محمد زكرياعدن تلك المدينة الساحرة التي تأسر القلوب بجمالها الخلاب الراقدة منذ الأزل على شاطئ البحر ، كتب عنها الكثير من المؤرخين القدامى ، والمحدثين , والباحثين الحاليين في تاريخها السياسي الذي حفل بالأمور العظام ، والأحداث الجسام , ولكن تاريخها الاجتماعي المتمثل بالحياة الثقافية , والفنية , وإيقاع نبض حياة الناس مازال يتلفع بالغموض أو بمعنى آخر لم يكشف النقاب عن تاريخها الاجتماعي بصورة مسهبة ومستفيضة وعميقة . ولكن هناك كتاب استطاع أن يسلط الأضواء الكاشفة والقوية على حياة عدن في فترة الأربعينيات والخمسينيات , ويعد في - رأينا - من المراجع الرئيسة للباحثين في كتابة تاريخ عدن الاجتماعي والذي يعد حلقة مفقودة من حلقات تاريخها الطويل , وهو كتاب بعنوان : ((الفنان الرائد خليل محمد خليل )) لمؤلفه المبدع الفنان التشكيلي خالد صوري الذي رسم لنا لوحة غاية في الإبداع والجمال عن الحياة الاجتماعية في تلك المدينة الحالمة وذلك من خلال سيرة الفنان الكبير خليل محمد خليل الذي كان ومازال أحد رواد الفن في عدن بصفة خاصة واليمن بصفة عامة .[c1]تاريخ عدن الاجتماعي[/c]حقيقة أن الكتاب الذي يحمل عنوان (( الفنان الرائد خليل محمد خليل )) يروي قصة ذلك الفنان الكبير الذي وهب نفسه للفن وعاش من أجله ، وتمكن بموهبته وإيمانه العميق برسالة الفن الحقيقية أن يجعله معنى وهدف كبيرين في حياة الناس على تباين مشاربهم الاجتماعية ، وتنوع حظوظهم الثقافية ، واختلاف أعمارهم , وفي نفس الوقت أبرز الكثير من الجوانب الاجتماعية أو بمعنى آخر أظهر العادات والتقاليد الاجتماعية التي كانت سائد في عدن ثغر اليمن وعلى وجه التحديد في فترة الأربعينيات والخمسينيات فعلى سبيل المثال يسرد في صفحات الكتاب مجالس القات وما كان يدور فيها من مناقشات وحوارات حول الأغنية ، وكلماتها ، ولحنها. وتطرق أيضاً إلى شركات الأسطوانات المصنوعة بالشمع مثل شركة التاج ،و (( عزعزي فون )) وغيرهما من شركات الأسطوانات التي ظهرت على ساحة الفن في عدن. وهذا دليل بأن عدن كانت منذ زمن ليس بقصير متفتحة على التقنيات الخاصة بتسجيل الأغاني أو بمعنى آخر كانت تطل على نافذة الحياة الحديثة والعصرية . ويستعرض الكتاب كذلك دور السينما في عدن , وكيف كان الرواد يمضغون القات ، ويدخنون النارجيلة فيها أثناء عرض الفيلم بهدف جذبهم إليها .[c1]الجمعيات الفنية المختلفة[/c]وتناول أيضاً الكتاب مسألة تعد في - رأينا - من المسائل الهامة وهي مسألة ظهور أندية فنية طفت على سطح حياة عدن الفنية في بداية الأربعينيات، والخمسينيات وهي ( ندوة الموسيقى العدنية) تأسست في أواخر سنة 1948م ، ( رابطة الموسيقى العدنية ) سنة 1951م ، ( رابطة الموسيقى لشباب التواهي ) ويبدو أنها ظهرت في منتصف الخمسينيات , وإلى جانب ذلك شُكلت في سنة 1956م ( جمعية مؤلفي الأغاني ) . كل تلك المسائل الذي عرضها الكتاب وغيرها من المسائل الفنية تعد من صميم تاريخ عدن الاجتماعي. والحق يقال ، أن الكتاب لا يتكلم في تاريخ الموسيقى والغناء في عدن فحسب بل يتكلم بعمق في تاريخ الثقافة والذي هو جزء لا يتجزأ من نسيج التاريخ الاجتماعي والذي أهمله ــ مع الأسف الشديد - المؤرخون المحدثون والباحثون الحاليون , وما أحوجنا مثل ذلك الكتاب القيم الذي بذل فيه الفنان التشكيلي المبدع الأستاذ القدير خالد صوري الجهود الجهيدة في تأليفه . والحق يقال ، لقد كان قلمه أشبه بريشة فنان مبدع مُلهم غرسها في خوالج نفسه ، فكان ذلك الكتاب الرائع أو إن شئت فقل ذلك النغم الجميل الذي جسد وجسم مشاهد وصور تاريخ عدن الاجتماعي في مطلع التاريخ المعاصر فترة الأربعينيات , والخمسينيات .[c1]لحج بوابة عدن[/c]ويلفت نظرنا أن المؤلف في الكثير من الأحيان يربط بين نشاط عدن الفني أو الثقافي بنشاط لحج. وهذا الربط بين عدن ولحج له جذور تاريخية عميقة تمتد أصولها إلى سلاطين العبادلة في لحج الذين كانوا يحكمون عدن والتي كانت الأخيرة جزءاً من سلطنة العبادل قبيل الاحتلال الإنجليزي لعدن سنة 1839م . ومن يطلع على كتاب توم هيكن بوتم بعنوان ( عدن ) Tom Hickinbotham ... ( Aden ) سيجد العلاقة الوثيقة بين لحج عدن على مختلف الأصعدة السياسية ، والاقتصادية،والاجتماعية, وعندما كان الاستقرار والهدوء يسودان لحج كان ذلك ينعكس على عدن أيضاً إبان حكم سلاطين العبادل لها وذلك قبيل الاحتلال الإنجليز لعدن - كما قلنا سابقاً - . وهذا كتاب الباحث الكبير الأستاذ حسن صالح شهاب الذي حمل عنوان (( العبادل سلاطين لحج وعدن)) والذي غطى فيها مساحة زمنية تصل إلى أكثر من مائتي عام ( 1732 - 1959م ) فقد أظهر الكتاب أن الأحداث السياسية كانت مرتبطة ارتباطاً شائجًا وقويًا بين لحج وعدن على مستوى الصعيد السياسي والمادي , وكان من الطبيعي أن يسري ذلك الارتباط الوثيق على الحياة الثقافية والإبداعية والفنية المختلفة والمتنوعة بين لحج وعدن. ولقد ذكرت أحدى الباحثات السعوديات في تاريخ سلاطين لحج وعدن ، أن لحج كانت قبل الاحتلال الإنجليزي بوابة عدن . وهذا كتاب ((هدية الزمن في أخبار مُلوك لحج وعدن )) للأمير أحمد فضل العبدلي المعروف بــ ( القمندان ) المتوفى سنة ( 1943م ) تحتوي صفحاته تاريخ العلاقة بين سلطنة لحج وعدن والتي كانت تعتبر لحج بوابة عدن - كما سبق وأن أشرنا - .[c1]عدن و الحياة الصوفية[/c]وتتطرق خالد صوري في صفحات الكتاب في سيرة والد خليل محمد خليل بأن جده أحمد خليل مارده القادم من مدينة السويس المصرية المطلة على البحر الأحمر ، كان ناخوذة على أحدى السفن المصرية التي كانت تحمل السلع والبضائع من السويس إلى عدن والعكس , وفي أحدى الرحلات تعطلت سفينته ، فقرر البقاء في عدن , وأن يتزوج من أحدى الأسر فيها وهي أسرة بنت السمان . ويبدو أن الناخوذة أحمد خليل مارده ( القبطان) وجد أن الحياة التجارية في عدن مزدهرة ، فقرر الاستقرار فيها , وأشار خالد صوري أن جد الفنان خليل محمد خليل كان من أتباع الطريقة الصوفية وهي الرفاعية . ويبدو أن الطرق الصوفية في عدن في بداية التاريخ المعاصر كانت منتشرة على نطاق واسع بين الناس حينذاك. وهذا ما أكده الأستاذ خالد صوفي ، إذ يقول : “كان الناخوذة الحاج أحمد خليل رماده معروفاً في عدن بالشهامة ، والكرم ، وكان أيضاً رجلاً متديناً إلى أبعد حد يؤمن إيماناً راسخاً بالأولياء وكثيراً ما كان يحضر حلقات الذكر , والموالد الدينية . وقد جلب معه في إحدى رحلاته إلى عدن من الخارج صاريًا من الخشب الثمين لوضعه في زاوية الولي المعروف بالرفاعي في حارة حسين وذلك تبركاً بالمقام ، وصاحب المقام ، كما جلب معه أيضاً بعض القناديل لإنارة المقام ... “ .[c1]من حياتنا الثقافية[/c]وفي موضع آخر ، يقول صاحب كتاب ( الفنان الرائد خليل محمد خليل ) عن الصوفية وأهميتها في حياة والد الفنان خليل محمد خليل أو بمعنى آخر قدسية الصوفية في نفوس الناس على تباين مشاربهم الاجتماعية . فقد حدث للفنان خليل محمد خليل حادث سيارة , وبعد فترة من الوقت شفاه الله , فقرر والده خليل محمد أحمد أن يقيم له مولدًا وذلك بحضور الطرق الصوفية المختلفة . وفي هذا الصدد ، يقول خالد صوري : “ ... وعندما شفي ( خليل محمد خليل ) تمامًا أقام الحاج محمد أحمد خليل مولدًا ( حضرة ) حضرتها كل الطرق , والفرق الصوفية في عدن، وذلك إيفاء منه بنذر قطعه على نفسه ، وقد شارك خليل بنفسه في إلقاء بعض التواشيح والأناشيد الدينية “ . والحقيقة أن الصوفية التي كانت في يوم من الأيام ملء السمع والبصر والفؤاد في مدينة عدن مازال تاريخها يلفه الكثير من سحب الغموض الكثيفة والذي نأمل أن يبدده المؤرخون المحدثون والباحثون الحاليون, وتعتبر الصوفية وطرقها ، وتقاليدها وعاداتها جانباً من جوانب تاريخ عدن الاجتماعي . وكما قلنا سابقاً ، أن الكتاب لا يخوض في سيرة الفنان الشامخ خليل محمد خليل رائد الأغنية في عدن فحسب بل يلقي الأضواء التاريخية على حياة عدن الاجتماعية فالصوفية تعتبر جانباً هاماً من حياتنا الثقافية المرتبطة بالجانب الاجتماعي .[c1]السينما في لحج وعدن[/c]ويبدو أن لحج وعدن كانتا متطورين عن بقية المناطق الأخرى الداخلية ، فقد دخلت فيهما السينما في وقت مبكر ومن المحتمل أن تكون في أواخر الأربعينيات , وبداية الخمسينيات ، فقد كان والد الفنان خليل محمد خليل يمتلك “ دار للسينما في لحج “ ولكن لا نعرف علم اليقين متى ظهرت السينما في لحج ؟ وما هي أهم الأفلام وأشهرها التي عرضت في تلك الدار؟ وأين كان موقعها على وجه التحديد في الحوطة؟. وهل كانت تلك الدار مبنى خاص بها ولها نفس المواصفات الفنية المتعارف عليها في دور العروض السينمائية؟ وهل كانت سينما مفتوحة للناس ؟ . وما أسعار الدخول؟ .[c1]رائد الأغنية في عدن[/c]وفي موضع آخر يوضح الأستاذ الفنان خالد صوري أن من العوامل التي أثرت في تكوّين ملامح شخصية الفنان الكبير خليل محمد خليل هي الأفلام المصرية وأيضاً الأفلام الهندية وذلك من خلال ما كان يشاهده في دور العروض السينمائية في عدن. ومن أهم الأفلام المصرية التي أثارت شجونه، وأصبح أسيرها وهي فيلم(الوردة البيضاء) لمحمد عبد الوهاب ، وأيضاً فيلم (أنشودة الفؤاد) . والحقيقة أن تلك الفترة (الأربعينيات، والخمسينيات ) كانت فترة الأفلام الرومانسية التي كانت تسبح في جو الحب , والخيال ، والحرمان ، وهجر الحبيب , ولوعة الفراق وما شابه ذلك , وكان من الطبيعي أن تؤثر تلك الأفلام المليئة بالعاطفة الجياشة - على الأغاني الذي غناها خليل محمد خليل ومنها على سبيل المثال أغنية بعنوان ( يا حياتي ) كلمات الشاعر الكبير محمد عبده غانم , وكانت تلك الأغنية باكورة أعماله الفنية ، غناها في سنة 1948م ، ضمن نشاطات ( ندوة الموسيقى العدنية ) والذي سنتحدث عنها بعد قليل بالتفصيل . ولكن هناك ملاحظة هو أن الأستاذ خالد صوري ذكر أن سبب ظهور الفنان الكبير الشامخ خليل محمد خليل وعدد من زملائه الفنانين الكبار في تلك الفترة التاريخية كان بسبب الهجمة الشرسة من قبل التيارات الثقافية غير اليمنية . والحقيقة أنه مع تقديرنا الكبير لرأي أستاذنا المبدع خالد صوري ، نجد أنه حمل الأشياء أكثر مما تحمل ، فلم يكن فناننا خليل محمد خليل وبعض رواد الفن في عصره لديهم هدف هو الوقوف ضد التيارات الفنية غير اليمنية كالأفلام الهندية المتخمة بالأغاني والألحان ، وكل ما في الأمر ، هو أن فناننا خليل محمد خليل وزملاءه وجدوا في أنفسهم القدرة على إيجاد أغاني تكون شبيهة بالأغاني المصرية والهندية ، فعملوا على تقاليدها فعلى سبيل المثال أغنية بعنوان ( حرام عليك تقفل الشباك ) تأليف الأديب والشاعر محمد عبده غانم , ويلفت نظرنا كلمة (( الشباك )) وهي لهجة مصرية صرفة , وأغنية ( الوردة الحمرا ) كلمات الأستاذ مصري أفندي ، وتلحين خليل محمد خليل وهي على وزرن الوردة البيضاء . فيبدو أن أستاذنا القدير والمبدع خالد صوري كتب ذلك الرأي بعد أن رحلت بريطانيا وملاحقاته من النفوذ الهندي ، فطرح ذلك الرأي . وأنه من الخطأ الجسيم أن نفسر ونشرح أحداث الماضي بأفكار الحاضر. ومهما يكن من الأمر ، فإن أستاذنا خالد صوري رسم بريشته الأنيقة الرقيقة لوحة غاية في الصدق والجمال عن الحياة الفنية والتي تدخل ضمن تاريخ عدن الاجتماعي .[c1]الوردة البيضاء[/c]وهنا نورد ما ذكره خالد صوري في أثر الأفلام المصرية والهندية على شخصية خليل محمد خليل الفنية ، فيقول :“... أن الأفلام المصرية والأفلام الهندية التي كانت تعرض في دور السينما في ذلك الوقت كانت مصدر الطرب الوحيد لمختلف جماهير الشعب ، والتردد على دور السينما ومحاولة تقليد الأغاني الهندية والمصرية كانت متعة لا تعادلها متعة .. ويذكر خليل أن فيلم ( الوردة البيضاء ) لعبد الوهاب قد أثر فيه كثيرًا ... وعبد الوهاب بصوته الرخيم العذب ، كان فنان العصر بدون منازع إلى جانب أصوات المطربات اللواتي كن يلعبن أدوار البطولة أمامه أمثال ليلى مُراد ، ونادرة ، ونجاة علي، ورجاء عبده .. كل هذا كان يضفي على جو الفيلم سحرًا أخاذا وجاذبية لا تقاوم “ .[c1]أنشودة الفؤاد[/c]ومن الأفلام المصرية التي كان لها وقع في نفس الشاب محمد خليل محمد ، فيلم يحمل عنوان (( أنشودة الفؤاد )) للمطربة نادرة التي كانت في ذلك الوقت أعجوبة فنية نادرة الوجود حيث كان صوتها أشبه بصوت الملائكة , وفي هذا الصدد ، يقول خالد صوري:“ والحدث الكبير بالنسبة لخليل كفنان كان فيلم ( أنشودة الفؤاد ) من بطولة المطربة نادرة ، وكانت المطربة نادرة من الأصوات النادرة في ذلك الوقت . وقد ظهرت في هذا الفيلم وهي تغني أحد الأدوار بعد موال حزين .. بمصاحبة التخت المكون من القانون ، والكمان ، والإيقاع،والدف ، وكانت هي التي تقوم بالعزف على العود وتغني بصوتها العذب الملائكي “.ويمضي في حديثه قائلاً: “وتسمر خليل على مقعده في دار السينما .. وأنصت مبهورًا معجبًا بهذا الصوت ، وهذا العزف ... هذه كانت لحظات حاسمة في حياته، فقرر أن يتعلم العزف أو بالتالي أن يكون جادًا وصادقاً في اتخاذ الفن كهواية “ .[c1]مع الأفلام الهندية[/c]وحول أثر الأفلام الهندية في شخصية خليل محمد خليل الفنية ، يقول خالد صوري:“ الأفلام الهندية أيضاً كان لها تأثير على شخصيته وفنه ويذكر خليل من المطربات الهنديات خورشيد ، وسيتاديفي ،وسر ندرا، وسايجل وغيرهن كثيرات. كان لا يفوته أي فيلم جديد في ذلك الوقت , والفضل في هذه الثقافة السينمائية كانت ترجع لأخويه أحمد ، وطه خليل ... “ . ومن الأشياء الذي يذكرها خليل في دور العرض حينئذ هو أن أصحاب دور العرض ، كانوا يسمحون للمشاهدين أن يمضغوا القات ، ويدخنون النارجيلة فيها , وفي هذا الصدد ، يقول خالد صوري : “ ويذكر خليل أن الناس كانوا يخزنون القات ، ويدخنون النارجيلة داخل دور العرض ، وكان أصحاب دور العرض يسمحون بهذا حتى يشجعوا الناس على ارتياد دور العرض وبالتالي يزداد دخلهم ... “ .[c1]من أسرة فنية[/c]يقال أن الإنسان ابن بيئته ، والحقيقة أن تلك المقولة تنطبق على الفنان خليل محمد خليل الذي ولدى وتربى على حجر أسرة فنية فتشرّب من روحها مبادئ الفن الأصيل , فقد كان والده محمد خليل فنان في طبعه وأصل .فقد كان يحب الفن حبًا جمًا , ولقد ذكرنا أنه كان لديه سينما في لحج،وإلى جانب ذلك كان عازفاً ماهرًا على العود الصنعاني ، وكان يردد بعض الأغاني الصنعانية “ ثم الأخ الأكبر أحمد محمد خليل وهو فنان عريق له تاريخ حافل في الموسيقى والألحان , فقد كان صاحب تخت خاص به وأكثر عزفه على العود من الألحان الخليجية ،والصنعانية , المصرية ، والهندية“. وأما “ الأخ الثاني لخليل هو الفنان طه محمد خليل كان هو أيضاً عازفاً بارعاً ومغنياً مشهورًا في ذلك الوقت ... “ ثم يأتي الأخ الثالث وهو عبد القوي محمد خليل الذي كان هو أيضاً عازفاً جيدًا على العود إلاّ أنه كان كوالده يعزف على الأغاني والألحان الصنعانية فقط “ .[c1]حفلات الزواج ( المخادر )[/c]ومن المؤثرات الفنية التي أثرت في حياة الفنان خليل محمد خليل الفنية المبكرة هي حفلات الزواج الذي كان يغني في بعضها أشهر المطربين في ذلك الوقت . وكانت المخادر(حفلات الزواج) تمتلئ عن آخرها،عندما يترامى إلى مسامع الناس أن هناك فناناً كبيراً ومشهوراً سيغني في ذلك الحفل أو المخدرة , ويذكر خالد صوري عددًا من المغنيين الكبار المشهورين حينئذ الذين كان يحيون بعض حفلات الزواج كالفنان الشيخ علي أبو بكر ، ومحمد عبد الرحمن مكاوي ، وأخوه عبد المجيد مكاوي ، وأولاد السيد علي ، وأولاد الجراش . والحقيقة أن الأستاذ خالد صوري يرسم لنا الجو أو الأجواء الفنية التي سادت حياة عدن الاجتماعية , وكيف كان أهل عدن يهتمون بالغناء العذب ، واللحن الشجي , ويبذلون الغالي من أجل الاستماع إلى هذا المطرب أو ذاك . وفي هذا الصدد ، يقول ، خالد صوري :“ ... إذا سمع أحد من الناس مثلاً أن الشيخ علي أبو بكر سوف يغني في فرح فلان سارع إلى حضور الحقل وتقديم النقوط للعريس ، واتخاذ مكانه في أقرب مكان من مجلس الشيخ علي أبو بكر حتى يتسنى له سماع الشيخ علي ، فنانه المفضل ... . ويضيف ، قائلاً :“ مع العلم أن هذا الشخص قد لا يكون مدعوًا رسمياً لحضور هذا الحفل ... ولكن الإعجاب بالفنان تهون من أجله كل الصعاب ... وتتحطم أمامه كل التقاليد والأعراف “ .[c1]شركات الأسطوانات[/c]ويكشف لنا الأستاذ خالد صوري في أثناء الحديث عن سيرة الفنان خليل محمد خليل أداة من الأدوات الفنية التي كانت لها تأثيرًا إيجابيًا في نشر الطرب واللحن بين الناس من ناحية وتشجيع الفنانين على إنتاج فنهم من ناحية أخرى وهي شركات الأسطوانات التي كانت تسجل فيها أغاني المطربين المشهورين والمعروفين في عدن حينئذ . والحقيقة أن ما سجله الأستاذ خالد صوري في كتابه عن شركة الأسطوانات التي ظهرت في أواخر الثلاثينات ، وأوائل الأربعينيات يدخل في إطار تاريخ الأغنية في عدن من ناحية ويعطينا صورة واضحة عن مدى تطور الحياة الفنية والثقافية في تلك المدينة المطلة على البحر العربي ( المحيط الهندي ) والتي كانت في ذلك الوقت لؤلؤة الجزيرة العربية . ونورد ما ذكره خالد صوري حول شركات أسماء الأسطوانات وقتذاك التي سجلت للعديد من المطربين المشهورين - كما أشرنا في السابق - وأعتبرها جزء لا يتجزأ من تاريخ الأغنية في عدن ، فيقول : “ إلا أن هناك ظاهرة لا يمكن أن تفوت كل من يؤرخ للأغنية أو للفن الغنائي في منطقة عدن وهي أن شركات الأسطوانات بدأت نشاطاتها في تسجيل الأغاني السائدة في ذلك الوقت وهي أغان منها الصنعاني , واللحجي , واليافعي ، والبدوي وأخيرًا العدني . وقامت هذه الشركات بتسجيلاتها التجارية في الحرب العالمية الثانية “.[c1]شركة عزعزي فون[/c].. ويمضي في حديثه :وأول هذه الشركات كانت شركة بارلوفون وهي شركة ألمانية .. ثم تلتها شركة أوديون التي كانت قد أنزلت إلى الأسواق أولى تسجيلاتها التجارية عام 1938م ثم شركة مستر حمود المعروفة ب- ( شركة جعفر فون ) التي كانت تقوم بتسجيل أسطواناتها في عدن وتطبعها في بريطانيا , وفي السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية . ظهرت شركة التاج العدني كل هذه الشركات التجارية كانت لها فروع في بعض البلدان العربية كالكويت والبحرين وغيرها “. ويضيف خالد صوري، قائلاً : “ وكل هذه الأسطوانات كانت من النوع (الحجري ) المصنوع من الشمع .. وبهذه المناسبة نذكر أن بعض شركات الأسطوانات قد ظهرت مؤخرًا وهي شركة طه فون ، وعزعزي فون ، أسطوانات الجنوب العربي ، شبيب فون ، ثم أخيرًا كايافون الذي أقتصرت تسجيلاتها على إنتاج ندوة الموسيقى العدنية “ التي سنتحدث عنها بالتفصيل بعد قليل . يورد الأستاذ خالد صوري أسماء الشركات التي تم فيها تسجيل الأغنية وصاحبها ، ونقتطف بعضاً منها - على سبيل المثال - كالتالي :1ــ أغنية منايا من الدنيا ، للفنان يوسف عبدالغني، سجلت على التاج العدني .2ــ أغنية إذا لم يكن ، للفنان حسين عبد الله الصوري ، سجلت على أوديون .3ــ أغنية يا غصن لابس ، للفنان إبراهيم محمد الماس ، سجلت على أوديون “.وهذا دليل واضح على مدى ما وصلت إليه مدينة عدن من مظاهر التقدم والتطور في عالم الموسيقى والغناء .[c1]عدن والموسيقى الخليجية[/c]والجدير بالإشارة أن عدن المدينة كان لها علاقة فنية وثيقة مع دول الخليج العربي وذلك من خلال السفن الشراعية القادمة إليها من الخليج العربي, وعندما ترسو تلك السفينة أو السفن الخليجية في ميناء عدن ، وعندما ينتهي البحارة من عملية البيع والشراء. فكانت تقام على ظهرها العديد من الليالي الساهرة . وهذا ما أكده خالد صوري، إذ يقول : “ وكانت عدن ميناء يقصدها البحارة من جميع الأجناس ومن بينهم البحارة من دول الخليج العربي . فقد كان هؤلاء البحارة يتاجرون بالجرار الخزفية ، والتمر وغيرها من الأشياء . فقد خلقت تلك الزيارات المستمرة لميناء عدن بعض العلاقات بين فناني اليمن وفناني الخليج واشتهرت في تلك الأثناء أغاني مثل ( متى يا كرام الحي عيني تراكمو ) ، ( وقال ابن جعدان ) . وكانت السفن الشراعية الراسية في ميناء المعلا تقيم ليالي ساهرة يحضرها الكثير من المعجبين بفن وألحان مناطق الجزيرة والخليج ، لأن كل سفينة من هذه السفن كانت تؤجر فناناً ضمن طاقم السفن ، وكانت مهمة هذا الفنان هي تسلية طاقم البحارة , والمسافرين في ليالي البحر الطويلة “ .[c1]ندوة الموسيقى العدنية[/c]تعد ندوة الموسيقى العدنية من أهم المحطات في تاريخ الأغنية في عدن وإن لم يكن أهمها على الإطلاق لكونها كانت القاعدة الرئيسة والأساسية والصلبة الذي انطلق منها الكثير من المطربين الناشئين وقتذاك إلى آفاق واسعة في عالم الفن وصاروا بعدها نجومًا فنية متألقة في عدن بصورة خاصة واليمن بصورة عامة .وكيفما كان الأمر ، فقد تأسست ( الندوة الموسيقية العدنية ) في أواخر سنة 1948م . والحقيقة كان الغرض الأساسي من إنشائها هو العمل على تطوير أداء الأغنية في عدن ليلائم إيقاع الحياة العصرية السريعة . وهذا ما أكده الأستاذ خالد صوري ، قائلاً : “ وكان الهدف من الندوة هو السير بالموسيقى في هذه المنطقة( أي مدينة عدن) إلى مستوى مشرف لائق وإيجاد ألحان تتسم بطابع التجديد والابتكار سواء من حيث اللحن أو من حيث الكلمات “ . وفي موضع آخر وفي نفس السياق، يقول خالد صوري : “ نلمس من تصرفات الندوة بأنها لم تكن تطمع بأي ربح مادي من أي نوع كان بل كان هدفها هو نشر الفن بين الجماهير على أوسع نطاق ... واكتشاف المواهب الفنية والأخذ بيدها إلى الطريق الصحيح وذلك لخدمة الفن وليس لغرض آخر سواه ، كما صرح بذلك كبار الفنانين الذين بدأت حياتهم الفنية بدايات متواضعة .. وكان للندوة الفضل الأول في دفعهم إلى الأمام وتشجيعهم إلى بلوغ هدفهم الأسمى وهو توصيل فنهم إلى مختلف قطاعات الشعب “ .[c1]مؤسسو الندوة[/c]ويذكر مؤلف الكتاب الأستاذ خالد صوري أسماء المؤسسين لندوة الموسيقى العدنية والذين كانوا بحق رواد الفن والطرب والموسيقى في عدن المدينة والذين رأوا أنه من الضرورة بمكان أن تكون أغانيهم نابعة من بيئتهم وتراثهم الأصيل ولكن في قالب فني جديد ، ومبتكر يناسب طبيعة الحياة العصرية وإيقاعها السريعة - كما قلنا سابقاً -ـ . وفي هذا الصدد ، يقول : “ فاقترح البعض تكوين تجمع فني حتى يتسنى لهم أن يقدموا بعمل هذا الشيء الخارج عن المألوف الذي كان بدوره تقليدًا لا غير ... فشكلت في الحال ( الندوة الموسيقية العدنية ) من الأخوة خليل محمد خليل، علي سالم علي ، السيد محمد عبده غانم ، وديع سالم حميدان، الشيخ عبد الله حامد خليفة ، ياسين شواله ، عبده أحمد ميسري ، عبد الله بلال ...” . ويضيف خالد صوفي قائلاً : “ وكلف الأستاذ الشاعر محمد عبده غانم بكتابة كلمات الأغاني وخليل محمد خليل بالقيام بتلحينها . وكان من بين هؤلاء الأعضاء عازفون مشهورون مثل عبده ميسري الذي كان من عازفي الكمان في عدن وكذا وديع حميدان ، وياسين شواله كضاربي إيقاع ، والشيخ عبد الله حامد خليفة عازف عود ، ومغني للألحان الصنعانية من الدرجة الأولى ، كما انضم إليها الكثير من العازفين على مختلف الآلات فيما بعد “ .[c1]من أعلام الفن في عدن[/c]ويذكر خالد صوفي في بداية مقدمة كتابه ((الفنان الرائد خليل محمد خليل )) أعلام الموسيقى والغناء في عدن الذين وضعوا بصمات واضحة ومضيئة في تاريخ الأغنية والتي تشهد أعمالهم حتى هذه اللحظة بحيوية أنغامها المتدفقة ، وإيقاع جمالها الآسر ، وهؤلاء الأعلام هم : محمد جمعة خان ، محمد مرشد ناجي ، الشيخ على أبو بكر ، أحمد قاسم ، القُمندان ، محمد سعد عبدالله، يحيى مكي ،وحيدر أغا . والحقيقة أن هؤلاء المبدعين الكبار نحتوا أسمائهم في سجل تاريخ الأغنية في عدن بصورة خاصة والأغنية اليمنية بصورة عامة . ونأمل من الباحثين والمهتمين بتاريخ الغناء والموسيقى في بلادنا دراسة سيرة هؤلاء المبدعين الفنانين دراسة تاريخية تحت مجهر البحث التاريخي بغرض كتابة تاريخ الفن في اليمن في إطار أكاديمي وعلمي سليم والذي يعتبر جزء لا يتجزأ من نسيج تاريخ اليمن الاجتماعي والذي نحن في أمس الحاجة إلى إبرازه إلى حيز الوجود بصورة مشرقة ومشرفة . ونأمل أيضا أن تدرس في معاهدنا الموسيقية ( معهد الفنون الجميلة ) في عدن تاريخ تلك الشخصيات الفنية المحلية الكبيرة ليتعرف الجيل الجديد على الأعمال الجليلة الفنية التي قدموها لبلادهم . ويشير خالد صوري إلى مجمعين فنين آخرين قاما إلى جانب (ندوة الموسيقى العدنية ) التي استمرت زهاء عشر سنوات( 1949 - 1959م ) وهما (( رابطة الموسيقى العدنية )) تأسست سنة 1951م، و (( الرابطة الموسيقية لشباب التواهي )) . وإلى جانب ذلك أنشأت جمعية مؤلفي الأغاني سنة 1956م ، كل تلك الأنشطة والفعاليات تدل على مدى ازدهار الحركة الفنية والثقافية في عدن في تلك الفترة التاريخية .[c1]الفن والصحافة[/c]والحقيقة أن تلك الفترة شهدت أيضاً يقظة ثقافية تتمثل بظهور الصحافة المختلفة والمتنوعة المشارب الثقافية والسياسية والذي كان لها دورًا كبيرًا في نشر الوعي الفني بين الناس سواء كان ذلك من خلال المدح أو القدح لهذه الأغنية أو تلك. ولسنا نبالغ بأن النهضة الفنية التي طفت على سطح عدن في بداية الأربعينات والخمسينيات ، والستينيات صاحبتها أيضاً نهضة في الصحافة. فقد صدرت العديد من الصحف مثل “ فتاة الجزيرة “ سنة 1940م لصاحبها محمد علي لقمان المحامي ، “ النهضة “ لصاحبها عبد الرحمن جرجرة ، “ اليقظة “ سنة 1956م لصاحبها عبد الرحمن جرجرة وغيرهم من الصحف والمجلات والتي كانت لها صدى واسع بين مجتمع عدن .[c1]الأندية والجمعيات الثقافية[/c]وقبلها ظهرت الأندية والجمعيات التي عملت على رفع مستوى الحياة الثقافية في مستعمرة عدن حينذاك على سبيل المثال : نادي الأدب العربي في سنة 1925م مؤسسه الأمير أحمد فضل القمندان ، ومديره محمد علي لقمان . نادي الإصلاح العربي في التواهي مؤسسه محمد عبده غانم سنة 1929م ، نادي الإصلاح العربي في عدن القديمة ( كريتر ) تأسس في سنة 1930م ، مؤسسه محمد علي لقمان ، وفي الشيخ عثمان نادي الإصلاح العربي سنة 1930م ، مؤسسه أحمد سعيد الأصنج ، وفي( كريتر ) عدن تم إنشاء نادي الإصلاح الإسلامي العربي , وفتح له فرع في الشيخ عثمان . وفي سنة 1941م ، ظهر مخيم أبي الطيب. والحقيقة هناك رأي يقول أن ظهور تلك الأندية الثقافية والجمعيات الأدبية كان ظاهرها الثقافة وباطنها السياسًية. وهذا ما أكدت عليه الباحثة شفيقة عبد الله العراسي في كتابها (( السياسة البريطانية في مستعمراتها عدن ومحمياتها 1937- 1945م))، فتقول : “ عملت الأندية والمنتديات الأدبية - في ظاهرها - على نشر الأدب والثقافة العربية، والسعي لحل قضايا اجتماعية ولكنها في الواقع كانت تعالج قضايا سياسية . فقد لعبت دورًا هامًا من خلال برامجها السياسية والثقافية - في يقظة الفكر السياسي العربي في مجتمع عدن، أدى إلى بلورة الوعي الوطني والقومي “. ولافت للنظر ، أن ظهور رواد الفن في عدن صاحب أيضاً بزوغ المنتديات والجمعيات الثقافية والأدبية، والصحافة وخصوصًا في أواخر الثلاثينيات والأربعينيات أي أن الأجواء كانت في عدن مهيأة لحياة جديدة تموج بالحركة والنشاط الثقافي والفني الكبيرين . فمن يرغب بدراسة الحياة الفنية عليه أن يدرس أيضاً ظهور الصحافة والأندية الثقافية والجمعيات الأدبية وبذلك تكتمل عنده أبعاد الحياة الفنية في عدن , والحقيقة أن الحياة الفنية لم تطفو على وجه عدن إلا بعد أن وجدت المناخ الثقافي المزدهر كالأندية والجمعيات الثقافية والأدبية التي ذكرناها قبل قليل وأيضاَ ظهور الصحافة التي كان لها الدور الكبير والفعال في نشر وعي الحياة الثقافية وبالتالي على الحركة الفنية بين الناس ومن ناحية أخرى ومثلما أثرت الأندية والجمعيات الثقافية ، والصحافة في نمو الوعي الفني بين الناس في مدينة عدن ، أثرت أيضاً الإذاعة في انتشار الأغاني والألحان في المدينة انتشار النار في الحطب .[c1]الهوامش : [/c]خالد صوري ؛ الفنان الرائد خليل محمد خليل ، سنة الطباعة 2003م ، دار جامعة عدن للطباعة والنشر - عدن - الجمهورية اليمنية .شفيقة عبد الله العراسي ؛ السياسة البريطانية في مستعمرة عدن ومحمياتها 1937م - 1945 ، الطبعة الأولى 2004م ، دار جامعة عدن للطباعة والنشر-ـ عدن - الجمهورية اليمنية - .د . مسعود عمشوش ؛ في كتابات الرحالة الفرنسيين ، الطبعة الأولى سنة 2003م، دار جامعة عدن للطباعة والنشر - عدن - الجمهورية اليمنية -ـ .
|
تاريخ
عدن .. النغم الجميل
أخبار متعلقة