المناضل والسياسي محمد حسين العيدروس في حديث لـ ( 14 اكتوبر ) عن مسيرة الكفاح النضالي في حضرموت لنيل الاستقلال:
صنعاء/ ذويزن مخشف:مضى أكثر من 40 سنة على نيل اليمن استقلالها وحرية شعبها من المستعمر الإنجليزي الذي دام احتلاله نحو 129عاما.. وتأتي هذه الذكرى اليوم ونحن في القرن الواحد والعشرين بعد تلك السنوات وقد تحقق كثير من الأماني والطموحات وبعضها مازال هناك سعي حقيقي لتحقيقها وإنجازها.. ذاكرة النضال والمقاومة الشعبية التي كان حاضرة وعلى مدى أربع سنوات من المواجهة والقتال لإخراج المستعمر البغيض، وناضلت لأجله طبقات مختلفة في المجتمع من عامة الناس والمثقفين والمفكرين والطلاب وغيرهم من رجال الأمس حصدوا في سنوات الكفاح المسلح ما أردوا من الحرية وانتصروا على الظلم والقهر الاستعماري الاستبدادي.اليوم هناك ما يجعلنا نعمل لإنعاش ذاكرة (نوفمبر) مع أولئك الرجال ونطلع معهم عن قرب على التاريخ النضالي وأدوارهم في نيل اليمن استقلاله من عدن إلى أبين وحضرموت إلى المهرة، مع مآربهم لتحقيق الغاية الأولى"توحيد أرض اليمنيين" بوحدة الجنوب والشمال في دولة الوحدة والديمقراطية..ومعنا هنا هذه الشخصية الوطنية البارزة من حضرموت التي تحتل اليوم مكانة واسعة بين صفوف المنظمات السياسية كقيادي في الحزب الحاكم له صولاته وجولاته في ذاك المعترك النضالي في جنوب الوطن وتحديدا في مناطق وادي حضرموت، ومع وضعه السياسي بالحزب الحاكم الآن، نتحدث عن ذاكرة ثورة واستقلال ووحدة نجد بعد سنوات من قيامها لدى قلوب حفنة راغبة بالعودة بعجلة التاريخ إلى الوراء إلى ما كان (عهد التشطير) والفرقة بين اليمنيين..لم نستطع أن نجعل من هذا اللقاء مع المناضل محمد حسين العيدروس مدير معهد الميثاق التابع لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم حوارا كنا نود ان يكون تفاعليا و لضيق الوقت كانت الردود كتابية لكنها قيمة وقاربت كثيرا مما كنت آمله فإلى التفاصيل:[c1]غليان شعبي في سيئون(حضرموت) [/c] * بلا شك كان لشخصكم مساهمة ودور نضالي في تحقيق الاستقلال الوطني..هل لنا أن نطلع والقراء على ذلك؟- لا أعتقد أن أحدا منا يستطيع نسيان تلك الفترة التي امتزجت في نفوسنا بنوعين من الأحاسيس، الأول إحساسنا بالمرارة والمهانة لأن بلادنا يحتلها الاستعمار والثاني إحساسنا بالعزة والكبرياء لأننا كنا نقاوم الاحتلال بكل قوة ونكبده الخسائر ونلحق به هزائم مؤلمة.في تلك الفترة أنا كنت ما زلت طالبا في المدرسة الوسطى بسيئون ولكن رغم أننا في مقتبل العمر إلا أننا عشنا نفس الغليان الشعبي المناهض للاحتلال وكل واحد منا حمل نفس الهموم التي يحملها الكبار.. فكنا كقيادات طلابية ناشطة نقود المظاهرات والمسيرات الطلابية المناهضة للاحتلال، ونعقد لقاءات طلابية وأخرى شعبية مع المواطنين نقوم خلالها بتوعية الآخرين وتحريضهم ضد الاحتلال، واستنهاض الهمم داخلهم. كذلك كنا نتواصل مع الثوار فيكلفوننا بمهام معينة مثل توزيع المنشورات وإيصال المراسلات بين خلاياهم.وكان البريطانيون لا يرحمون أحدا في مثل هذه المواقف، فيلاحقوننا ويطلقون الرصاص بواسطة عناصر مأجورة لهم وقد أصيب بعض الطلاب في إحدى المسيرات بجانب حديقة سيئون. وأتذكر أننا في عام 1965 قررنا أن نقوم بعملية نوعية أسوة بالعمليات التي ينفذها الثوار الكبار، فاقتحمنا مقر المستشار البريطاني في سيئون ، وقمنا بإحراق بعض السيارات والآليات العسكرية .. فنجن جنون قوات الاحتلال "كيف يستطيع طلاب مدرسة وسطى بعمل كبير كهذا!!" فاضطر المندوب السامي البريطاني إلى طلب إحضار قوة إضافية إلى سيئون من الجنود البريطانيين، فمكثوا في ملعب الكرة بسيئون فترة معينة ثم غادروها.لكن إدارة المدرسة الوسطى في سيئون اتخذت قرارا بمعاقبة الطلاب وطردهم من المدرسة، فطردت وطرد معي طلاب آخرين من المشتركين في العملية.. وبدلا من أن يكون ذلك رادعاً لنا انقلب الأمر ضدهم، حيث إن العقوبة أعطت زخم وعزيمة وأججت الأوضاع وقاد أولياء الأمور والشخصيات الاجتماعية البارزة إلى عقد سلسلة لقاءات جماهيرية ومسيرات للتنديد بقرار طرد الطلاب.. وتم التواصل مع بعض القيادات في المكلا وعدن، فتم توزيع منشورات أدانه وتحريض ضد الاحتلال في كل مكان قادت في النهاية إلى إلغاء قرارات الطرد وعودتنا إلى المدرسة ولعب المرحوم علي بن شيخ بن يحيى ناضر المعارف في سيئون دورا كبيرا في عودتنا للدراسة.[c1]وحدة الإمارات والعشائر[/c]* عن دور الدولة الوطنية الناشئة في الجنوب في تحقيق الوحدة بين الإمارات والعشائر اليمنية ماذا تقولون؟ ...- بغض النظر عن الدولة، أؤكد لك أن موضوع الإمارات والعشائر لم تكن سواء حالة مؤقتة ترتبط بموضوع الاحتلال وما يفرضه من سياسات تهدف إلى تشتيت الجهد الوطني وإضعاف المقاومة وزرع الفتن بين أبناء البلد، ولو ترجع إلى مذكرات التاريخ لن تجد هناك منطقة أو إمارة أو عشيرة - كما تسميها- لم تشترك في النضال ضد الاحتلال... وبالتالي كان طرد الاحتلال كفيل بإعادة الأمور إلى نصابها الأول بشكل أو بأخر.ومع هذا يمكن القول إن الدولة التي تم الإعلان عنها بعد رحيل الاحتلال أوجدت حالة جديدة غير معروفة للناس من قبل - واهم ما فيها هو أنها حالة وطنية يمنية من أبناء الشعب نفسه، لها ثقافتها وتاريخها ونضالها المشترك مع الجميع- بمعنى أن الحاجز النفسي قد ذاب، وأصبحت الظروف مهيأة لإقامة علاقات جديدة على أساس ثقافي جديد، ومصالح مختلفة عما كانت عليه من قبل .[c1]تعزيز يمنية الدولة[/c]* إذن فما هو دور الاستقلال الوطني في تعزيز يمنية الدولة الناشئة واثبات الهوية اليمنية؟- هنا أخالفك ببعض العبارات التي أوردتها، لأنه من الخطاء أن نقول "إثبات الهوية اليمنية، لان الهوية تعني جانبين الأول هو مادي يرتبط بالتكوين الفسيولوجي للإنسان كالعرق أو السلالة البشرية، والصفات الوراثية الجنينية.. والجانب الثاني معنوي متصل بمجموعة القيم والعادات والثقافة والعقيدة الدينية.. وبالتالي فان الاحتلال لم يكن يمتلك القدرة على مسخ الهوية اليمنية، وأية قوة في العالم يستحيل أن تكون قادرة في غضون قرن أو اثنين أو ثلاثة على مسخ الهوية لأي شعب من الشعوب بدليل حديث الرسول(ص) "تخيروا لنطفكم فان العرق دساس".لكن يمكن أن نتحدث عن تعزيز "يمنية الدولة " لان هذه الصفة مرتبطة بالقرار السياسي، والى أي مدى هو يترجم هويته اليمنية، وإرادة شعبه اليمني.. وهو بالتأكيد لا يمكن أن يتحقق في ظل جو قوى استعمارية محتلة جاثمة على ارض الوطن.. إذن فالاستقلال عزز فعلا يمنية الدولة بإيلاء المستويات الوطنية إلى اليمنيين أنفسهم، ليصبحوا المترجم الوحيد لإدارة الشعب وطموحات أبنائه – مهما رافق ذلك من خلاف فكري أو سياسي.[c1]القوى الوطنية في مواجهة مشاريع الاستعمار[/c]* كيف نتعرف على المشاريع الاستعمارية التي كانت موجودة؟ وكيف استطاعت القوى الوطنية والشعبية مقاومة هذه المشاريع؟- في الحقيقة البريطانيون حملوا إلى اليمن مختلف المشاريع، حالهم في ذلك حال قوة احتلال تسعى إلى التشظية، وتثبيت الإرادة الوطنية الكامنة.. وقد سعت بريطانيا في فترة إلى خلق تحالفات عبر معاهدات صداقة، ثم في فترة أخرى إلى تشجيع الأمارات والسلطنات وصولا إلى مشروع اتحاد الجنوب العربي الذي يسعى إلى استحداث كيان وهوية جديدة في المنطقة..وفي كل الأحوال كان أمام شعبنا طريق معروف لدى الجميع في التصدي للمؤامرات، وهو التعبئة الثقافية التوعية الشعبية التي تفضح أي مخطط تأمري وتحرض على مقاومة..إلى جانب المسيرات والمظاهرات، وتصعيد أعمال استهدف المحتل وقواته. فهذه أطر كانت غالبا ما تلتقي تحت سقيفتها القوى الوطنية باختلاف مسمياتها وتنطلق للمناهضة وإحباط المؤامرة.وأالفت إلى أن القوى الوطنية في الجنوب آنذاك لم تكن معزولة عن المحيط الخارجي، بل أيضا كانت لها علاقاتها التي تستفيد من المشورات القادمة منها ومن المواقف المنبثقة عند ظهور أي مخطط تآمري * منذ سنوات الاحتلال كانت هناك رغبة في اللحمة اليمنية ماهي الخطوات الوحدوية التي قامت بها الدولتان اليمنيتان؟- نحن نعرف أنه كان متوقعا أن يتم الإعلان عن الوحدة حال انتهاء الاحتلال البريطاني للكن التغيرات التي شهدتها موازين القوى الوطنية السياسية في الجنوب منع حدث ذلك.. ومع ذلك فان قضية الوحدة ظلت حاضرة لدى الجميع، والكل مؤمن بحتميتها، ويسعى إليها، وكانت البداية في مؤتمر طرابلس و القاهرة - يعني بداية السبعينات- حيث ظهرت جهود جادة بهذا الاتجاه بلغت أوجها في عهد الرئيسين سالم ربيع علي وإبراهيم الحمدي اللذان كانا على وشك توقيع الاتفاقية لو لا تمت تصفيتهما دمويا.وهنا ألفت الانتباه إلى أن اليمن كانت رقما صعبا في حسابات الواقع السياسي، لأنها مثقلة بالكثير من المواريث التاريخية التي خلفها الإمام في الشمال والانجليز في الجنوب.. كما تعددت داخلها انتماءات القوى الوطنية. وتداخلت الكثير من الحسابات مع أجندات خارجية إقليمية ودولية كانت تفرض نفسها بشكل أو بآخر وهذا كله كان كله ينعكس على مسار الوحدة.لكن المشكلة التي كنا نواجهها في الشطرين تكمن في آليات التعاطي مع قضية الوحدة خاصة بعد ظهور توجه فكري جديد في الجنوب ينسب نفسه إلى أيدلوجيات ماركسية ولينينية واشتراكية مختلقة، ثم اندلاع حروب دامية على طريق الوحدة لابد أن نفكر أولا كيف يذيب ذلك الحاجز، وينمي علاقات جديدة.عندما تراجع اليوم وثائق الوحدة، وندرس التجربة جيدا نجد أن الأخ رئيس الجمهورية علي عبد الله صالح انطلق في تلك الفترة نحو مزاوجة الحراك السياسي للجان الوحدة بحراك تنموي وبناء شراكات اقتصادية بين الشطرين وتعزيز المصالح المختلفة بينهما.. ثم كان الحدث الأكبر في زيارته إلى عدن عام 1982م التي كان لها دور كبير في كسر الحاجز النفسي، وتذويب المخاوف التي كانت تساور كثير من القادة السياسيين. ومن هنا تهيأ المناخ المناسب للإنفاق على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية التي وفقنا الله إليها في 22 مايو 1990م بعد تضحيات وجهود جبارة.[c1]دعاة الانفصال اليوم[/c] * بدأت تبرز على السطح ما نسميه بالمشاريع القديمة الجديدة التي يروج لها مؤخرا للانفصال مثل "كالجنوب اليمني"؟ كيف يمكن مجابهة مثل تلك المشاريع؟أولا أحب توضيح نقطة مهمة وهو أن الوحدة إرادة وطنية فرضها الشعب اليمني، وبالتالي لم تعد ملكا شخصيا أو حزب أو زعيم.. وعليه فالشعب اليمني هو صاحب التصرف بالوحدة، وهو الشرعية الدستورية لها، ولأي حق لي كان أن يجعل نفسه وصيا بدون أن يخوله أبناء الشعب اليمني...الآن عندما نتأمل في دعاة الانفصال ونقيس حجمهم إلى عدد نفوس سكان اليمن نجدهم لا يمثلون شيء يستحق الذكر، إذا هم حالة شاذة، وأصوات نشاز لا يزيدون ولا ينقصن على الوحدة مثقال ذرة.. وان كان الذي تسمعه لا يتعدى حدود اللعبة الانتهازية التي تسعي إليها هذه القوة ، ويراودها الآمل في الفوز بمكاسب شخصية وفئوية حتى وان كانت على حساب المصالح الوطنية العليا، وأمن اليمن واستقراره وتقدمه.أما بخصوص مجابهة مثل تلك المشاريع، فأنني أؤكد أن الشعب هو الذي سيوجه كل المخططات التآمرية وهو من سيدافع عن الوحدة، ويسقط كل المراهنين سواء كانوا داخل الوطن أو خارجه.