صفحة خاصة في ذكرى رحيل الناقد المسرحي احمد الريدي
[c1]الكاتب المسرحي / أحمد عبدالله سعد[/c]" النقد كما يصفة رائد النقد المسرحي الحديث - اريك بنتلي- يحتاج اول مايحتاج الى ارضية فنية تحتوي فيها ابداعات كبرى ،تحول الحياة الى ورشة عمل خلاقة ،تقدم انتاجاً درامياً متميزاً وله تأثير ليس فقط بين رواد المسرح بل يشمل المجتمع كله " .. والناقد لاياتي من العدم بل هو وليد وابن شرعي لهذه البيئة الثقافية الفنية الثرية .. غير ذلك يظل الامر مجرد محاولات فردية تحرث في ارض جرداء.والنقد تاريخياً ازدهر في بيئة ناشطة فنياً ،وبلغ اوج ابداعه في ظاهرة ثقافية ثرية اغنت الحياة ونقلت المجتمع من حالة متأخرة الى حالة متقدمة وان كان الفعل الابداعي سابق زمنياً للنقد فإن القرن التاسع عشر شهد ولادة حقيقية للنقد الادبي والفني وذلك بفعل عامل تطور العنف الادبي نفسه ودخوله في نقلة انسانية كبرى شملت واقع الانسان وتطور المجتمعات الانسانية.وادب القرن التاسع عشر وفنون نقلت الانسانية في حالة ظاهرية رومانسية الى حالة مشاركة فلسفية نفسية اعادت تصوير الفعل الدرامي بروية ثورية تحاول الخروج من تقبل الفعل الى صنع الفعل.في القرن التاسع عشر شهدنا ولادة عظماء النقد الادبي امثال الروسي بيتريلنسكي في مجال الرواية والمسرح في القرن العشرين ومع تعدد مدارس النقد ودخول المدرسة النقدية المسرحية طوراً ابداعياً خلاقاً برزت اسماء لامعة كان اشهرها رائد النقد المسرحي الحديث اريك بنتلي الذي نقل الحالة من واقع رصد الى حالة خلق ابداعي يسير مع العمل الابداعي المنقود في خط سير متواز بل ويقوم مجهرية الخطوط المتسترة ويعيد رسم اللوحة البيانية وينقل القارئ والمشاهد الى آفاق رحبة ظلت غائبة ومتوارية خلف السطور وبين الكلمات.وفي الوطن العربي مع حداثة التجربة المسرحية مئة عام ويزيد قليلاً مع تاريخ المسرح الذي يمتد لأكثر من ثلاثة آلاف سنة كان الهم النقدي في البدايات الاولى وحتى وقت قريب في ترف الحياة المسرحية لأن الفعل الدرامي نفسه لم يتأصل بعد .. كما ان الحياة المسرحية نفسها لم ترسم لها معالم واضحة فهي كانت ومازالت تتخبط بين ارساء القاعدة الدرامية التقليدية والعمل من خلال .. وبين الثورة الفنية المتسارعة التي تعيد رسم خطوط جديدة وكان لفعل الثورة الصناعية والتكنولوجيا واخيراً المعلوماتية فعل رسم حالة ضبابية راح المسرحيون العرب يتخبطون معالم طريقهم وسط حالة متسارعة لاتتيح لهم اخذ انفاسهم واستيعاب المدارس الدرامية الوليدة بكثرة وبصورة مستمرة الفعل التالي في واقعنا اليمني كان في بدايته المبكرة في تاريخ المسرح في اليمن اشبة مايكون ولوج انسان الى عدسة يبصر داخلها عجائب الدنيا وتبهره الصورة الوافدة من خلال تجارب اجنبية - هندية على وجه التحديد- وحتى مع التطور التاريخي لمسيرة الحياة المسرحية ومع فترات ازدهار الحياة الفنية كان النقد حضوره خجول .. هذا اذا اسمينا بعض تلك الكتابات نقداً لكن لو اخضعناها للتقييم الموضوعي المحايد فان تسمية النقد واطلاقه على بعض المقالات والدراسات التي تصدت للتعليق على الحالة الفنية المسرحية - فان التسمية بعيدة كل البعد عن الحقيقة والموضوعية .. اصدق ما يطلق على تلك الكتابات رصد انطباعي يواكب النشاط المسرحي المقدم لا اكثر ولا اقل في ذلك واستمرت الحالة تلك حتى نهاية السبعينيات في القرن العشرين وفي نهاية مرحلة وولوجنا مسرحياً مرحلة جديدة علينا التوقف عند الوافد الجديد الى الحياة المسرحية.الاستاذ الناقد المسرحي احمد سعيد الريدي ، عام 1978 مع قدومه بعد سنة من تخرجه عام 1977م من دولة الكويت الشقيقة الى مدينة عدن وبما انه يحمل شهادة جامعية - هي بكلاريوس النقد- من المعهد العالي للفنون المسرحية بدولة الكويت .. وحيث إن الحياة ربما كانت على انتظار مع هذا الوافد الجديد والواقع المسرحي اصبح مهياً لتقبل مرحلة نقدية اكاديمية وذلك بعد ان راح كل من يعرف خط الكلمات يكتب عن هذه المسرحية أو تلك متخيلاً انه ناقد مسرحي بالفطرة وشاهدنا المقالات في الصحف المحلية تهب علينا باقلام لأصحابها اول مايحاولون ان يؤصلوه للقارئ اليمني الاعتراف بهم نقاداً من الطراز الاول وراح البعض يمارس معارك كثيرة في ترسيخ هذا المفهوم المسيطر على عقولهم ومقالاتهم وكان السبيل في التوصيل والاقناع أمرين لاثالث لهما الذم او المدح معتبرين ان هذين الامرين ركنان لايقوم النقد المسرحي الا بهما وكان الامر في بعض الاحيان يدعو للضحك بوجود فكرة ترسخت في العقلية لديهم انهم معلمون والآخرون تلاميذ وبعضهم راح الى القول انه قدم تنازلاً كبيراً حتى حضر العرض المسرحي المعين وقام بالكتابة عنه وآخرين كتبو مايسمونه نقداً اكان من خلال السمع من الآخرين او وقع بين ايديهم من مقالات سابقة لغيرهم.في هذا الوقت تحديداً كما اسلفنا وفد الاستاذ الريدي الى الحياة المسرحية اليمنية - تحديداً محافظة عدن- وقلنا ايضاً ان المسرح كان مهياً لاستقباله كناقد متخصص يمتلك ادوات النقد الصحيح والاكاديمي لكن - بدل ان يحتويه النقد الغائب ويعيد حضوره لضرورة الواقع فجأة من غير مقدمات اختطفته الادارة ليكون في اليوم الاول مديراً للمسرح وليس مديراً للنقد .. الادارة سارعت لغلق ابوابها المتينة عليه وحبسته في جدرانها الضيقة وبدل ان يحلق في البدايات الاولى لطيران النقد نحو آفاق جديدة ويفتح نوافذ موصدة ويعيد رسم ماتشوه كانت الادارة ومغرياتها الوظيفية شرنقة جديدة اعادت لف الخيوط من جميع الاتجاهات حوله..في مثل هذه الحالة هناك ضدان يتصارعان .. الاول يبهره الكرسي الاداري وحالة الامر والنهي لها بريقها المتوهج ظاهرياً بين الناس ،تدفع هذه الحالة الى اسكات الآخر وربما تغيبة نهائياً .. في حالة الناقد العملية قد تكون صحيحة ولكن الاختلاف في جزءيتها الاخيرة،بمعنى لاتغيبه ولكنها تدفع به الى اماكن الانتظار .. استحضاره يتم غالباً عندما تذهب الوظيفة ويحل بدلاً عنها الفنان او الاديب .. هذا الواقع مع الاسف كان حاضراً مع استاذنا الريدي- يرحمه الله - منذ اول يوم تسلم فيه قيادة المسرح في عدن .. ولاحقاً سيتعرف المتابع لصدق هذا التوصيف الذي اوردناه الاستاذ الريدي كان احياناً يتمرد على هذه الادارة ومقالاته النقدية النادرة دليل على حالة هذا التمرد وان كانت قيادة لادارة المسرح قد حوت كثيراً من الوجه المتكرر في مثل هذه الحالة فالمنصب القيادي كان يحد من التمرد في المواقع في النهاية وضع الاستاذ الريدي في موقع الحكم لكل المتخاصمين والغاضبين والموافقين في المسرح وعليه ان يكون محايداً في تلك النزاعات الفنية باعتباره المسؤول الفعلي والتنفيذي للجميع.. هذا الامر جعل الاستاذ الريدي يتحدث كثيراً قبل تكرار حالة التمرد من الادارة .. وان كان للامانة ان نقول ان الاستاذ لم يغب او يغيب نفسه في الظاهرة الرصدية للنشاط المسرحي ،بل راح يوجه الآخرين الى الطريقة والمنهج الصحيحين لرسم معالم طريق للنقد المسرحي .. وفي مواصلة حضور الناقد فيه راح الاستاذ الريدي يقدم علمه وخبرته وثقافته لطلاب المسرح في معهد الفنون الجميلة - على وجه التحديد- وطلاب الدراسات الحرة - ولم يبخل عليهم بالمعلومات ولا بالتوجية بل شجع بعضهم وكان دائم الحث لمن يجد لديه الامكانية ودفعه للقيام بالبدايات ولكن البدايات الصحيحة ذات الطابع العلمي والموضوعي .. بعيداً عن شوائب مايكتب ويقوم ويقال عليه نقداً .. الامر الآخر لهذا الرفض الوظيفي هو قيام الاستاذ الريدي وبدعمه المالي والمعنوي باستحداث ارشيف مسرحي موثق علمياً ويكون مرجعاً للجميع .. ذلك المشروع كان لي شرف المساهمة فيه مع استاذنا الريدي ولابد هنا ان اذكر تعميم الاستاذ الريدي ودأبه المستمر ببناء ارشيف مسرحي يبدأ حتى من الواقع الفقير والشحيح للوثيقة المسرحية الغائبة والمغيبة احياناً كثيرة ، في سبيل انجاح هذه التجربة رحنا انا والاستاذة العراقية رائدة المسرح العراقي زينب لتجميع ارشيف المسرح من صحيفة (14 اكتوبر) حتى لحظة ارشفة الفرق الشعبية لتوثيقها لانجاح هذا المشروع الوليد وايضاً لاننسى مساهمة الاستاذ/ عبدالله مسيبلي - بوثائق كثيرة للفرق الاهلية وقد اقيم معرض لهذه الوثائق والصور وكان ذلك في العام 1981م ثم لا اسباب ادارية وبداية اقامة الاسابيع المسرحية التي كانت تعقب اليوم العالمي للمسرح في 27 مارس ربما انتاب الادارة والموقع الاداري غيرة من اقدام الريدي الناقد الباحث وراحت خيوط القيد الاداري تزداد قوة وتتوسع ولم يكتب للمشروع الاستمرار ربما في النهاية هي تجارب شخصية ظلت تقوم هنا وهناك لكنها ظلت تراوح مكانها وربطت نفسها هي ايضاً بموسمية المسرح الذي كان ينهض وتتفتح ازهاره مع بداية الربيع تحديداً من يوم 27 مارس ولكن هذه الزهور تذبل من اول يوم لبداية الصيف وكان الامر في الحالة المسرحية كلها كنبتة الزهرة الصحراوية التي تولد وتحيا لاسبوع اوعشرة ايام مع هطول الامطار ولكنها تعود للسبات والنوم الطويل مع جفاف التربة وسطوع شمس الصحراء الحارقة.فترة الثمانينات من القرن العشرين كان المسرح في حالة تألق موسمي الوظيفة والموقع الوظيفي المسؤول عن المسرح في محافظة عدن قيدت الاستاذ الريدي بها اكثر وأكثر وراحت تأخذ من موقعه كناقد الكثير ولكن في المقابل سمحت له ان يعوض ذلك فنياً ويشبع رغبة فنية في اعادة تثبيت نفسه كفنان مبدع وهنا قدم اعماله الاخراجية ابتداء من مسرحية نحن والفاشية وإدارة شئون الزير- الى مخرج في ورطة ومسرحية مخرج في ورطة ربما كانت اصدق حالة من هذا التجاذب الوظيفي الفني- وحتى تلك الخروجات التمثيلية في بعض ممن اشتغل في المسرحية قد اغضبت الاستاذ الريدي في ليلة عرض المسرحية - فان حالة الغضب كانت آنية وربما ماساعده على تجاوز هذا الغضب روح الناقد المتأصلة فيه بعمق ،فهذه الروح اقنعته ان شيئاً مما قاله زملاء المهنة صحيح وان الادارة قد اعاقته عن ديمومة واستمرارية تالقه الفني والذي ظهر واضحاً في تصديه للاعمال الكوميدية .. التي كانت ميدانه المسرحي الذي برع فيه من خلال تجاربه القليلة في المسرح مخرجاً.ايضاً اعماله الاخراجية الاذاعية - الجربة- المناضل علي القردعي- جزيرة الواق واق - كان محاولة للخروج في روتين الوظيفة الادارية ومع قيام الوحدة في 22 مايو 1990م استمرت الحالة الادارية للفنان الريدي في حالة تصاعدية فبعد الوحدة مباشرة تبوأ مدير عام المسرح في المؤسسة التي استبشر بها المسرحيون خيراً ظلت محصورة ادارياً في المبنى الجميل لها في العاصمة صنعاء ولم يتعد نشاطها خارج اسوار مبناه والاعمال القليلة جداً التي انتجتها كان حصيلة تجارب فردية اكثر ماهي عمل مؤسسي فني الاستاذ الريدي حاول الخروج من هذه القاعدة الروتينية للمؤسسة باعداده واخراجة لمسرحية ( القلاصات) عن مقالات واشعار الكاتب اليمني الساخر عبدالكريم الرازحي .. التجربة في النهاية ظلت محاولة فردية كما أسلفنا ربما لان المؤسسة العامة للسينماء والمسرح وجدت الخروج عن مالوفها الاداري للشروع بالانتاج المسرحي حالة عابرة تعبر عن اصحابها اكثر مما تعبر عن المؤسسة بعد سنوات من وصول المؤسسة الى حالة اسمية اكثر ماهي فعلية واثناء استراحة الريدي من الوظيفة التي اصبحت ممارستها اسمية ولا وجود لحالة فعلية ولو ادارية في الحد الاقصى كانت هذه المرحلة ربما مرحلة وقوف مع النفس واعادة تقييم لمسيرة امتدت من عام 1978- الى عام 1994م .. هنا في هذه الوقفة تحديداً اطل الناقد الباحث ليعلن عن وجوده القديم الحديث ولان الفعل النقدي له اصوله المتعارف عليها اكاديمياً اتجه الاستاذ الريدي الى جامعة عدن وفي لحظة عابرة من الزمن وبعيداً عن الوظيفة وحالة مصالحة نقدية للفنان الناقد الباحث شرع في كتابة المهم » البحث عن صياغة جديدة لتاريخ المسرح في اليمن« هنا لاحظ الاستاذ الريدي - يبدأ- مشروعه البحث- والبحث صفة ومتواجدة دائماً عند الناقد الدرامي .. في مشروعة- كتابه- الذي يزمع الدفاع عن رسالته لنيل شهادة الماجستير والدكتوراه من خلال بحثه التاريخي عن بدايات المسرح اليمني وصولاً فيه الى نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين - المشروع - الكتاب- لم يكن سجلاً تاريخياً عن المسرح اليمني بقدر ماهو بحث نقدي موضوعي لمسيرة المسرح اليمني ورصدها علمياً موثقة بالوثائق التي تجعل منها حالة علمية يعتد بها في المعاهد والجامعات المتخصصة .. هذا المشروع الذي انجز الاستاذ الريدي الحيز الاكبر منه .. توقف مع اعادة الوظيفة القيادية دورها الجديد في حياة الريدي- مدير مكتب الثقافة محافظة عدن ..ورغم ان التحضير لهذا المشروع الاكاديمي الدرامي قد حضر له الاستاذ الريدي المراجع الكثيرة ونشر بعض حلقات الكتاب في واحة الدراما التي كانت تنشرها صحيفة (14 اكتوبر) وتوقفت الحلقات مع توقف صفحة واحة الدراما الا ان السبب الرئيسي لتوقف الاستاذ الريدي عن المواصلة هي الوظيفة الجديدة ومايترتب عليها من مسؤوليات ادارية تاخذ مجمل وقته.يبقى هذا المشروع الذي لم يكتمل عملاً متميزاً لوتم نشره كاملاً لكان اثراء للحياة المسرحية بمرجع فني درامي اكاديمي غير مسبوق ولكن لان الاعمار بيد الله فقد توفى الريدي - يرحمه الله- دون ان يضع الخاتمة له..وحتى مع غياب هذه الخاتمة فان مجمل ماكتبه الريدي ونشر البعض منه والبعض الآخر لم ينشر فانه لو عملت وزارة الثقافة على تكليف لجنة لعمل الخاتمة لكتاب والتي هي متوفرة كما علمت من خلال الارشيف الكبير والغني بوثائقه ومعلوماته التي رصدها الريدي وبوبها لكتاب المشروع فان هذا كما اسلفنا سابقاً بالمطالبة به اكبر تكريم يقدم للريدي وفاء لتاريخه المسرحي المشرف كما انه يعود بالفائدة للمكتبة الدرامية اليمنية التي تفتقر لمثل هذه الدراسات الاكاديمية القيمة..في الاخير حاولنا ان نوفي استاذنا الريدي بالحديث المختصر عن مسيرته المسرحية وفاء منا لما قدمه لنا شخصياً من خبرات الاستاذ لتلاميذه ورغبته لتقديم خبراته والمعرفة التي اكتسبها اكاديمياً للجميع دون استثناء حتى يتم الخروج من عشوائية العمل الدرامي وجعله عملاً منظماً واكاديمياً ليتم التأكيد ان المسرح بعد مسيرته التاريخية الحافلة فن له قواعده واسسه العملية التي اسهمت في اثراء سيرة الانسانية جمعاء...؟