لقاء القمة بين بن سعد والجابري برائعة جوال
عصام خليدي يااللي عيونك ليل *** سهرانه ما بتنام تمسي دموعك سيل *** من شدة الآلام جوال ما بشتكي *** غدر الزمان لو جار جوال وعمري وانا *** زي الفلك دوارما همني الشوق *** يكويني ولا النار ***جوال باكمل المشوار***قدم الفنان محمد سعد عبدالله في آخر ( البوماته الغنائية ) في ( التسعينات) عملين رائعين من كلمات الاديب والشاعر المرهف احمد الجابري وهما بعنوان 1- جوال 2- ليش استويت حساس وفي الواقع ان الحديث عن هذه التجربة الفنية المتميزة للعملاقين جديرة بالبحث والدراسة لاسباب كثيرة اهمها ان اغنية ( جوال ) بعد الحديث عن جمال القصيدة التي تعتبر موضوعاًَ انسانياً ما تطرق اليه وتناوله الاستاذ احمد الجابري باقتدار وبصياغة لغوية راقية جداً وصور شعرية أخاذة لا مست وجدان ومشاعر كل من استمع اليها وكان كعادتنا به معلماً واستاذاً في اختياراته الانسانية والابداعية . اما ما يتعلق بالجانب الغنائي الموسيقي لهذه الاغنية ( جوال ) فانها من وجهة نظري ( تحفة فنية ) لما نجد لها ( شبه او مثيل ) اذ انها تعد بمستواها الموسيقي والغنائي " منعطفاً غنائياً موسيقياً هاماً وخطيراً في مسار تجربة الفنان محمد سعد عبدالله بشكل عام " . فقد فاجأني بن سعد في ( جوال ) بنضوج موسيقي فيه خصوبة وثراء واهتمام كبير واضح شمل كل التفاصيل والجزئيات الموسيقية التي استند عليها في بناء هذا اللحن البديع الذي لحنه على مقام ( الراست على درجة الدو) في المذهب ثم ينتقل بنا بعذوبة ويسر من مقام الى مقام آخر في الكوبليهات محافظاً على وحدة بناء نغمي موسيقي يتجدد بأسلوب رائع بديع في غاية الترابط والتماسك ينم عن خبرة وحنكة مكنته من هذا الاشتغال الفني غير المعهود بدءاً بالمقدمة ثم الموال والمذهب ومروراً بالكوبليهات المتعددة بالاضافة للمستوى الفني الرفيع في ( اللازمات ) الموسيقية المصاحبة للاداء الصوتي اثناء الغناء بشكل عام ويمكننا ان ندرك ذلك الجهد والاشتغال المبهر بالمقدمة الموسيقية غير المصاحبة للايقاع ( الادليب ) ومن ثم غناؤه المعبر في الموال وقدرته الفائقة في ترجمة كلمة ( جوال ) وما يليها في النص الغنائي في سياقات ودلالات غنائية موسيقية متدفقة فيقول في مطلعها : قلبي مع الشوق *** في درب الهوى جوال وانا مع الشوق *** في درب الهوى جوال بمشي لآخر مدى *** بعمري وانا جوال ما همني الشوق *** يكويني ولا النار ***جوال باكمل المشوار ***وفي الحقيقة ان هذه الاغنية الجميلة لا يمكن ان نعطيها حقها في الوصف والتعبير لانها تتجاوز بقيمتها وجمالها كل الاوصاف فالاغنية لحنت في المذهب على مقام ( الراست على درجة الدو ) وبها ينتقل بانسياب نغمي رائع الى مقام ( الحجاز على درجة الصول ) ليعود مرة اخرى الى مقام ( الراست على الدو ) وفي الكوبليه ( الثالث الاخير ) ثم ينتقل الى مقام ( البيات على درجة الصول ) ثم ينتقل الى مقام ( الراست ) ومنه الى مقام ( الحجاز على الصول ) ليعود مرة اخرى الى المقام الاصلي ( الراست على درجة الدو ) وقد اختار الاستاذ محمد سعد عبدالله لهذه الاغنية ايقاع ( الرومبا المقسوم ) ولا يفوتني الاشارة والتأكيد على اهمية اللازمات الموسيقية في هذا اللحن ( غير المتوقعة والخارجة عن المألوف ) والتي كان لها أثر وحضور فاعل خدم اللحن بشكل مميز جذاب خاصة في المقطع الثالث الذي يقول فيه الاستاذ احمد الجابري بكلماته الرائعة ويعيد صياغتها بن سعد نغماً صافياً رقراقاً يصل الى شغاف القلب نتذكر من هذه الابيات المؤثرة ما يلي: ياللي عيونك ليل سهرانه ما بتنام تمسي دموعك سيل من شدة الآلام جوال ما بشتكي غدر الزمان لو جار جوال وعمري وانا زي الفلك دوار ما همني الشوق يكويني ولا النار جوال باكمل المشوار وللامانة ان الاستاذين احمد الجابري ومحمد سعد عبدالله قد جسدا معاناتهما في الغربة بأسلوب جميل صادق رقيق يحرك المشاعر والاحاسيس ( فيبكيها ) . بالمناسبة هذا العمل الجميل الرائع لم يحظ اعلامياً بما يستحقه من اهتمام لانه لم يعرض ولم يبث في اجهزة الاعلام ( التلفزيون والاذاعة في قناتي صنعاء وعدن ) رغم تسجيله بطريقة حديثة نفذها المخرج المبدع جميل علي عبيد تلفزيونياً على اكمل وجه وصوره منذ وقت طويل ولكن السؤال من يستطيع ان يدرك قيمة ومستوى مثل هذه الاعمال الخالدة التي جاءت في الزمن الضائع ؟! في الختام لا يسعني الا ان ادعو كل عشاق الفن والطرب الاصيل لسماع ( جوال ) والاستمتاع بعوالم السحر والجمال .