من المظاهر الدينية التي كانت تهتم بها الدول المركزية التي ظهرت على مسرح اليمن السياسي في العصور الوسطى الإسلامية أيما اهتمام هو المحمل اليمني ، وهو قافلة الحجاج التي تخرج من زبيد وتعود إليها بعد انتهاء شعيرة الحج . وكانت الدولة الأيوبية ، والرسولية والطاهرية تبذل قصار جهدهم من أجل أنّ يخرج المحمل اليمني إلى الأراضي المقدسة بهيئة جميلة ، وفخمة ، فكانت فتزود قافلة الحجاج بالزاد والماء وتعمل على السهر على راحتهم فتبعث معهم الجنود لحراستهم ، ويبدو أنّ المحمل اليمني في تلك الفترة يعد رمز من رموز هيبة وقوة الدولة ورخائها من ناحية وجذب الناس حولها بسبب احترامها العميق للمحمل اليمني أي العناية بقوافل الحجاج . [c1]في عهد العثمانيين[/c]وعندما فتح العثمانيون اليمن سنة 945 هـ / 1538م ، أي في الفتح العثماني الأول لليمن ، فقد أولى الكثير من الولاة العثمانيين في اليمن اهتمامهم وعنايتهم بالمحمل اليمني على غرار الدولتين الرسولية والطاهرية . هذا وقد أسهبت المراجع المعاصرة وقتذاك في وصف العناية الفائقة من الولاة العثمانيين الذين كان البعض منهم يتعمد أنّ تنطلق قافلة الحجاج أو المحمل اليمني من زبيد إلى جيزان مخترقة العديد من المناطق والمدن اليمنية الهامة ، وعند عودة المحمل اليمني من الأراضي المقدسة ( مكة والمدينة ) تسلك نفس الطريق الذي ذهب به إلى الحج . والجدير بالذكر ، أنّ زبيد كان نقطة بداية ونهاية المحمل اليمني .[c1]أهداف سياسية[/c] والحقيقة أنّ العناية بالمحمل اليمني لم تظهر بصورة ملحوظة وواضحة إلا على يد بعض الولاة والموظفين الكبار العثمانيين الذين كانوا في مصر ، وعندما تولى هؤلاء شؤون اليمن ، فنهجوا نفس نهجهم في العناية بالمحمل اليمني على غرار المحمل المصري بمصر الذي كان يتميز الفخامة والضخامة , والأبهة ، وكان يشيع من القاهرة المعزية وسط الاحتفالات الكبيرةبلاد الحجاز ( مكة والمدينة ) . ويذكر بعض الباحثين المحدثين أنّ المحمل اليمني ، كان يزداد العناية به عندما ، كانت تنفجر القلاقل والاضطرابات كالثورة التي قادها الإمام القاسم وأبنائه ضد العثمانيين والتي أدت إلى خروجهم من اليمن سنة ( 1045هـ / 1635م ) . وهذا ما دفع بالوالي حسن باشا الوزير أثناء تلك الثورة أنّ يعطي صورة مشرقة للمحمل اليمني لتعكس هيبة وقوة الدولة العثمانية في نفوس اليمنيين وأنها مازالت قادرة على فرض قبضتها على زمام البلاد والعباد في تلك الفترة التي سادت بها التمردات . وتذكر المراجع المعاصرة وقتذاك أنّ الوالي العثماني في اليمن مصطفى باشا النشار ، كان له السبق في ظهور المحمل اليمني “ في عهد حكم السلطنة العثمانية بسبب أنه كان ، قائدًا لقافلة الحج المصري لعدة سنوات قبل أنّ يتولى أمر اليمن “ ــــ على حسب قول الدكتور سيد مصطفى سالم في كتابه الفتح العثماني الأول لليمن ــــ . [c1]حلقة مفقودة[/c]وكيفما كان الأمر ، أنّ الكثير والكثير جدًا عن تاريخنا الاجتماعي وخاصة فيما يتعلق في عهد حكم العثمانيين في اليمن مازال حلقة مفقودة في سلسلة حياة اليمن الاجتماعية الطويلة في تلك الفترة بسبب أنّ المؤرخين المعاصرين وقتذاك صبوا كل اهتمامهم على الأحداث السياسية ولم يلقوا بالا للحياة الاجتماعية أو بمعنى آخر لم يعطوها مساحة واسعة وعريضة في كتاباتهم . وعلى أية حال ، نرجو من المختصين في تاريخ اليمن البحث والتنقيب في تاريخ المحمل اليمني سواء في عصر الدولة الرسولية ، والطاهرية ، والعثمانيين لكونه جزء لا يتجزأ من مظاهر اليمن الاجتماعي .
|
تاريخ
المحمل اليمني
أخبار متعلقة