مع الأحداث
الحرائق الجديدة، وصلت السودان، والعجيب والمحيّر في الأمر أن تقتحم مليشيا “العدل والمساواة” مدينة أم درمان وحدود العاصمة الخرطوم، وهي محاولة أولى فشلت، حسب رأي الدولة، وربما تتكرر بأساليب لذات الغايات، وقد تنجح أو تخسر فلولها، والموضوع لا يؤخذ بالصور العائمة بين رأي المهاجمين من دارفور، أو ما يقوله زعماء الدولة، إذا ما كان لتلك المليشيا قاعدة في الداخل السوداني، هي التي دعمت “لوجستياً” واستخباراتياً المهاجمين، ورسمت لهم الخطط والدخول إلى المعابر الحساسة.. الدولة تقول إنها على علم مسبق بكل ما جرى، وإنها رصدت تحركات مليشيا العدل والمساواة ونصبت لهم فخاً استطاع إسقاطهم، وإن للدولة المجاورة تشاد الدور الفاعل والمهم في كل ما جرى أو سيجري، لكن الرأي المحايد، يرى أنه كيف يتم إسقاط مدينة يصل تعداد سكانها إلى ما يقرب من عشرة ملايين من خلال مجاميع صغيرة، وبقوات دون التقليدية، وبفاعلية من تلك المليشيات؟ هناك من يقول إن أثيوبيا سمحت لإسرائيل باستصلاح وزراعة أراض فيها شملت قطاعاً كبيراً من أرض السودان، وإذا ما جمعنا أرقام ما حدث في الجنوب ودارفور، والتوتر مع تشاد، فإن السودان لابد أن يوازن بين علاقات مجتمعه الداخلي، وبلدان الجوار، ليس فقط بلغة الدبلوماسية التي تناور ولا تعطي الحلول، وإنما لسلامة واستقرار هذه الدول، ولا بد من تصفية الخلافات وطرح مشروع السلام على قاعدة أمن هذه الدول، ومن ثمَّ خلق فرص تتكافأ مع حجم وإمكانات كل بلد يملك وسائل النجاح والعيش المستقر.أما الأمر المحيّر الآخر، فإنه من المقبول أن تسقط بيروت بقوات حزب الله، وتحتل أثيوبيا الصومال، وتغزو أمريكا العراق، لتفاوت القوة بين تلك الأطراف، لكن الحالة السودانية غير منطقية إطلاقاً، لأن هذا الفصيل الصغير الذي قام بهذه المغامرة، ربما يشجع آخرين على الدخول في مناورات أكثر صعوبة، سوف تكلّف السودان أمنياً، واقتصادياً ما يفوق طاقاته وكل موارده، إضافة إلى زعزعة الوحدة الوطنية التي أصبحت المؤشرات تضعها على أكثر من محك وتصور غير متفائل، لذلك فإن مراجعة الأوضاع القائمة، وتحليلها والاتفاق عليها من قبل أطراف المعارضة، التقليدية أو الناشئة، ربما تفتح مغاليق الأبواب في وحدة وطنية تتكامل فيها ضرورات الأمن الوطني، وجعله فوق كل المكاسب، إلى جانب أن تعزيز هذه الوحدة سوف يجعل المفاوض السوداني مع أي قوة ما قوياً وفاعلاً.السودان ليس الإقليم البسيط لأن تتقاذفه الرياح، لأن الخلل في أمنه سوف يخلق فوضى لكل البلدان المجاورة، ويضع الدول الخارجية على نفس الخط في التدخل بشؤونه، وإذا ما أخذنا جزئية صغيرة عن موضوع تدفق مياه نهر النيل وغيره، فإنها سوف تكون مثار الصراع المدمر إذا ما جاءت الرياح باتجاهات متعاكسة.* عن / صحيفة (الرياض) السعودية