حين يكون المرء من ذوي الدخل المحدود والمحدود جدّاً لا يبالي كثيراً بمدى اختلاف ما يستخدمه من مواد مستهلكة من مآكل وملابس وأدوات زينة عن الأصليّ. حين يكون كذلك فحاله كحال رنا التي لا تبالي بتاتاً باختلاف العطر المركّب الذي تستخدمه عن الأصلي ذي الثمن المرتفع والذي يعادل أكثر من ثلث معاشها الشهري.هكذا هي الحياة إذاً حين يكون المرء كذلك.. ورنا وإن كانت نموذجاً واحداً فهي كالباقين في مدينتها لا تعرف ولم تتعرّف بعد بأيّ شيء أصليّ يدور في محيطها وبيئتها الموسومة بالفقر والإهمال منذ الأزل. [c1]عطورات[/c]على الرغم من تأسيس لجنة حكومية لملاحقة المخالفات المرتكبة بشأن تقليد البضائع والعمل الذي قامت به في هذا الشأن حيث وزّعت هداياها على عدد كبير من التجّار، وعلى الرغم من الدوريات التي تقوم بها فرق الجمارك اللبنانية لضبط مثل تلك البضائع فإنّ الإنتشار الفظيع للبضائع المقلّدة في الأسواق اللبنانية ككلّ خصوصاً في أسواق بيروت وضواحيها العديدة يفشل بشكل كبير الخطوات التي قامت بها الدولة لضبط هذا القطاع."وأين المخالفة في هذا الشأن!؟" يتساءل فهد الذي يملك محلاًّ صغيراً لتركيب العطور في الضاحية الجنوبية بشكل يدلّ على دهشته. يمتلئ المحلّ الصغير بعدد كبير من القناني وضعت بعناية على الرفوف الملتفّة فيه. كلّ واحدة من هذه القناني تحمل اسماً لعطر عالميّ شهير؛ "فيرساتشي، كينزو، كاشاريل، هوغو، بوس، أديداس؛ جيفنشي، كريستيان ديور، ديون، وهنالك المزيد". يتحدّث فهد عن تجارته التي تربحه بشكل جيّد "وتضع العطور العالمية في متناول الفقراء". أمّا عن أسعار العطور التي يركّبها فهد عن طريق مزج "أسانس العطر بالسبيرتو والماء المعالج" فهي تتوحّد مهما ارتفع أو انخفض سعر العبوة الأصلية؛ "فالقنينة الصغيرة بثلاثة آلاف ليرة (2 دولار) والمتوسّطة بخمسة آلاف والكبيرة بعشرة آلاف ليرة لبنانية". ولا ينسى فهد قبل تقديم القنينة للزبون أن يسدي إليه نصيحة مجانية؛ "ضعها في البرّاد يوماً أو يومين ثمّ استعملها بعدها" يبتسم فهد ويردّ على تساؤلنا؛ "لتثبيت العطر وتقريبه مئة بالمئة من الأصلي".أمّا يوسف الطالب الجامعي الذي يشتري مثل هذه الأنواع من العطور فإنه مقتنع تماماً بجودتها؛ "عن خبرة". فهو كان يستعمل إحدى ماركات العطور العالمية التي يبلغ ثمن قنينتها ستين دولاراً. يوسف احتفظ بالقنينة الأخيرة التي ابتاعها من ذلك العطر وجعل يعبّئها لدى فهد من وقت إلى آخر بعشرين ألف ليرة لا غير. هو يفضّل الآن تلك الأنواع على الرغم من عدم تطابقها الكامل بالأصليّة؛ "أوّلاً أستطيع الرشّ قدر ما أشاء دون خوف الإسراف، ثانياً رخيصة، وثالثاً وطنية!" يهزأ يوسف. [c1]أقراص مدمجةعطور مقلدة _ خاص ايلاف [/c]حسين على العكس من فهد متأكّد تماماً أنّ تجارته ممنوعة. وليس أدلّ على ذلك التأكّد من المخالفة التي سجّلتها الجمارك بحقّه؛ "ألفين دولار وصادروا البضاعة". أمّا البضاعة التي يتحدّث حسين عنها فهي جميع أنواع الأقراص المدمجة الممكن إنتاجها واستيرادها من "دي في دي وفي سي دي أفلام، وأغاني أم بي ثري ومسرحيات وبرامج وألعاب كومبيوتر وألعاب بلاي ستايشن وإكس بوكس". يقوم حسين بنسخ مئات من الأقراص عن النسخة الأصلية؛ "أو شبه الأصلية حيث هي منسوخة أصلاً في ماليزيا" ليغرق بها جزءاً من السوق في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث الجهة الأشدّ بعداً عن الرقابة الحكومية.حسين يؤكّد على الربح الكبير الذي تعيده إليه صناعته وتجارته على حدّ سواء لكنّه يبدي تخوّفاً من محاضر الضبط خاصة أنّه أصيب بحروقها مرّة. أمّا بالنسبة لزبائنه فهو يعتبرهم من كلّ الفئات التي "تهدف إلى التوفير.. لا محدودي الحال فحسب". ويبرز حسين في هذا الإطار السعر الذي قد تصل إليه النسخة الأصلية من القرص المدمج؛ "الفيلم الأصلي يصل إلى الأربعين دولاراً ولعبة البلاي ستايشن إلى المئة دولار أمّا برنامج الكومبيوتر فقد يصل إلى الألف دولار أحياناً" يتحدّث حسين الذي لا تتجاوز قيمة أيّ من أقراصه المدمجة حاجز الخمسة عشر ألف ليرة (10 دولار).علي زبون دائم لدى حسين. هو يملك محلاً للألعاب "بلاي ستايشن 2 ونت وورك". يشتري علي شهرياً "أكثر من مئة سي دي". فعمله يتطلّب منه ملاحقة كلّ الألعاب الحديثة التي يؤمّنها حسين باستمرار؛ "إذا ما عملنا هيك يذهب الصغار للعب في محلّ آخر". تصل قيمة الفاتورة الشهرية لعلي لدى حسين إلى أكثر من ثلاثمئة دولار أمريكيّ ومع ذلك هو راض تماماً؛ "لو أردت شراء الأصلي كنت ما فتحت المحلّ أصلاً! من أين سآتي بالرأسمال المطلوب!؟" يقول علي برضا. [c1]ملابس وأحذية[/c]فاروق أيضاً يبيع بضائع مقلّدة؛ "لكنّ التقليد من المصدر" يبرّئ فاروق نفسه. من يدخل محلّ فاروق يغرق في بحر من الملابس المعلّقة على العواميد الخاصة أمّا الجدران فقد احتلتها مجموعة كبيرة من الأحذية الرسمية والرياضية على حدّ سواء. معظم بضائع فاروق يستوردها من الصين لكن هنالك مصادر أخرى بعضها "من لبنان أو من سوريا". والغريب في مثل هذه البضائع استخدام شعارات العلامات التجارية الأصلية؛ "أديداس، نايك، بوما، ريبوك، ديادورا" يردّد فاروق لزبائنه تلك الماركات يومياً وهو يحلف على شرفه أنّها أصليّة ويصدّق كذبته بعض الأحيان. بعض هذه الشعارات يستخدم كما هو أمّا البعض الآخر فيغيّر في بعض حروفه ويحرّف لا غير "كالبضائع التي تأتي من سوريا" فتصبح الأديداس إزاء ذلك أبيداس أو أندليباس أو حتى أبيدوس وهكذا.زبائن فاروق من مختلف الأعمار لكنّهم يقتصرون على الفئات الشعبية لرخص الأسعار لكنّ أحمد الشاب العشرينيّ يعترف أنّ هذا الرخص يتناسب تماماً مع "عدم جودة الحذاء". لكنّ أحمد مع ذلك يبتاع من وقت إلى آخر تلك البضائع؛ "فالحالة تعبانة والبضاعة الجيّدة سعرها غالي". يسرّ أنّه يملك حذاءً غالياً اشتراه من الحمرا بمئة دولار "وقت الحسومات لكن لا أنتعله سوى في المناسبات أمّا باقي الأيّام فهذا هو المتوفّر" يشير إلى حذاء يعاينه.الغريب بخصوص الملابس أنّ النسائية من بينها رخيصة للغاية على عكس الرجالية. هذا الأمر يردّه فاروق إلى كثرة المصادر التي تصنّع مثل هذه الملابس؛ "فالضاحية الجنوبية تمتلئ بمعامل الخياطة النسائية التي تروّج انتاجها لدينا". وتؤدّي الحالة هذه إلى تهافت أعداد كبيرة من النساء والفتيات إلى تلك المحال. ساميا واحدة من تلك الفتيات. ساميا تقدم على شراء تلك الملابس ولو أنّ راتبها الشهريّ يتيح لها رفع النوعية حيث تتقاضى خمسمئة دولار عن عملها مدرّسة في إحدى مدارس الضاحية الجنوبية. لكنّها تبرّر ذلك بشكل منطقي يتعلّق بالتنويع والكمّية؛ "هنا أستطيع التغيير على مدار الأسبوع ولو أنّ البضاعة رخيصة! فأنا أختار الموديلات الأقرب إلى الموضة السائدة حالياً" تقول ساميا التي على الموضة.تلك ثلاثة أنواع من البضائع المقلّدة المنتشرة في لبنان بأكمله والخارجة عن السيطرة الحكومية معظم الأحيان. ومع أنّ موضوعنا قد اختصّ بتلك الأنواع لأنّها تعدّ الأكثر شبابية فإنّ بضائع مقلّدة أخرى تمتدّ إلى مختلف القطاعات كالمواد الغذائية ومواد التنظيف والإلكترونيات والكومبيوتر وقطع السيّارات. ربّما هي صفة دائمة التصقت بلبنان كبلد للقرصنة لكنّ لذلك فوائد عديدة أقلّها استفادة الفقراء أيضاً من مختلف السلع التجارية ولو عن طريق التقليد.
شباب يستهلك سلعاً مقلدة
أخبار متعلقة