أضواء
مثّل الجدار الذي كسره المحاصرون في غزة قبل أسبوع تحولاً هاماً في الوضع الاستراتيجي للتنافس بين الفصائل الفلسطينية وتداعيات ذلك على مستقبل القطاع نفسه. فقد استغلت حركة حماس منذ اليوم الأول لكسر الجدار الوضع السياسي الجديد ودعت إلى حوار مستجدّ مع السلطة الوطنية الفلسطينية ومع مصر، للتباحث حول إدارة المعابر الخاصة بالقطاع.ودعا الرئيس الفلسطيني بدوره إلى أن تتسلّم السلطة الوطنية مسؤولية إدارة جميع المعابر، بما فيها معبر رفح الواصل بين سيناء وقطاع غزة. ويبدو أنه حصل على موافقة مبدئية من اللجنة الرباعية الدولية، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي رفض أن تكون حماس مسؤولة، ولو جزئياً عن إدارة هذا المعبر أو غيره من المعابر التي تربط بين القطاع وإسرائيل لأن ذلك يمكن أن يفسر داخل إسرائيل بأنه اعتراف رسمي بالحركة، والتي تسمها إسرائيل والولايات المتحدة بأنها حركة إرهابية.ولكن الوضع الجديد في غزة، فرض معطيات جديدة. ففي داخل إسرائيل نفسها حملت بعض الصحف الإسرائيلية على أولمرت وباراك وحكومتهما وحمّلتهما المسؤولية عن المجاعة التي حلّت بالقطاع، واعتبرتهما مسؤولين عن المأساة التي أحاطت بالفلسطينيين جراء انقطاع الكهرباء والغذاء عن السكان المحاصرين. وذهبت بعض التحليلات الإسرائيلية إلى أبعد من ذلك، حين اعتبرت أن هناك كارثة مائية مستقبلية ستحل بالقطاع، نظراً لشح الموارد المائية فيه، والطلب الهائل على مياه الشرب والمياه المستخدمة في الزراعة . وزيادة ملوحة المياه الجوفية في غزه نظراً لقربها من البحر المتوسط، ومعدلات الاستنزاف الكبيرة للمياه الجوفية الحلوة.ورأت أن اندفاع سكان القطاع مستقبلياً لن يكون باتجاه مصر ولكن باتجاه إسرائيل، لأن المياه الحلوة متوافرة على حدودها مع قطاع غزه . وحينئذ لن يتمكن الجنود الإسرائيليون من إطلاق النار على الجماهير الغاضبة العطشى المندفعة من القطاع تبحث عن ماء للشرب خلف حدودها مع إسرائيل .إذاً خلق الوضع المأساوي في غزه وكسر الحصار معطيات جديدة على المسرح السياسي، وحمل ذلك بعض الفرص والتحديات التي لم تكن حاضرة وبشكل ملحّ قبل هذه التحولات. فبعد أكثر من عام ونيف من الانقطاع في التواصل بين حركتي حماس وفتح، بات موضوع التفاوض والحوار بينهما أمراً ملحّاً. ونشطت المساعي الدبلوماسية السعودية لإعادة جسور التفاهم بين الطرفين بناءً على اتفاق مكة المعطّل، أو المجّمد . وبات على الأطراف العربية أن تعيد اللحمة بين الفلسطينيين أنفسهم، وبناءً عليه يمكن إعادة سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية على المعابر التي تربط القطاع بالعالم . ويجب أن يقترن ذلك برفع الحصار عن غزة، وإعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية تلعب فيها حركة حماس دوراً ثانوياً، وليس رئيسياً كما كانت تفعل من قبل .ومثل هذا الطرح ليس في مصلحة فتح أو السلطة الوطنية فحسب، بل هو في مصلحة جميع الفلسطينيين . فالبدائل الإسرائيلية القديمة تتمثل في إعادة ربط القطاع بمصر، وجعلها مرتبطة به، وإعادة ربط الضفة الغربية بالأردن، وإلحاقها كذلك به.وهذا يعني عملياً انتهاء الحلم الفلسطيني بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة والعودة إلى الحالة السابقة لحرب عام 1967م، بعد أن تنتزع إسرائيل مدينة القدس، وقطاعات أرضية واسعة في الضفة الغربية لإقامة مستوطناتها عليها.ولحسن الحظ أن الحكومة المصرية قد قبلت بعد تردد بقاء حدودها مفتوحة مع غزة لأسباب إنسانية بحتة، بعد أن كادت أن تغلق ذلك المعبر.وبانتظار مزيد من التطورات، فلا بديل لدى الفلسطينيين سوى الحوار والاتحاد معاً، من أجل بناء وحدة وطنية حقيقية تربط بين الضفة والقطاع، بدلاً من الوضع المشوه القائم اليوم، والذي نرى فيه حكومتين فلسطينيتين إحداهما في رام الله، وتحظى باعتراف دولي، والأخرى في غزه، وتعاني من مقاطعة دولية وإسرائيلية شاملة.ولن تكون مثل هذه الحلول الوسطى سهلة لكلا الفصيلين الفلسطينيين المتنافسين، فالبديل هو التضحية بمصير الأرض الفلسطينية وملايين الفلسطينيين، ومستقبل الدولة الموعودة.لهذا فهناك أمل بنجاح الوساطتين السعودية والمصرية الحالية بين الفلسطينيين . ويعني هذا أن تنضم حماس إلى العملية السلمية، وتعطي موافقتها على مبدأ إنشاء دولتين إحداهما فلسطينية والأخرى إسرائيلية . لأنه بدون هذا التنازل السياسي، لا يمكن أن تُقبل حركة حماس كجزء من دولة فلسطينية بديلة . والسياسة في النهاية هي عمل الممكن، ولن يكون من السهل على حماس التخلّي عن برنامجها السياسي، والقبول ببرنامج سياسي بديل . ولكن القبول بحماس كجزء من حكومة فلسطينية معترف بها يتطلب منها التخلي عن فكر الحركة أو الحزب، والتحول إلى فكر الحكومة أو الدولة.[c1]عن / صحيفة «عكاظ» السعودية[/c]