لا أعرف إن كان من المناسب أن أسير على خطى زميلنا علي الجرادي.. الذي استقال وقاطع اجتماعات مجلس نقابة الصحافيين.. ولا أعرف إن كان الذين سبقوه إلى الاستقالة من عضوية المجلس استعجلوا أم أدركوا القادم البائس بقرون الاستشعار عن بعد.. ما أعرفه أنني.. كمسؤول للفروع في مجلس النقابة.. أعيش منذ فترة بين برزخ "حيص".. وارتباك "بيص"..هل أسير على منهج المستقيلين.. أم أكون ممن ينتظر فأواصل فلسفة التناحة النقابية؟.في الحالتين أشعر أنني كالأعور الذي ضربوه في العين المصابة فابتسم فرحاً بكون الضربة لم تقع على العين السليمة.. مش مشكلة.. خسرانة.. خسرانة..!!. هناك قولان في الذي يقدم استقالته هذه الأيام من نقابة الصحفيين.القول الأول: هذه مزايدة.. أين أنت من بدري؟.القول الثاني: هذه مناقصة.. وأن تستقيل متأخراً خيرٌ من أن تواصل التناحة حتى الرمق الأخير.. وفي الحالتين فالرأي العام غير ملتزم بقبول أدنى الأسعار.واسمحوا لي هنا أن أقدم الساخن في سياق الحديث عن المطبوخ من أمس..يوم أمس.. كنا ضيوفاً على رئيس الحكومة الدكتور علي محمد مجوّر.. ورغم أنني دخلت الاجتماع، فقط، بكرم ولطف ضابط أمن البوابة.. الذي نظر في وجهي بتمعن وقرر أنه ليس هناك من خطر يمنع لحاقي بزملائي في اجتماعهم برئيس الحكومة.. حتى وقد سقط اسمي "سهواً" من الكشف الذي أرسلته النقابة.* المهم.. فتح الله عليَّ.. ودخلتُ قاعة الاجتماعات الأنيقة.. أخذتُ موقعي على طاولة اجتماعات مجلس الوزراء.. جلستُ على كرسي أحد وزراء اجتماع الثلاثاء. ألقى رئيس الوزراء كلمة فيها خليط من التقدير والطيبة والروح الشفافة لابن البلد.. وطبعاً روح المسئولية.. كيف وليس في البيت إلاّ أهله.. حكومة وأبناء مهنة.وقبل أن يستمع إلى مداخلات نائبه الوزير الدكتور رشاد العليمي.. وزير الداخلية.. ووزير الإعلام الأستاذ حسن اللوزي.. فتح باب الكلام للنقيب والأعضاء.. تكلم النقيب.. وتكلم زملاء آخرون ووجدتني مصاباً بالتلعثم.. أو الخرس في بيت الزوجية. لم أتكلم .. ولم أنطق ببنت شفة.. ربما كسوفاً من حالنا في النقابة.. وربما لأن الذي قلناه قد أعدناه وكُنّا كنقابة على الدوام الضحية والجلاد.. الحبحبة والسكين.. الوجه والملطام.. الموس والدقن.. اتخذتُ القرار الصعب.. السكوت حتى لا يحدث لي ما حدث للممثل يونس شلبي في مدرسة المشاغبين.. والعيال كبرت..تكلمنا عن الحريات وعن المواقع الالكترونية.. وعن خدمة الرسائل وعن الكادر وعن القانون.. وطبعاً عن ميثاق الشرف.. وكما تعرفون "الشرف غالي" ومثل عود الكبريت.. على رأي يوسف وهبي.. الذي كان ينهي عباراته بالكلمة الرهيبة "يا للهول".. وعذراً لزملائي النقيب السابق والنقيب اللاحق.. عذراً للمستقيلين والمتنحين.. وأنا أولهم..يا للهول.. نحن فاشلون مع مرتبة الخيبة.. نرتدي ربطات العنق ونجلس غير مرة لخوض حوار مع رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووزير الإعلام.. ثم نكتشف كم نحن غير أذكياء.. وكم نحن عاطلون بالوراثة.. ليس لدينا ما نناقش فيه إلاّ كلامٌ أكل عليه الدهر وشرب.. هل قلتُ بالكلمة الأخيرة ما يستحق اللوم أو العتاب كصابون للقلوب وشامبو للضمائر؟. نحن على بُعْدِ خطوات من انتهاء فترة عملنا في مجلس النقابة.. ونحن عاجزون عن تقديم مشروع قانون ينظم المهنة ويضيف ما استجد من أمر الصحافة الالكترونية.فلا نحن قدمنا مشروعاً.. ولا نحن طلبنا المشروع الذي قدمته الحكومة وأعلنا النضال السلمي من أجل إزالة ما فيه من معوقات.. "نشتي قانون" وغير جاهزين لكتابة مشروع.. نشكو قانون الحكومة "المشروع" وغير متحمسين للمساهمة في غربلته.. نتباكى على المواقع الالكترونية ونتجاهل أننا لم نحسم موقفنا من عضوية زملائنا العاملين في هذه المواقع.. فقط كلام ووضع للعربة قبل الحصان. وحتى ميثاق الشرف الذي يجب أن يصيغه الصحافيون بأنفسهم ولا يحتاج لأي تنقل بين الحكومة ومجلسي النواب والشورى لا يزال مجرد فكرة معلقة بخيوط أدخنة مقيلٍ على هامش زفاف عريسٍ أو رصيف مجابرة في موت عزيز.أرجو ألاّ يكون السبب ما يطرحه البعض.. وما قيمة ميثاق الشرف إن كان هناك صحفيٌ بدون شرف..؟ وحتى المشروع الذي قدمناه لرئيس الحكومة حول كادر جديد خاص بالصحفيين قام بـ"توضيع" رؤساء مجالس الإدارات ومنحهم صلاحيات تثير حسد وزير الإعلام ورئيس الحكومة نفسه، لكنه لم يناقش في اجتماع لمجلس النقابة.. والنتيجة أنه صار يوزع ألقاب محرر كبير ومحرر نص نص ومحرر صغير خالص.. ونسي أن يضع توصيفاً لموقع رئيس التحرير ومدير التحرير وسكرتير وبقية أعضاء هيئة التحرير .. وإذا لم نستوعب مشروع هذه الوظائف فما الذي استوعبه وهو يوصَّفُ وظيفة كاتب السيناريو في التليفزيون وما إلى ذلك من المواقع التي لا تنطبق عليها شروط العضوية في النقابة أصلاً.ما لنا .. كيف نحكم.. وكيف ندير أمور زملائنا بكل هذا التخبط وكل هذه الرمادية.. مَقَرُّ بائس.. تعيس.. وغالباً مظلم .. وناس تدخل وناس تخرج وناس تعتصم.. لكن فقدان كامل للموضوع وغياب مستمر للفكرة.. لجان النقابة لم تشتغل منذ اجتماع تشكيلها حتى الآن.. وأكذب لو قلت أنني أو غيري من رؤساء اللجان نمتلك في نقابة الصحفيين مكتباً أو كرسياً أو حتى مجرد "درج" في مكتب يسمح بجمع ما بقي من أوراق الكلام المتطاير.. هل في حالنا ما نفاخر به أمام زملائنا أو ننتقد فيه مواقف الأجهزة؟ وحتى عندما حصلنا على توجيه بصرف مجموعة من الأدوات الرياضية الثمينة والمهمة جرى التلاعب.. حتى لا أقول سرقة القليل المودع في المطبخ.. فيما بقيت طاولات التنس والبلياردو ودعائم السلة وشباك الطائرة وأجهزة تخسيس مَنْ يحتاج للتخسيس.. جميعها بقيت لدى التاجر.. "وهو وذمته" كل هذا ونحن نشكو غياب الحريات.. عاجزين عن ترسيخ مفهوم تحررنا من الجهل بحاجتنا للتصالح مع ذواتنا.. مع أدوارنا.. مع ثقة زملائنا.. ثم الاعتراف بأن الانتماء للنقابة حقوق وواجبات.. خدمات اجتماعية وإنسانية وفضاءات حرية.. الانتماء حرية الصحفي وحرية المجتمع.. وصيانة الأعراض.. وقدرة على حشد الرأي العام للالتقاء حول فكرة الوطن في القضايا الكبيرة.. لقد شعرت يوم أمس بالتلعثم.. شعرتُ بالكسوف ونحن نفاوض الحكومة على مكاسب من أرض رخوة.. ومواقف مرتعشة. ومرة أخرى .. عذراً.. نحن فاشلون.. والحكاية ليست في الأستاذ محبوب علي الذي كان يشتغل صباحاً بصوت المعارض ومساءً بكاريزما السلطة.. المسألة ليست أين يقف الأستاذ نصر طه مصطفى.. هل يتأثر بكونه قائداً لإحدى فرق الإنشاد الحكومي.. أم شخصية محبوبة عند السلطة ومحبوبة أكثر عند المعارضة..؟ القضية أكبر من مفردتي "التهجين" أو "التواطؤ" التي يلوكها العاطلون. وعذراً لخروج القطار عن قضبان المهنة .. لكنها فجيعتي بنفسي.. وفجيعتي بزملائي. القضية أكبر وأخطر.. فقد اجتمع قبل أكثر من ثلاثة أعوام أكثر من ألف صحفي.. واختاروا من بينهم ثلاثة عشر عضواً لمجلس النقابة.. رأوا أنهم أصحاب كفاءة ويمثلون مختلف ألوان الطيف المهني وحتى السياسي.. فإذا بهم أمام مجلس غير قادر حتى على إدارة نفسه.. مجلس يعاني من الإعاقة ويستحق أن يفوز بشرف الانضمام إلى ذوي الاحتياجات الصحفية الخاصة.. هل أقول: ولنا عودة..؟ربما.. فما يزال فمي ممتلئاً بالماء.[c1]نقلا عن/ صحيفة (الثورة) [/c]
|
تقارير
"..!!النقابة «عُذْراً».. نحن "فاشلون
أخبار متعلقة