ربما كان مقالي هذا , موضوعاً أحسبهُ لازماً , الغرض منه إلقاء نظرة متأملة وفاحصة على أحوال وطني بذكرى مرور ما يقارب نصف قرن على ثورة 26 سبتمبر المجيدة.. نتذكر ما جرى بالأمسِ , ونتفكّر فيما يجري اليوم , ونتطلعُ لغدٍ مرتجى مأمول. كان يمكن لهذه الذكرى وهذه المناسبة , أن ترسم للشعب خارطة استكشاف وإرشاد نحو التقدم بخطوات خبرة تراكمت مع السنين , ولكن للأسف هناك حالة من اللا منطق ومن اللا معنى.ولست وبمقالي هذا لأصدر حكم اختيار أو انحياز , ومطلبي الملاحظة المجردة والتمييز , وبما أنه ومن القواعد الأساسية في علم الحساب أن المتغيرات غير المتشابهة فعمليات الجمع والطرح عليها غير ممكنة ..! فالواقع لا يستدعي المقارنة ولا المفاضلة و لا التقييم.. فالثماني والأربعين سنة التي مضت من عمر الثورة , لم تكن مراحل تتدفق نحو الأخرى طبيعياً , وأنما وبكل الشواهد كانت عهود متعددة , اختلفت وتصادمت وتناقضت ومازالت ..! , لم تكن هناك هوية واحدة , ولم تكن هناك مرجعية واحدة , ولم تكن هناك شرعية واحدة , وإنما عدداً من المراحل أعطت للتاريخ والعصر بقدر ما أخذت , وتلك هي قيمة التجارب.افرزت هذه العهود والمراحل تباين للهوية , تبعه تباين طبيعي في الأُسس القائمة عليها الشرعية , في وطن خرج طبق مقولة عالم الاجتماع الشهير ماكس فيبر من مرحلة الإطار الأبوي التقليدي للشرعية إلى شرعية مرحلة الانتقال وفيها دور الرجل الواحد سواء كان ذلك الرجل شيخاً أو رئيساً أو حزباً , إن هاتين المرحلتين تمهيداً للشرعية الدستورية القانوية , ومن خلال التجربة فُرِض علينا المظهر دون الجوهر للشرعية الدستوريه القانونية وإن هذه الشرعية لن تترسخ إلا نتيجة تطور سياسي واقتصادي وثقافي , ينهض معه النمو المجتمعي ليعطي للشعب الفرصة الحقيقة والعادلة في المشاركة والحوار , تتساوى فيه المواقع وتتحد فيه المصالح وتتفق عليه الأهداف , حتى نحقق الشرعية الدستورية القانونية التي هي وهم وليست حقيقة في المرحلة المعاصرة..! ومنذ ما قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر وحتى الآن، فليس من باب التجاوز ان يقال إن ماعاشته اليمن ظل أسيراً لنوعين أو لنموذجين من الشرعية ينتظران ثالثهما , عاشت اليمن قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر شرعية القبيلة والعائلة والطائفة ومازالت حتى الآن ترتع تحت رأيتها أغلب المناطق اليمنية , ويعيش البقية شرعية الرجل الواحد رئيساً وشيخاً وإماماً .ان النموذج الثالث هو الهدف الذي كافح من أجله الشعب اليمني بكل اتجاهاته ومازال .. ولن يصل إلى هذا الهدف إلا بالوعي الاجتماعي الديمقراطي الإيجابي الذي يتحدي الواقع المفروض ويجاهد للإنتصار عليه. كان سبب هذا التداخل والخلط طبيعة ظروف تبدلت، ونفوس تغيرت، وأخرى تزاحمت وأحاطت بالشأن اليمني، فسوء الإدارة الإستراتيجية السياسية للبشر وللأرض وللموارد الطبيعية، جعل من اليمن تبدو دائماً طالبة وليس مطلوبة، وقاصدة وليست مقصودة، وتابعة، ومخترقة، وهناء يغطى نقص الفعل بزيادة الخطابات والاحتفالات لا بحل المشاكل .! فالأفعال لا تقاس بما يدعيه الطرف عن نفسه وإنما تقاس بما يعترف به الآخرون.!ضف ذلك إنه جرى عدوان متوحش على حرمة المال العام، فإهدار الحقوق وهدم القيم، واستباحة المحظور، بالحروب غير المحسوبة، والتحالفات غير المدروسة، أضر بالاقتصاد الوطني وأثّر سلباً على كل شئون المجتمع، وهذه المشاكل لا تعالج بلصق الصور ولا بصخب الإحتفالات .ان هناك تناقضاً في جدول العمل بين الكلمة والفعل , وبين ما هو واقع وما يقال , وبين السياسات وتطبيقها , وهذا التناقض نتج عنه عدم مصداقية أوصلت الشعب إلى إحباطٍ مخيف .وكل تلك المشاكل تستوجب حواراً جادا، واسعاً، عميقاً، صافيا، شفّافا، وسلمياً .. حتى يستطيع اليمن أن يرسم خريطة جديدة وواقعية لحريته وتقدمه , تتناسب مع زمن التغيير غير المحدود. وكل عام واليمن بخير ...[c1] طالب علوم سياسية ـ القاهرة[/c]
أخبار متعلقة