أضواء
بعد أن كان في الماضي حالات خاصة أو منفردة في الصومال أو السودان... أصبح التشرذم العربي بنداً يومياً في العراق ولبنان واليمن... ويبدو أن هذا التشرذم لا يتصدر نشرات أخبارنا فقط بل أصبح بنداً أساسياً في أجهزة الإعلام الخارجية.فقد جاءني خطاب أخير من أحد الأصدقاء الأجانب يسأل ويتساءل عن “أحوال الوطن العربي”، ولم يقصد الرجل أية سخرية بهذه التسمية، فقد كانت نقاشاتنا دائماً عن “الوطن العربي”، ورغم أنه لا ينتمي عرقياً إلى العرب، فإنه يتعاطف مع ما يسميه “ثورة المستضعفين” و”كفاح المستغَلين”. فقد قرأ وتأمل المجلدات الأربعة لتقارير التنمية الإنسانية العربية منذ بدء صدورها عام 2002، أي ما يقارب 1000 صفحة، وتأمل في رسومها البيانية وجداولها، وألقى المحاضرات في بلده يُحيّي ويشجع هذا المجهود من جانب الباحثين والمفكرين العرب، وإصرارهم على النظر داخل مجتمعهم لاكتشاف عناصر ضعفه بغية مواجهتها وإصلاحها. تأثر صديقي تأثراً كبيراً بما أسمته هذه التقارير الأربعة أوجه النقص أو العجز العربي الثلاثة: النقص في الحرية، في إرساء مجتمع المعرفة، ثم في وضع المرأة. شعر هذا الصديق -كغيره من الأجانب المتعاطفين مع قضايانا- أن هذه التقارير وضعت تشخيصاً واضحاً لأمراض هذه المنطقة، وبالتالي اقتربنا من إيجاد الدواء لمواجهة الداء، ومن هنا خيبة أمله فيما يحدث الآن، فنحن لسنا على طريق الدواء والإصلاح، بل يبدو أن مشاكلنا تزداد وتتفاقم.والحقيقة أن تساؤلات هذا الصديق المتابع لأحوالنا من الخارج، لم تكن مفاجئة، لكنها أثارت صعوبة الإجابة الواضحة والمختصرة، وقد يكون موضوع البحث عن الإجابة محل نقاش على صفحات جريدة “الاتحاد” أو حتى في إحدى ورش العمل التي تُعقد بين الحين والآخر، أو حتى في ملتقى كتّاب “وجهات نظر” الذي أصبح تقليداً سنوياً. ولتنظيم البحث عن إجابة لهذا التشرذم السرطاني، يجب أن يكون السؤال واضحاً؛ فمثلاً: هل الأزمة العربية أزمة دولة أم أزمة مجتمع؟ هل هي أزمة السلطة السياسية التي هي بوصلة التوجه والإرشاد، أم أزمة هيكلية في المجتمع وأنماط تفكيره؟قد يقول قائل، إن “الوطن العربي” تطور وتنوع في اتجاهات متعددة، إلى درجة أنه يصعب التعميم على أجزائه المختلفة. وهذا صحيح في مجمله، فهناك مثلاً الدول البترولية الغنية، بينما يزداد عدد من يعيشون على أقل من دولار في اليوم في المغرب أو حتى في مصر، ناهيك عن السودان وموريتانيا واليمن والصومال وجيبوتي وجزر القمر. ومع ذلك فإن التشرذم أصبح عاملاً مشتركاً في الأجزاء المختلفة من “الوطن العربي” رغم تعدد صوره. ولتأكيد ذلك، يكفي أن ننظر إلى ما يحدث في الكويت، ليس فقط أثناء الحملة الانتخابية الحالية أو حتى في داخل أروقة مجلس الأمة، ولكن قبل ذلك بأعوام في محاولة هذه الدولة البحث عن صيغة ملائمة وفعالة للتحول من مجتمع قبلي إلى نظام حكم ديمقراطي حديث.قد تكون الأزمة مركبة، أي أزمة دولة وأزمة مجتمع في الوقت نفسه، وعلى عدة مستويات في كل منهما، ثم يتغذى كل مستوى على الآخر ليفاقم التأزم ويُصعِّده، فيكون السؤال إذن هو: كيف نكسر حلقة الدائرة الجهنمية لوقف التفاقم والتصعيد؟![c1]* صحيفة ( الاتحاد) الإماراتية[/c]