لا أظن أن دعوة فخامة رئيس الجمهورية ستمر دون استثمارها والاستفادة منها من قبل المعارضة نظراَ لما حملته تلك الدعوة من رؤى سياسية وطنية طموحة وواقعية تستهدف بمجملها تصحيح المسار واستعادة الحياة السياسية المتوازنة و المستوعبة لجملة من المشاكل الاقتصادية والسياسية «الخلافية» إلى جانب المشكلة المتعلقة بالبنية الاجتماعية التي باتت جاذبة للمتمصلحين والمتآمرين على الوطن ووحدته وأمنه واستقراره ولهذا كان على الرئيس تحريك المياه الراكدة وإذابة الجليد في أحواض السياسة اليمنية ولهذا يفترض على مختلف الأطياف السياسية في الساحة اليمنية التجاوب وهو ما بدأ يلوح على الأفق بتجاوب البعض ولو أنه تجاوب بحذر..يأتي ذلك بترحيب اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني في بيانها الصادر عن دورتها الاعتيادية الثامنة التي انتهت مؤخر,وتأكيدها أن الحوار خيار لا حيدة عنه في معالجة الأزمات والمشاكل والبحث عن الصيغ التي تحقق تكاتف الجميع في مواجهتها وقالت أنه بات من الضروري أن تلتفت كافة القوى السياسية والاجتماعية إلى مسؤولياتها لمواجهة الأزمة والمخاطر المحدقة باليمن وحفظ البلد من الضياع والتشرذم .كلام جميل رغم أن أحزاب اللقاء المشترك كانت حذرة جداً في ردها على المبادرة ,إلا أن مصادر مطلعة تتحدث أنها - قيادات أحزاب (المشترك) - طلبت لقاء الرئيس للمشاورة في موعد بدء الحوار ومناقشة أولويات قضاياه وهو موقف ايجابي يمكن أن نستشف منه زحزحة أزمة الثقة بين الفر قاء- سلطة ومعارضة- لتجاوز الاختلافات السياسية التي عطلت الحياة اليمنية وألقت بظلالها السلبية على حاضر ومستقبل البلد .من هناء يحسب لفخامة الرئيس مبادرته الوطنية التي يعقد عليها المواطن آمالاً عريضة في انفراج الأزمة وتفكيك الأوضاع المعقدة لتعود الحياة إلى ما كانت عليه ، فضلاً أنها ستسد ثغرات كان المتربصون يعقدون وما يزالون يحيكون مؤامراتهم منها ضد وحدة اليمن وأمنه واستقراره ,ولأن الأوضاع السياسية لم تعد تتحمل مزيد من الغوغائية وإقصاء الآخرين وتهميش دورهم كان على هذه القوى الالتفاف الايجابي حول الدعوات الرئاسية المتكررة للحوار والتوصل لنقاط أساسية وليست هامشية وبما يؤهل كافة القوى للسير معاً نحو بناء الوطن والحفاظ على مكتسباته ولا يكون ذلك إلا بالعودة إلى طاولة الحوار تحت مظلة الدستور والقانون لتنفيذ اتفاق فبراير 2009 الذي أبرم بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك والذي بموجبه أجلت الانتخابات النيابية لعامين بالتمديد لمجلس النواب لتتمكن القوى السياسية الممثلة بالمجلس من التحاور والتوصل لنقاط جوهرية وأساسية وبما يؤدي إلى إصلاح المنظومة الانتخابية التي طال حولها الاختلاف كثيراً حتى أنها صارت لبعض القوى أشبه بمسمار جحا.الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع- سلطة ومعارضة- أن الساحة السياسية اليمنية باتت تبرهن يوماً إثر آخر على غياب النضج السياسي الديمقراطي من رؤى و منهجية مختلف القوى السياسية، وان كان هذا الغياب نسبيا ومتفاوتا من طرف لآخر،ذلك الغياب تؤكده شواهد ومواقف وبرامج - إن جاز لنا تسميتها بذلك-بعض « الأحزاب» السياسية- المتواجدة اسماَ وليس فعلاَ - في الساحة السياسية اليمنية كون فهمها لمنهج الديمقراطية لم يأت من بوابة اقتناعها بمبدأ المشاركة الفاعلة مع المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتواجدة في الواقع الوطني بل جاء عن طريق النافذة ودون إدراك لماهية الأدوار الوطنية المفترض أن تحشد لها مما أفقدها ولازالت تفتقد للأسف لأبسط شروط وحتمية تواجدها و ايجابيتها - كأداة تغييرية فاعلة على المكون الوطني دون استثناء.وإذا ما استقرأنا خلفيات الفشل الواقع على الفعل السياسي من قبل بعض الأحزاب منذ عام 1990 عندما ارتبط إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بالنهج الديمقراطي كإطار حضاري وقيمي وحصن حصين يحافظ على الوحدة ويقوي النسيج الاجتماعي تحت مظلة الدستور والثوابت الوطنية والقانون بمشاركة مختلف القوى بارتباطاتها الوطنية كل من موقعه ، حينها بدأت أعين بعض أحزاب المعارضة وغرائزها تسابق العقل والمنطق صوب حلمها الرئيس والوحيد المتمثل بالوصول إلى كرسي الحكم وبأساليب وطرق وآليات تتنافى مع القيم الديمقراطية التي تضمنها الدستور وكفلتها القوانين، الأمر الذي جعل من الاختلاف والابتعاد بين مكونات الفعل السياسي هو السائد فيما صار الاتفاق هو الاستثناء وما يؤكد ما ذهبنا إليه حديث بعض قيادات المعارضة مؤخراً بعقيدة جديدة في الحياة السياسية اليمنية عنوانها الرئيس إسقاط النظام: « لماذا نساعد نظاما آيلا للسقوط بالحوار معه؟» أليس هذا الحديث يعد خروجا عن الدستور ومحاولة يائسة للدفع بالوطن وأمنه واستقراره إلى أتون الصراعات والفوضى .. وهل تلك الرؤى هي كل ما استطاعت إن تأتي بها هذه الأحزاب التي أغلقت على نفسها في منطقة مظلمة أبت إلا أن تتقوقع في دهاليزها المسكونة بأشباح الماضي الشمولي وأفكار ورؤى تقليدية تجاوزها الزمن وفتتتها عوامل التغيير المرتبطة بصيرورة التطور والرقي الذي تميزبه الإنسان عن باقي مخلوقات الله.فمتى يفهم هؤلاء مخاطر ما يذهبون إليه ، ومتى سيعملون من أجل أن تستعيد الوحدة ألقها ومن أجل إنقاذ الوطن من المخاطر التي تتهدده وتهدد السلم الأهلي فيه وهل ننتظر منهم اللجوء إلى الحوار مع الحزب الحاكم والاستفادة من ما حمله خطاب الرئيس الذي يجاهد للمرة الألف لخلق الأجواء التصالحية بين الفرقاء لعل وعسى تعود تلك القوى إلى وعيها وان تدرك أن سقوط النظام الذي لن يسقط بفعل الوضوح والمنطق الذي يسير عليه قد صار سياجا منيعا لحماية الوطن ووحدته المباركة ومعه كل الجماهير اليمنية- وان سقط يا هؤلاء الموتورين فإنه لاشك سيسقط على الجميع بمن فيهم انتم أيها الأذكياء وكفاكم تخريفا.
كونوا مع الوطن لا ضده
أخبار متعلقة