كنت قد وليت وجهي نحو الجهة المقابلة لبوابة مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة والطباعة والنشر في ذلك الوقت المتأخر من الليل في مقياسي شخصياً، حتى أقف على قارعة الطريق بانتظار حافلة تقلني إلى مدينة الشيخ عثمان، قبيل أن أعبر الطريق ، كان الابن الزميل والصحفي اليافع عبدالرحمن أنيس ، يناديني كعادته للاطمئنان وبأسلوبه المرن خفيف الظل ويسألني عن غياب كتاباتي الصحفية، وبا شارة ضمنية لايتوقف الصحفي عن الكتابة مهما كبرت مسؤولياته أو كبر سنه ، وبعبارة أخرى ( ياعواجيز ) صحيفة أكتوبر لابد أن تستمر علاقتكم بالعلم والورق والقراء. كانت تلك العبارة الجميلة التي قالها بابتسامته المعهودة وأسلوبه الجميل قد هيجت لواعجي للكتابة رغم الصراع النفسي الذي قاسته ذاتي والتساؤلات التي دارت في خاطري عن أي اتجاه سأكتب وأي فئة ستتلقى هذا النتاج وهل سأصيب الهدف الذي كتبت من أجله وهل فئة الشباب وشرائح أخرى في المجتمع ستتفاعل مع ذلك، أي أن الرسالة التي أردت إيصالها لمجموع المتلقين هل ستكون مقبولة أم لا؟. ومن هذا المنطلق الذي ينطلق منه أي كاتب صحفي أثناء كتابته الصحفية ولأن ( مكره أخاك لا بطل ) أحاول مكرهاً أن أتناول موضوعاً ربما لن أصل فية إلى الغاية التي أردتها ( مئة للمئة ) لكن سأحاول أن أضع قضية مهمة بل غاية في الأهمية وهي مسألة اللغة وجمالية التعبير، بعد أن التمست وغيري من المهتمين أن لغتنا العربية وصلت إلى مرحلة متدنية بين طلاب مختلف المراحل الدراسية والجامعية إلى درجة أن الطالب في المرحلة الثانوية يستصعب عليه أن يصيغ رسالة تقديم طلب وإن كتبها ستجد أسلوبها ركيكا يغلب عليها طابع العامية، ولا يمكن لطالب في المرحلة الجامعية أن يحاور لمدة نصف ساعة بلغته العربية الفصيحة ، لم يكن ذلك فحسب وبل يستصعب على معظم طلاب المرحلة الثانوية أن يكتبوا مادة تعبيرية بأسلوب أدبي رصين أن طلب منهم ذلك أضف إلى ذلك أن لغة الكتب الموجودة في الأسواق بعضها يفتقد للأسلوب الأدبي الجيد بل إن بعضها يخلو من الصور الجمالية والتعابير الأدبية البليغة وكثير منها محشوة بلغة منحوتة ومترجمة حرفياً لاتنمي الوعي الأدبي للفرد بل تصبح مفسدة للغته ومشوة لفكره. وإذا استمر وضع اللغة العربية على ماهو عليه دون تقويم وتطوير، فمن الصعب على الأجيال القادمة أن تتحدث أو تكتب بلغتها العربية الفصيحة وإذا افتقد الكاتب لأسلوب الكتابة بلغته العربية وما تحمله من صور جمالية افتقد لجمهور المتلقين : والحق بمن يقرؤه الملل نظراً لجفافه من جماليات اللغة. باعتقادي إن ما أضر بلغتنا العربية في الوقت الراهن أمور كثيرة لعل أهمها، عدم اهتمام الأسرة بتعليم أبنائها لغة القرآن الكريم لأن القرآن فيه من البلاغة والفصاحة وجمال اللغة ما يشبع قارئة. كما أن بعض الأسر تهم بتعليم أبنائها في مدارس خاصة ذات مناهج لغة أجنبية ، تدرس اللغة الانجليزية باعتبارها اللغة المطلوبة في سوق العمل وكذا تعمل بعض هذه الأسر على تلقين أبنائها الصغار ما قبل التمهيدي الأرقام باللغة الانجليزية ومبادئ الأحرف الهجائية ( ABCD ) إضافة إلى عدم اهتمام الطالب، بالقراءة المستمرة والاطلاع والبحث في مجالات تنمي الذوق الجمالي للغة العربية كالكتب الأدبية لقمم الأدب العربي والنتاجات الأدبية الأخرى بكافة فنونها. غياب المكتبات والمراكز الثقافية التي لابدأن وجودها سيؤدي دوراً مهماً في نشر الثقافة اللغوية بين النشء. تدني مستوى الصياغة اللغوية للمناهج وخصوصاً مناهج اللغة العربية الذي لايخلو من الأخطاء الإملائية والمعلوماتية فضلاً عن عدم انتقالية المادة المقرة للطالب وعدم تطبيق الأهداف المرحلية للوحدة الدراسية بالشكل الأمثل .ضعف المستوى اللغوي لكثير من المعلمين والأمر من ذلك الضعف الحاصل لدى بعض معلمي اللغة العربية الذين يقع على عاتقهم تنقيح وتقويم السنة الدراسية هذا فضلاً عن جوانب أخرى لابد من وجودها لتقييم ما اعوج في لغتنا العربية التي هي لغة القرآن ولغة الفصاحة والبلاغة والأدب وبناء على ذلك إننا بحاجة ماسة إلى تفاعل جميع الجهات مع تقييم اللغة والاهتمام بها ابتداء من الأسرة والمجتمع وانتهاء بأعلى هيئة في الدولة.. لأن اللغة هي بحد ذاتها هوية أمة بأسرها ولم تكن هوية شخص بمفرده أو فئة معينة في المجتمع.
|
مقالات
اللغة وجمال التعبير
أخبار متعلقة