غضون
نتلقى علوم الدين وشؤونه صغاراً في الأسرة ثم في الكتب المقررة من أول ابتدائي إلى آخر الجامعة، وعبر المسجد والإذاعة والتلفزيون والصحف والكتب العامة، وهناك جامعات وكليات حكومية متخصصة بتعليم الدين وتخريج المعلمين والمرشدين والخطباء، ولوزارة الأوقاف مراكزها الدينية .. المهم مجتمع شبعان دين .. وكله يقطر دين .. حسناً هذا جيد .. ولا توجد مشكلة في التعليم الديني الرسمي إلا في حالات التعليم الخفي أو التأثير الخفي الممثل في معلمين مؤدلجين .. المشكلة تكمن في التعليم الديني غير الرسمي الذي صار له مراكز ومدارس وجامعات خاصة أشبه ما تكون بالمدارس الداخلية التي يعزل فيها اليتامى والعجزة الذين يرغمون على دخولها من أجل رعايتهم وحمايتهم.المشكلة في التعليم الديني الخاص إنه خاص أيضاً من حيث نوعية موضوعه أو محتواه الذي يرتكز على السلفية التي سببت التخلف والتطرف وأنتجت إرهابيين .. كذلك من حيث بيئته، ففي هذه المراكز والجامعات يؤوى المتعلمون ويعيش بعضهم مع أسرهم داخلها .. يعزلون عن المجتمع لحمايتهم من تأثير الآخرين بما في ذلك الآباء والأمهات .. وفي هذه العزلة يعاد تكوينهم النفسي والثقافي والسلوكي وفق أيدلوجية القائمين على هذه المراكز والجامعات، ويشعرون أنهم يجب أن يكونوا مختلفين عن الآخرين وعن المجتمع كله، فإذا خرجوا إلى النور وإلى المجتمع شعروا أن كل ما حولهم غريب، والأسوأ هو أنهم يتربون على أساس أن هذا الغريب أو المختلف أعوج يجب إصلاحه أو كافر يجب مجاهدته بالحكمة والبيان والسيف والسنان كما قال محمد بن عبدالوهاب صاحب المذهب السني الخامس.الحكومة مطالبة باتخاذ قرار شجاع من أجل حماية الأفراد والمجتمع من شرور هذا النوع من التعليم الديني الخاص بإغلاق مراكزه وجامعاته وتحويلها إلى النفع العام خاصة وأن هذه المراكز والجامعات أنشئت من قبل جمعيات نفع عام أو من قبل أشخاص يستقطبون التمويل المحلي والخارجي باسم النفع العام.ونجد أنه من الضروري تطبيق قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية .. فالجمعية الخيرية التي مهمتها القانونية هي الإغاثة يجب أن تحصر وظيفتها في إغاثة المتشرد والمنكوب والمسكين والفقير وأن تسخر مواردها لهذا الغرض .. ومن غير المعقول ولا المقبول أن تبدأ جمعية خيرية ثم يصير لها مسجد خاص ومركز تعليمي وكلية وجامعة .. هذا ليس عملاً خيرياً بل شيء آخر.