما أن مواجهة تلك المشكلات وحلها يأتي عبر إصدار قرارات واستخدام وسائل تقنية ومن أشخاص متخصصين ومهنيين لا علاقة لانتماءاتهم الاجتماعية بعملهم والنتائج التي يصلون إليها. ومن بين النتائج التي تأتي من قيام الناخبين بالاعتماد على المعايير الطائفية والقبلية والعائلية كأساس لاختيار المرشحين أن تساهم هذه المسألة في إبعاد الناس عن قضاياهم الأساسية وعدم الالتفات لما يمس حياتهم اليومية من مشكلات فعلية. فالتعصب لأي شريحة ينتج عنه هيمنة العصبية على عقلية المواطن واللجوء لاختيار أفراد ينتمون إلى فئة اجتماعية معينة من دون النظر إلى أية قضايا أخرى. وقد ساهم ذلك في وصول مرشحين غير أكفاء للعمل البرلماني وشوهوا صورة الديمقراطية والعمل النيابي. وخلاصة القول إن العصبية أو التعصب لو كان يجدي لأخذ به غيرنا ولأفادنا نحن. فالسبب الجوهري الذي يقف عقبة أمام التطور ليس الشعب الكويتي فقط بل الشعوب العربية والشعوب الإسلامية لديها ظاهرة التعصب المستمر من عدة قرون والتي أدت إلى مظاهر من التفرقة والتطرف وأدت للقيام بأعمال عنف كانت نتائجها سلبية بكل المقاييس، وهي تتعارض تماماً مع المدنية والتحضر وواقع المجتمعات الحديثة فإذا استمرت هذه الأمور كمعايير لاختيار الناخبين لمرشحيهم فلن تستقيم أوضاع البرلمان وسيتكرر ما حدث بعد كل انتخابات. [c1]* عن / صحيفة ( أوان) الكويتية [/c]