أولاً: تجربة البناء الديمقراطي اليمني لم تتعد العقدين من الزمن وهذا عمر قصير إذا ما قورن بتجارب البناء الديمقراطي في البلدان الأخرى، وفي هذه الفترة الزمنية القصيرة بني الصرح الديمقراطي اليمني وشهد العالم لليمن بتجربة ديمقراطية متنامية تشق طريقها إلى الأمام لتعزيز القيم والمبادئ الديمقراطية في الحياة المجتمعية اليمنية.ولان تجارب البناء لا تقاس على الدوام بطول أو قصر الفترات الزمنية لان ذلك يعود إلى القوى المجتمعية في هذا البلد أو ذاك ومدى حيويتها وقدراتها والإمكانات المتاحة لها ولان البناء عملية معقدة ومركبة لا تحتاج إلى القفز بها إلى آفاق دون النظر الى خصوصياتها وقوانينها ومنطقها الداخلي.لهذا فهي تواجه تحديات داخلية وخارجية، واذا كانت الوحدة قد اقترن تحقيقها بالديمقراطية فإن الاثنتين واجهتا تحديات وأعداء في الداخل والخارج، ومن الصعوبة بمكان تحديد مستوى درجة تطور العملية الديمقراطية في اليمن لأن التجربة جديدة ليست في اليمن بل في المنطقة العربية فيصعب القياس وتحديد المستويات.فالوطن العربي يتجه نحو البناء الديمقراطي، ولكنه في حالة بطيئة ويعود السبب في ذلك إلى ان عمليات الانتقال من نظام الحكم الشمولي الى النظام الديمقراطي دفعة واحدة أمر غير ممكن ولم تقيد أية تجربة عربية صحة ضد هذا الاستنتاج، لازلنا في مراحل التأسيس للبناء الديمقراطي، والشعوب المتطورة التي سبقتنا بعشرات السنين من تجاربها الديمقراطية لازالت تواجه الكثير من التحديات برغم الخبرة والامكانات ومستوى الوعي الرفيع وتجارب العلاقات الاجتماعية المتطورة.إذن العملية الديمقراطية عملية مستمرة ولازالت كثير من مراحل البناء الديمقراطي لم تتحقق، وهذه عملية طبيعية للنمو ولابد من التذكير بأن بقايا المراحل السابقة لازالت تفعل تأثيرها في مراحل البناء الحاضر بصورة سلبية، وتمثل اعاقة للتطور الديمقراطي ولابد من التنبه لهم والمقاومة والحد من تأثيرهم واضعاف عواملهم وتقوية عوامل النهوض بالحاضر والدول التي تسير بخطى حثيثة والى الامام هي تلك الدول التي تفهم وتدرك وتوازن وتتحكم في تلك التأثيرات السلبية.واذا نظرنا الى واقعنا اليمني فاننا نرى عدداً من التحديات التي تواجه العملية الديمقراطية اليمنية وتشكل مصاعب أمام تطور الديمقراطية في اليمن مثل:1ـ تخلف البنية الصناعية والزراعية وضعف نشاط وفعاليات منظمات المجتمع المدني وقلة وجود المؤسسات التأهيلية التدريبية لتنمية القيم الديمقراطية، وهذه إشكالية في البناء الديمقراطي فالتخلف العام سائد وعمليات التطور تواجه صعوبات جمة.2ـ مازالت مؤشرات البطالة في ارتفاع، درجة ومستوى حدة الفقر في تصاعد مستمر وانتشار الأمية وحالة صحية متردية كلها مصاعب تحد من تنامي قيم الديمقراطية وازدهارها.3ـ السيادة التامة للثقافة الذكورية وتسيد الموقف من قبل الرجل وضعف دور المرأة بالرغم من المناخ الديمقراطي المناسب ومازالت مؤشرات مشاركة المرأة في الحياة السياسية قاتمة ووجودها في المؤسسات التمثيلية التشريعية مخز ،وكم من التشريعات والقوانين صدرت لضمان حقوق المرأة لا تجد في الواقع تطبيقاً لها.4ـ انتشار ظاهرة النزعات المناطقية والقروية والقبلية والعشائرية، وهو ما يهدد عملية الانتماء للوطن والدولة وينذر بظهور صراعات واحتراب داخلي يهدد السلم الاجتماعي ويقوي الاعتماد على القبيلة والعرف القبلي بدلاً من الاعتماد على الدولة وسيادة القانون، وعلى المدى البعيد سيشهد المجتمع انقسامات داخلية تهدد كيانه وكيان الدولة على السواء إذا لم تعالج مثل هذه الظواهر سريعاً.5ـ مازال التحالف بين قوى الداخل والخارج لإعاقة المسيرة الديمقراطية في اليمن وظلت التدخلات في الشأن الداخلي من قبل الكثير من الدول سارية المفعول وطلبات الدول الكبرى والصناديق والمؤسسات الدولية لازالت ترفع عصاها بالشروط الصعبة بوجه التنمية في اليمن وسعيها إلى خلق التناقض والمصاعب والمشاكل بين القوى الليبرالية والتيارات الدينية وتسعى تلك الدول إلى خلق صراعات وتوترات فيما بين تلك التيارات لتسهيل عملية تدخلها.6ـ لابد من الاعتراف بأن الأنظمة الشمولية كانت متسلطة ومستبدة وقد تركت لدى غالبية السكان انطباعاً بأن المواطن كل تحركاته في كل المجالات تحت المجهر، وان المواطن مدان حتى تثبت براءته وتعرض المواطن تحت هذه الذرائع لشتى صنوف القهر والاضطهاد والخوف والقلق.. الخوف من كل شيء حتى كما يقال من جدران البيت وأفراد أسرتك.هذه صورة قاتمة لكنها كانت موجودة ولو بصورة نسبية وتركت هذه الحالة التي عاشها المواطن تحت حكم النظام الشمولي آثاراً سلبية عند مشاركته في الحياة السياسية ووجد أن الانتماء لحزب لا توافق عليه السلطة أو ترضى عنه إنما هو معرض للخطر وأنه بالحديث عن سلبيات هذا النظام الشمولي أو ذاك سيكون معرضاً للسجن، كانت الآثار السلبية من جراء مثل هذه الأوضاع الخوف من المشاركة السياسية والتعبير عن الآراء والتردد في طرح المقترحات والهروب من مناقشة المواضيع التي تهم الوطن.بعد قيام النظام الديمقراطي بقيت آثار سلبية تحتاج إلى فترة زمنية حتى يتم التخلص منها.
التحديات التي تواجه البناء الديمقراطي في الجمهورية اليمنية
أخبار متعلقة