محمد زكرياشاعر ثائر عشق اليمن فعشقته أنصهر بها ، وانصهرت به فصارا كياناً واحدًا ، سحر تاريخها عقله ، كان تاريخها يدغدغ مشاعره وإحساسه ووجدانه إنه الشاعر الكبير إدريس حنبلة . كانت أشعاره الوطنية إبان الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني في عدن تؤجج روح الثورة وتلهب الحماس بين صفوف الجماهير المتطلعة إلى الخلاص من براثن الظلم والظالمين ومن يقرأ قصائد شعره كالأفق الملتهب، من خلف القضبان ، وأجراس الحرية وغيرها سيلفت نظره مدى تقديسه وإيمانه العميق للحرية .ولقد كتب الشاعر الشهيد رائد الحركة الوطنية اليمنية الفذ محمد محمود الزبيري كلمات أهداها إلى شاعرنا الثائر إدريس حنبلة وهو في أوج نضاله ضد الاستعمار وركائزه معبراً فيها عن مدى دوره النضالي السياسي في مقارعة الاحتلال وأعوانه دون خوف أو وجل ، وكيف قضى زهرة شبابه في سجون المحتل من أجل أنّ يرى شروق شمس الحرية تضيء كل مكان في اليمن إلى جانب أنه كان شاعراً ثائراً ، ومناضلاً عنيداً وصلبًا لا تلين له قناة، كان أيضاً شاعر الفقراء والبسطاء حيث غرس ريشته في قلب معاناتهم معبراً عن أمانيهم وآلامهم وهمومهم وقضاياهم المختلفة إنّ شعره كان لسان حالهم ، كان شعره نبض الشارع اليمني ، كان قوة شعره تكمن في بساطتها وصدقها . وكان يرى هذا الشاعر الثائر، شاعر صوت الشعب أنّ الأمة الراغبة في معرفة حاضرها معرفة وترغب في استقراء آفاق مستقبلها في صورة عميقة عليها أنّ تجمع تراثها وتاريخها . فانكب الشاعر حنبلة في تجميع وأعداد وتنظيم الوثائق منذ شرخ شبابه ، ومع مرور الأيام والسنين تراكمت هذه الوثائق التي احتوت على الكثير من المعلومات الهامة والقيمة والنادرة . وشعر شاعرنا قبل أنّ يودع الحياة ، أنه لا بد أنّ يؤسس مركزًا وثائقيًا يستفيد منه الباحثين الحاليين والمؤرخين المحدثين فأسس مركز حنبلة للتوثيق في مدينة الشيخ عثمان . وفي هذا المركز نزلت جريدة “ 14 أكتوبر “ لتنقل صورة حقيقية وواقعية ، وصادقة عن مركز حنبلة للتوثيق ، والمشاكل والصعوبات التي تعترض طريقه في أداء رسالته العلمية . ولقد أجرينا حديثاً مع الأستاذ أحمد سعيد ، المشرف على المركز ، والذي تناول نشوء المركز وأيضًا تطرق إلى عددٍ من قضايا المركز المختلفة ، وفيما نص وقائع الحديث : [c1] في شارع الأردن[/c] وفي مدينة الشيخ عثمان القديمة التي روت عنها الروايات التاريخية بأنها سميت باسم الولي ( الشيخ عثمان ) وهو من قبائل الزبيرة المنتشرة ما بين الوهط والفيوش ، وقد ظهر اسمها لأول مرة في الوثائق المكتوبة في القرن ( 11 هـ ) القرن ( 17م ) ومنذ ذلك التاريخ صارت الشيخ عثمان محطة للقوافل يتزودون عندها بالماء . وكانت المدينة تمتلئ بالأشجار والنخيل الكثيفة والبساتين الرائعة مثل بستان حسن علي ، وبستان بازرعة ، وكان سكان ( كريتر ) عدن القديمة يتنسمون عندها النسيم الطيب . وعبر تاريخها كانت ملتقى التجارة الداخلية القادمة من مختلف أنحاء اليمن وتشهد اليوم المدينة حركة تجارية واسعة ومثلما كانت قديمًا ملتقى التجارة الداخلية ، كانت أيضًا ملتقى الكتاب والأدباء ، والمبدعين الذين أثروا الحياة الثقافية والأدبية أثراءً كبيرًا وفيها أنشئت النوادي والجمعيات الثقافية والأدبية في مطلع الثلاثينيات والأربعينيات ، وكان لها حضور رائع في مجال تشجيع التعليم بين أبناء اليمن ، والحق يقال إنّ أبناء الشيخ عثمان مثلهم مثل كافة اليمنيين عندهم شعور قومي جارف بدليل أسماء شوارعها المسماة بأسماء الأقطار العربية المختلفة على سبيل المثال شارع الأردن ، تونس ، الجزائر ، ليبيا ، وعُمان وغيرها . وكيفما كان الأمر ، فقد توجهت صوب شارع الأردن والذي يعد من شوارع الشيخ عثمان العتيقة فتشم منه رائحة التاريخ وترى بين جانبيه منازل متلاصقة متداخلة فيما بينها كأنها أيادي متشابكة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا. فتتراءى أمامك صورة واضحة عن التعاون ، والتكافل بين الناس على تباين مشاربهم الاجتماعية . وقبل نهاية الشارع بأمتار وتحديدًا في جهة اليسار منه لفت نظري لوحة متآكلة تطل برأسها على استحياء قد كساها الغبار ، فأطفأ بريقها ، وباب ضيق طاعن في السن أخشابه مهترئة ، ومتآكلة ، وأمّا مبنى المركز والمكوّن من طابقين ، فهو في حالة بائسة , وقد أكل عليه الدهر وشرب نظراً إلىس أنّ يد الصيانة والترميم لم تمتد إليه منذ زمن طويل جدًا. ودخلت إلى داخل المركز ، فإذا بي أرى غرفة صغيرة توجد فيها مجلس عربي متواضع جدًا ، فنسمي الأشياء بأسمائها ، فقد كان مجلسًا فقيرًا جدًا ، ولوحة معلقة على جدران بائس طمست ألوانها بفعل عوامل الزمن والإهمال ، وفي اللوحة عدد من أغلفة دواوين الشاعر الأستاذ إدريس حنبلة يعلوها الغبار . ولفت نظري أنّ الغرفة مظلمة أو بعبارة أخرى أنّ بصيص من النور كان يتسلل إليها علمًا أنّ الوقت كان عصرًا . وهذه الصورة القاتمة التي شاهدتها ولمستها دليل أنّ المركز بينه وبين العناية حجاب كثيف ، فلم تمتد إليه يد العناية والرعاية حتى هذه اللحظة في الوقت الذي يجب أنّ يكون هذا المركز نموذجًا ومثالاً للتألق ، لكونه مركزا للعلم والثقافة . [c1] في قاعة المطالعة[/c] ومن الغرفة الصغيرة البائسة عبرت إلى غرفة كبيرة مستطيلة الشكل أو شبه مستطيلة ـــ إذا صح هذا التعبير ـــ ، ورأيت مكتبة مصنوعة من الحديد ، وقد امتلأت رفوفها بعدد من الكتب تبلغ تقريبًا 3000 غالبيتها من الكتب اليمنية وعدد من الكتب العربية المتنوعة . والحقيقة لقد شعرت بحزن عميق أو إذا شئت قل بإحباط شديد عندما رأيت الغرفة المليئة بالكتب والتي هى مفروض أنّ تكون قاعة للمطالعة وعندما أسميناها قاعة المطالعة وإنما من باب الإيجاز ــــ كما يقولون أصحاب البلاغة ـــ ، فإذا بنا نرى طاولة ، قد احتلت الجرائد والأوراق مساحة كبيرة من وجهها وإنّ لم تكن كلها ، وفوقها بعض أجهزة الكمبيوتر العتيقة العاطلة أو بعبارة أخرى الذي انتهى عمرها الافتراضي ، وبجانبها جهاز فاكس لا يحرك ساكنا لكونه أصيب بالشلل التام منذ وقت طويل . ورأيت أيضًا الغبار المتراكم الذي يملأ كل مكان في الغرفة ، والفوضى تتسلل إليها . والحق يقال ، لقد شعرت أنّ جو الغرفة خانق ، ويكاد يطبق على أنفاسي ، وأنّ تلك الغرفة لا يمكن أنّ تصلح أنّ تكون قاعة للمطالعة من قريب أو بعيد . حقيقة أنّ المركز يحتوي على عددٍ من الكتب القيمة ، والوثائق الهامة ، سواء كانت مقروءة ، أو مسموعة ، أو صور نادرة تاريخية عن مظاهر الحياة في عدن . ولكنها تفتقر إلى أدوات التنظيم كدليل المركز أو فهرس المراجع والوثائق ولا يمكن للباحث أنّ يتحصل عليها بسهولة وبسرعة من تلقاء نفسه إلا في حالة وجود شخص ملمًا بالكتب ، والوثائق ألمامًا واسعًا مثل الأستاذ أحمد سعيد ، ولكن وفي حالة غيابه لظرف ( ما ) فإنّ الباحث أو الباحثين سيجدون صعوبة بالغة في البحث عن المراجع الخاصة بموضوع بحثهم . ولفت نظري كذلك أنّ الإضاءة غير مريحة للعين تمامًا للقراءة ، وتبرز على سطح الغرفة بجانب الطاولة كراسي حديدية أشبه بكراسي التعذيب أو بالكرسي الكهربائي الذي يتم فيه حكم الإعدام .. ولا ندري كيف يمكن للباحثين أنّ يمكثون في تلك الغرفة دون أنّ يصابون بالكآبة ، والسعال الشديد ولن نقول السل من جراء هذا الغبار المتطاير و الأتربة المنتشرة في كل مكان فيها. وأطرح سؤالاً هو كيف وصلت الأوضاع المتردية إلى هذا الحد إلى مركز حنبلة للتوثيق ؟ . وإذا استمرت تلك الأوضاع المتردية على هذا الحال ــــ فأنّ مركز التوثيق سيكون حتمًا في مهب الريح ، وتضيع جهود الراحل المناضل والشاعر الكبير إدريس حنبلة الذي عكف على تجميع الوثائق خلال مشوار حياته الطويلة مضحيًا بصحته ، وراحة باله ، ووقته لتأسيس مركز وثائقي يحفظ ذاكرة الأمة من الضياع والاندثار ، وتتلاشى أيضًا وثائق تقدر بثمن . [c1] رحلته مع التوثيق[/c] ويقول الأستاذ أحمد سعيد عن مشوار حنبلة مع التوثيق والوثائق : الحقيقة أنّ الشاعر والأستاذ إدريس حنبلة عندما تفتحت عينيه في شرخ شبابه على مدينة التواهي والذي ولد فيها في ديسمبر 1922م ، وجد نفسه في أجواء ثقافية زاهية نظراً أنّ تلك المدينة المطلة على البحر العربي ، فتحت ذراعيها على مصراعيها مستقبلة مختلف التيارات والمؤثرات الثقافية والفكرية من خلال السفن القادمة من أنحاء العالم . ومن جراء تلك الأجواء الثقافية والفكرية الصحية أفتتح في التواهي سنة 1929م ، نادي الإصلاح العربي في حي التواهي ، وكان من الطبيعي أنّ تغرس تلك الأجواء الثقافية المزدهرة في نفس الشاب حنبلة بذور الأدب والشعر وحب والتاريخ ، فتفتحت في ذهنه حب تجميع الوثائق لكونها ذاكرة الأمة التي يجب أنّ تستلهم الأمة منها الصمود والتصدي في كفاحها الطويل والمرير مع الاستعمار البريطاني الذي كان متعمدًا على طمس هوية ابناء عدن اليمنية والعربية من خلال تشجيع الثقافة الأجنبية والتي كانت على رأسها الثقافة الهندية التي أوغلت في تربة عدن بقوة بحكم ارتباطها بحكومة الهند المركزية قرابة أكثر من نصف قرن ، وكذلك من خلال مناهج التعليم الذي كان الاستعمار يدسها للتلاميذ البعيدة كل البعد عن تاريخ اليمن الأصيل والعريق . ويضيف ، قائلاً : ومن العوامل الرئيسة التي غرست فيه حب العناية والاهتمام الكبير في تجميع الوثائق هو والده أحمد حسن حنبلة الذي كان مدرسًا في أحدى المدارس الابتدائية بالتواهي ، وإلى جانب مزاولة والده للتدريس كان يعمل ( عرضحال ) أي يكتب رسائل مختلفة للناس ، وكان والده يحتفظ بكل رسالة لديه في ملفاته . [c1] في مدينة الشيخ عثمان[/c] ويسترسل في حديثه : وفي سنة 1937م ، انتقل إدريس حنبلة إلى مدينة الشيخ عثمان والتي كانت أيضًا تمور بالحياة الثقافية والفكرية مورًا كبيرًا ودليل ذلك أنّ أسس فيها نادي الإصلاح العربي سنة 1930م . وكان هذا النادي من “ أكثر الأندية والجمعيات نشاطاً . فقد اهتم برفع مستوى التعليم في المستعمرة ، وطالب حكومة عدن البريطانية بإرسال البعثات إلى الخارج ، كما سعى لدى الحكومات العربية للموافقة على إيفاد الطلبة اليمنيين لتلقي العلوم على نفقتها “ ــــ على حسب قول الباحثة شفيقة عبد الله العراسي ــــ . وفي الشيخ عثمان أيضًا افتتح نادي الإصلاح الإسلامي العربي وتلك التسمية لدليل واضح وقاطع على مدى ما كان يتحلى به مثقفو وأدباء الشيخ عثمان من بعد قومي عريض بعد أنّ لمسوا ورأوا أنّ الثقافة الأجنبية تزحف على الثقافية اليمنية العربية بالتعاون مع السلطات البريطانية في عدن لمحو الشخصية اليمنية والعربية ــــ كما قلنا سابقاً ـــ .[c1] في منزل حنبلة[/c] كل تلك المؤثرات الثقافية صقلت ونمت ورعرعت فيه موهبته الأدبية والإبداعية ، وأصلة شعوره بحب تاريخ بلاده . وفي سنة 1951م حول حنبلة منزله الكائن في شارع الأردن إلى مركز للتوثيق ، ومنذ ذلك التاريخ ، كان يقوم بتجميع المراجع ، والوثائق ، والصور ، والتسجيلات الهامة والنادرة عن ثغر عدن بصورة خاصة واليمن بصورة عامة . وكان حنبلة إلى جانب أنه شاعرًا ثائرًا مجسدًا غضب الشعب ضد القهر والاستبداد والاحتلال البريطاني وركائزه . كان شاعرًا عاطفيًا يترنم بالحب والمحبين ، وله قصيدة تحمل عنوان (( سل فؤادي الحزين )) , وقد غناها المطرب الكبير الراحل محمد سعد عبد الله ، ومازالت تلك الأغنية منحوتة في وجدان ومشاعر الكثير من الناس الذين عاصروا تلك الفترة الفنية الذهبية من تاريخ فن عدن الجميل . والجدير بالذكر ، أنّ حنبلة تولى الأمانة العامة لجمعية المؤلفين والملحنين بتاريخ 9 / 4 / 1962م . وكان كذلك نقابيًا بارزا وشجاعًا وصلبًا أدى دورًا هامًا وخطيرًا على مسرح الحركة النقابية بالإضافة إلى دوره الكبير في الحركة الرياضية في عدن . والحقيقة لقد تعمدت أنّ أطيل في ترجمة حياته لتعطينا صورة حقيقية عن شخصية حنبلة الرائعة وإنجازاته الناصعة سواء على الصعيد الأدبي والإبداعي أو على الصعيد الاجتماعي والسياسي وهذا بالتالي انعكس على أهمية المركز الذي يحفل بالوثائق ، والكتب ، والصور ، والتسجيلات الهامة . [c1] الوصية[/c] هل أوصى إدريس حنبلة قبل أنّ يودع الحياة إلى عددًا من الشخصيات المعروفة والمقربة إليه والذي كان يثق بهم في إدارة المركز والعناية والاهتمام به؟.أجاب على الفور : نعم أوصىّ الراحل حنبلة في سنة 1988م أنّ يتولى العناية بشئون المركز بعد رحيله إلى 22 شخصية ، كانوا بالنسبة له من المقربين إليه ، ويعرف فيهم معرفة تامة حبهم العميق للأدب ، والثقافة ، واحترامهم وتقديرهم الكبيرين للتاريخ أو لذاكرة الأمة المتمثلة بالكتب ، والوثائق ، والملفات ، والدوريات القديمة المختلفة التي صدرت في إبان الأربعينيات ، الخمسينيات ، والستينيات وتحديدًا في فترة الكفاح المسلح سنة 1963م ضد الاستعمار وركائزه . ويضيف ، قائلاً : وهؤلاء يمثلون مجلس أمناء المركز ، وهم على سبيل المثال لا الحصر : الأستاذ الدكتور أحمد حسن السلامي ، محمود العراسي المحافظ السابق لمدينة عدن ، الأستاذ الدكتور أحمد علي الهمداني ، الأديب والشاعر الكبير عبد الرحمن إبراهيم ، عصام سعيد سالم ، عبد الله شرف ، وآخرين ، ويرأس حاليًا المجلس الأستاذ علي عبده سالم ، ونائبه الأستاذ حسن إبراهيم . [c1]المركز وجامعة عدن[/c] ما دور جامعة عدن في مساعدة المركز على تأدية رسالته ؟ .الحقيقة أنّ جامعة عدن كان لها الفضل الكبير وإنّ لم يكن الأكبر في دعم ومساعدة المركز على الاستمرار في تأدية رسالته العلمية للباحثين ، فقد أمدت الجامعة بعدد من أجهزة الكمبيوتر وآلة الطبع ، وآلة النسخ ، والفاكس وذلك من فترة ليست قصيرة ، وعلى وجه التحديد منذ نهاية عام 1998م ، ولكن تلك الأجهزة قد توقفت عن العمل بالرغم من إصلاحها أكثر من مرة وذلك نظرًا لانتهاء عمرها الافتراضي ــــ كما يقول المهندسون ــــ . وأحب أيضًا أنّ أشير إلى مسألة هامة وخطيرة وهى أنّ الكثير من الوثائق نخشى عليها من زحف حشرة القرضة لكون المركز لا يوجد فيه وسائل لحمايتها ، علمًا أنّ الوثائق تبلغ قرابة نحو أكثر 750 وثيقة وهى غاية في الأهمية ، ولكن ـــ مع الأسف ـــ غالبيتها تحتاج إلى صيانة وترميم . ويمضي في حديثه : ونكرر مرة أخرى عن تقديرنا وشكرنا الجزيل لدعم المسئولين في الجامعة للمركز إدراكًا منهم على أهمية الحفاظ علية لكونه يمثل صرحًا ثقافيًا وعلميًا كبيرًا في بلادنا وتحديدًا في مدينة عدن الجميلة من جهة ويمد الباحثين بمعطيات غاية في الأهمية من جهة أخرى .[c1] صور نادرة[/c] وعن محتويات المركز ، يقول أحمد سعيد : وفي الواقع أنّ المركز لا يحتوي في ثناياه على الوثائق المختلفة، والكتب المتنوعة فحسب بل يضم أيضًا آلاف الصور النادرة التي تروي عن مختلف مظاهر الحياة في عدن، ومعالمها التاريخية الموغلة في القدم والذي صارت بسبب زحف إيقاع الحياة السريعة أثرا بعد عين مثل صور عن مدينة الشيخ عثمان القديمة ، عدن القديمة ( كريتر) وفضلا عن ذلك هناك الكثير من الأشرطة المسجلة عليها أحاديث المبدعين اليمنيين القدامى ومن بينهم صوت مسجل عليه للراحل حنبلة وغيره من الذين وضعوا بصمات واضحة ومضيئة في جبين حياة لحج و عدن الإبداعية بصورة خاصة واليمن بصورة عامة . ويضيف ، قائلاً : والجدير بالذكر ، كان هناك ارتباطًا وثيقا بين أدباء ، ومثقفي لحج وعدن . وعندما نذكر لحج وأدباءها يجب أنّ نذكر الأمير أحمد فضل ( القومندان ) أمير القوافي والذي أسس في سنة 1925م نادي الأدب العربي ، وكان محمد علي لقمان مديرًا لإدارة النادي .[c1] وثائق متنوعة[/c] وقطعت حبل حديث أحمد سعيد ، قائلاً نرجو أنّ تحدثنا عن الوثائق البالغة عددها قرابة 750 وثيقة ، وموضوعات تلك الوثائق ؟ . في الحقيقة تقع الوثائق في الطابق الثاني من المبنى وتلكّ الوثائق تروي أحداث مراحل تاريخية هامة من بداية سنة 1900م وهى عبارة عن وثائق حكومية في أثناء الاحتلال الإنجليزي لعدن وحتى قيام الاستقلال الناجز سنة 1967م ، وكذلك إلى جانب الوثائق الذي ذكرناها قبل قليل . هناك عدد كبير من الدوريات ، والمجلات ، والصحف الصادرة في عدن على سبيل المثال صحيفة “ فتاة الجزيرة “ التي صدرت بحلول سنة 1940م وفي بداية صدورها ، كانت أسبوعية ، ولكنها بعد ذلك صدرت يوميًا في فترة الستينيات وصاحبها ورئيس تحريرها المناضل الأستاذ محمد علي لقمان والذي يعد رائد حركة التنوير في عدن بصورة خاصة و اليمن بصورة عامة ، وكان أيضًا له دور كبير في دعم حركة الأحرار اليمنيين وعلى رأسهم الشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري ، والأستاذ أحمد محمد نعمان ، والكاتب اللاذع عبد الوهاب الفضول ، من خلال نشر مقالاتهم ، في صفحات “ فتاة الجزيرة “ وغيرهم من المعارضين للنظام الإمامي المستبد . “ ، وهناك كذلك “ النهضة “ ، “ اليقظة “ الأولى صدرت في سنة 1950م وتوقفت عن الصدور سنة 1956م ، وأمّا الثانية ، فقد صدرت بداية سنة 1956م ، وكان صاحبهما ورئيس تحريرهما الأستاذ عبد الرحمن جرجرة وغيرها من الصحف والمجلات المختلفة التي صدرت في بداية الاربعينيات ، والخمسينيات ، والستينيات وحتى قيام الاستقلال . ويستطرد ، قائلاً : وإلى جانب هذا يحتوي المركز على النشرات الخاصة بالأحزاب أو بعبارة أدق بالجمعيات الثقافية والاجتماعية كالجمعية العدنية التي تأسست سنة 1949م والذي كان لها حضور واضح ومتميز في تلك الفترة التاريخية من ثغر عدن . ويسترسل : ويحتوي المركز أيضًا على مجلات، كانت لسان حال جبهة تحرير جنوب اليمن ( FL0SY )، وكانت تصدر من مكتبها في القاهرة في الجمهورية العربية المتحدة ( مصر ) ، وكانت تسمى ( الثورة ) صدرت سنة 1967م ، فضلاً عن ذلك كانت هناك نشرات أخرى تصدر من مكتب جبهة جنوب اليمن المحتل بالقاهرة أيضًا باسم (( صوت الثورة )) ، وكان تاريخ صدورها سنة 1967م , وهناك وثائق خاصة بالكفاح المسلح . [c1] كتب قيمة ونادرة[/c] ويمضي في حديثه : قلنا : سابقاً أنّ مكتبة المركز تضم في رفوفها قرابة ثلاثة ألف كتاب و غالبيتها كتب يمنية ، وقد يكون رقم 3000 ألف رقم صغير بالنسبة لبعض الناس الذين لديهم كتب بالآلف تملئها رفوف مكتبتهم في مختلف الموضوعات الإنسانية ، ولكن الحقيقة أنّ تلك الكتب التي تملأ مكتبة المركز ، تعود أهميتها إلى مضمونها الهام ولمزيد من التوضيح أنه يوجد كتاب في مكتبة المركز للشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري رائد الحركة اليمنية أهداه إلى الراحل المناضل إدريس حنبلة ، كتب فيه بخط يده بما معناه : “ إلى الأستاذ إدريس حنبلة الذي قضى شبابه في سجون الأستعمار ، وكان تاريخ الإهداء ( 21 صفر سنة 1383هـ الموافق 12 / 7 / 1963م ). وهذا إنّ دل على شيء فهو يدل على مدى ارتباط المناضل حنبلة بالحركة الوطنية اليمنية وعلاقته القوية بروادها أمثال الشاعر الشهيد الزبيري. ويضيف : وبجانب تلك الوثائق التي ذكرنا جزء منها توجد عدد من الكتب القيمة والنادرة التي تروي تاريخ عدن في فترة من فترات تاريخها على سبيل المثال : معالم عدن التاريخية لحمزة لقمان ، يوميات مبرشت لمؤلفه عبد الله أرسلان ، وقد أعادت جامعة عدن طباعته ، الأمثال العدنية لكاتبه عبد الله يعقوب خان . وتعد تلك المؤلفات من الكتب النادرة القليلة التي اختفت من على خريطة الحياة الثقافية اليمنية منذ زمن طويل . ويسترسل : بمناسبة ذكرى وفاة إدريس حنبلة في 20 / 12 / 1991م ، يقيم المركز من سبعة إلى عشرين من ديسمبر فعاليات ثقافية ، وندوات في الأدب ، والفنون ، وقضايا البحث العلمي والتوثيق وأولا وقبل كل شيء الحديث عن حياة الراحل حنبلة ومحطاته المختلفة الشعرية ، الاجتماعية ، والسياسية وغيرها من مآثره المشرقة .[c1] الباحثون الأجانب[/c] ما هو عدد الباحثين الذين يترددون على المركز ؟ .في الواقع يصل عدد طلبة الدراسات العليا الذين يزرون المركز في العام ما بين 3 إلى 5 ، والجدير بالذكر ، أنّ المركز يفتح أبوابه بعد الظهر في أيام الجمعة ، السبت ، الأحد ، والثلاثاء. ويضيف الأستاذ أحمد السعيد : لقد استفاد عدد غير قليل من الباحثين الأمريكيين ، وقد قدم إلى المركز باحث أمريكي اسمه Flagg Mileb ، واستغرق وقت ليس قصير في البحث والتنقيب في كتب الشعر الشعبي اليافعي في المكتبة ، وقد ألف كتاب بعنوان ( القصائد الشعبية اليافعية الاجتماعية ) وقد أرسل للمركز نسخة عرفانا وتقديرًا منه لمساعدة المركز له . وكذلك زار باحث أمريكي آخر المركز ــــ لا تسعفني الذاكرة عن ذكر اسمه ــــ وكانت دراسته بعنوان ( خطاب الإصلاح الديني في عدن ) . ويضيف : وإلى جانب هؤلاء الباحثين الأمريكيين ، زار عدد من طلاب الدراسات العليا في جامعة عدن ومنها على سبيل المثال الباحثة هناء عبد الكريم التي كانت تعد رسالة الماجستير، وكان عنوانها ( الجاليات الأجنبية في عدن من الاحتلال إلى الاستقلال ) . ومازال المركز يستقبل العديد من طلاب العلم ويعمل على تقديم كافة التسهيلات لهم لأداء أبحاثهم التاريخية ، الموضوعات الإنسانية المختلفة.[c1] الخلاصة[/c] لا يختلف اثنان بأنّ جامعة عدن تدعم مركز حنبلة للتوثيق بالمال ، وعرفت أنّ من هذا المال يتم سداد فواتير الكهرباء والهاتف منه وهى مبالغ بسيطة جدًا ، علمًا أنّ هاتف الفاكس لا يعمل ، وفي تلك الحالة فإن هناك مبلغ فائض في الإمكان استخدامه في عملية صيانة ، وترميم المركز من ناحية والعمل على أنّ يكون مركزًا يبرق ، ويلمع ، ويتألق بالنظافة ، والعمل على تجليد الوثائق ، والصحف ، والدوريات ، والكتب من ناحية ثالثة حتى لا تتناثر وتضيع أوراقها. ونرجو من الجامعة أنّ تمد المركز بأجهزة الكمبيوتر الحديثة بدلا من الأجهزة التي توقفت عن العمل بسبب انتهاء عمرها الافتراضي , وأنّ يعمل عليها بعض المختصين في تشغيل الكمبيوتر لإدخال الوثائق , والمراجع المكتوبة في ذاكرة الكمبيوتر وبذلك نحافظ على الوثائق من الضياع من ناحية ويسهل على الباحثين عليها بسهولة وبسرعة وذلك من خلال العمل على ترتيب وتنظيم الوثائق وفهرستها البالغ عددها أكثر من 750 وثيقة فضلاً عن 3000 كتاب يقبعون في رفوف مكتبة المركز بصورة ارتجالية ولن يتم ذلك إلا عبر الاستعانة بمتخصصين في المكتبات يعملون على تنظيم وفهرست الوثائق بصور ، والكتب في المركز بصورة شبه دائمة . أمّا في تلك الحالة المتردية والمزرية التي شاهدتها ولمستها بنفسي ، والتي سمعتها من الناس قبل مجيء إلى المركز ، فإن الوثائق النادرة والكتب القيمة ، والدوريات ، والصحف الهامة الذي جمعها المناضل الأستاذ إدريس حنبلة ستكون هباءً منثورة وبذلك يضيع جهده الكبير الذي وهب له حياته لتجميعها بغرض تأسيس مركز يكون إشعاع حضاري في اليمن ليعرف الأجيال الحالية والأجيال قادمة تاريخهم . ومن أجل أنّ يبقى هذا المركز يؤدي رسالته العلمية بصورة مستمرة وسليمة ، يجب أعادة النظر في أشياء كثيرة وهى على النحو التالي : الإسراع في أعادة بناء مبنى المركز الذي هو في حالة متردية ، فجدرانه متصدعة وإنّ لم تكن آيلة للسقوط ، وأنه لا يصلح في هذه الحالة المتردية والمزرية أنّ يكون مركزًا. ونحب الإشارة هنا بضرورة أنّ يكون تصميم المبنى على شكل مكتبة وبذلك نحافظ على كيان المركز من غوائل الزمن والفوضى العارمة التي تضرب كل ركن من أركانه حاليًا ـــ كما قلنا سابقاً ـــ . فالمركز هو ملك الأمة ، فهو ذاكرتها ، وتاريخها ، وهويتها . وأنني أكاد أجزم من إخلاص القائمين على المركز ولكن الحب وحده لا يكفي وإنما العمل الحقيقي والعلمي المدروس هو الذي سيحافظ على حياة المركز من الانقراض والفناء . الاستعانة بعدد من المتخصصين من الشباب في علم المكتبات أو المهتمين بالتوثيق من جامعة عدن أوالمكتبة الوطنية في عدن بإعادة تنظيم وفهرست الوثائق ، والدوريات ، والكتب في المركز. ولقد اقترحت ذلك في أثناء حديثي مع الأستاذ القدير أحمد سعيد ، فإذا به يقول بما معناه : “ أنّ هذا الاقتراح من الصعب تنفيذه لأنه لا يريد أنّ يطلع أحد على تلك الوثائق الهامة “ . ولا تعقيب على هذا الكلام ! . ومرة أخرى أنه من العبث أنّ نترك هذا المركز يسقط في قيعان الفوضى والضياع والاندثار ، وكما قلنا سابقاً أنّ مركز حنبلة للتوثيق هو ذاكرة الأمة. ولا نبالغ إذا قلنا إن الحفاظ على المركز هو الحفاظ أيضًا على تراث المناضل الراحل إدريس حنبلة الذي وهب حياته لبلاده وتاريخها العريق الأصيل . ومن الأمور العاجلة والتي لا تنتظر هو الإسراع بتجليد الوثائق المتنوعة والتي تبلغ نحو 750 وثيقة ، وكذلك تجليد الكتب والذي الكثير منها مهتريء ومتآكل ، وعدد منها لم يعد صالحًا للقراءة مثل كتاب عن حياة الراحل إدريس حنبلة والذي أصابه البلل . ولقد شاهدته قابعًا وحيدًا يتيمًا على الطاولة الوحيدة والذي تغطيها أكثر وجهها صحف ممزقة ، ودوريات متآكلة ، وأجهزة كمبيوتر شرب عليها الدهر وأكل والغبار والأتربة ، الفوضى تزحف في كل كان في المركز . فعلى المسئولين في المركز الإسراع في الحال بتجليد الوثائق الورقية من ناحية وشراء المواد الذي تحافظ عليها من حشرات القرضة من ناحية أخرى . ومن أجل انتشال مركز حنبلة للتوثيق من أوضاع المتردية التي شاهدناها ولمسناها عن قرب نقترح على جامعة عدن أنّ يكون المركز تحت أشرافها المباشر وبتلك الطريقة سيؤدي المركز رسالته العليمة بصورة دائمة ومستمرة على أجمل وأكمل وجه .شاعر ثائر عشق اليمن فعشقته أنصهر بها ، وانصهرت به فصارا كياناً واحدًا ، سحر تاريخها عقله ، كان تاريخها يدغدغ مشاعره وإحساسه ووجدانه إنه الشاعر الكبير إدريس حنبلة . كانت أشعاره الوطنية إبان الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني في عدن تؤجج روح الثورة وتلهب الحماس بين صفوف الجماهير المتطلعة إلى الخلاص من براثن الظلم والظالمين ومن يقرأ قصائد شعره كالأفق الملتهب، من خلف القضبان ، وأجراس الحرية وغيرها سيلفت نظره مدى تقديسه وإيمانه العميق للحرية .
|
تاريخ
مركز إدريس حنبلة للتوثيق في مهب الريح !
أخبار متعلقة