الأزمة المالية ودور أجهزة الرقابة المالية
متابعة / أمل حزام المذحجي:تعد أزمة عام 1929 وانهيار بورصة وول ستريت الأزمة الأبرز في التاريخ التي بدأ معها الكساد الكبير في الولايات المتحدة حيث أثرت على أوروبا بشكل خاص ومن ثم الأزمة الأول في عصر المعلوماتية عام 1987 إذ خسر مؤشر داو جونز يومها 22.6 بالمائة في يوم واحد الأمر الذي أدى إلى تسجيل عجز تجاري كبير إضافة إلى تراجع مؤشرات البورصات الأخرى نتيجة تداخل الأسواق المالية العالمية لتظهر بعد ذلك أزمة اقتصادية ومالية عام 1988 في روسيا عندما انهار الروبل الروسي وخسر 60 بالمائة من قيمته خلال 11 يوماً منها 17.13 بالمائة في يوم واحد . كما شهد عام 2000 انتهاء فورة الإنترنت وتراجع المخاوف المحيطة بقيمة الأسهم المالية المرتبطة بالإنترنت والتقنيات الجديدة إذ سجل مؤشر نازداك الذي يضم أبرز أسهم الإنترنت والتكنولوجيا رقماً قياسيا بلغ 504862 نقطة في العاشر من مارس إلا أنه عاد وتراجع بنسبة 27 بالمائة على مدى سنة فانعكس هذا الهبوط على كل الأسواق المتصلة بالاقتصاد الجديد .كما تستمر التقلبات في البورصات العالمية التي سجلت هبوطاً حاداُ في أوروبا وآسيا كمؤشر واضح على الآثار والنتائج السلبية لهذه الأزمة التي تعد الأزمة المالية الثالثة في القرن الحادي العشرين بعد أزمة عام 2001 عندما أقفلت بورصة نيويورك لمدة أسبوع بعد أحداث 11 سبتمبر ومن ثم أزمة عام 2002 التي حصلت جراء تزوير حسابات شركة الطاقة الأمريكية «أنرون” .وتستمر فصول الأزمة المالية العالمية وتمتد أثارها وتتسع لتشمل مختلف دول العالم في أوروبا وشرق آسيا وغيرها وهذه الأزمة التي بدأت بالتفاعل بعد انهيار عدد من أكبر المصارف والمؤسسات المالية الأمريكية مدفوعة بأزمة الرهن العقاري التي خيمت على الاقتصاد الأمريكي في الفترة الماضية إذ تأثرت أسواق المال العالمية بشكل مباشر .[c1]عدم قدرة الجهاز الإنتاجي خاصة السلعي على تلبية الاستهلاك [/c]لم تعد الأزمة الأمريكية الحالية جزئية تقتصرعلى العقارات بل أصبحت شاملة تؤثر مباشرة على الاستهلاك الفردي الذي يشكل ثلاثة أرباع الاقتصاد الأمريكي وهو بالتالي الأساس الذي ترتكز عليه حسابات معدلات النمو، ولا تأتي الأزمات المالية من فراغ بل تتفاعل مع الوضع الاقتصادي الكلي الذي يعاني في الولايات المتحدة من مشاكل خطيرة وفي مقدمتها. 1 - العجز التجاري : منذ عام 1971 لم يسجل الميزان التجاري أي فائض بل عجز يزداد سنوياً وصل في عام 2006 إلى 758 مليار دولار ، ويعود السبب الأساس إلى عدم قدرة الجهاز الإنتاجي خاصة السلعي على تلبية الاستهلاك . 2 - عجز الميزانية : لا يزال العجز المالي مرتفعاً حيث قدر في ميزانية عام 2008 بمبلغ 410 مليارات دولار أي 2.9 % من الناتج المحلي الإجمالي المديونية : أظهرت إحصاءات وزارة الخزانة الأمريكية ارتفاع الديون الحكومية من 4.3 تريليون دولار في عام 1990 إلى 8.4 تريليون دولار في عام 2003 وإلى 8.9 تريليون دولار في عام 2007 ، وأصبحت هذه الديون العامة تشكل 64 % من الناتج المحلي الإجمالي ، وبذلك يمكن تصنيف الولايات المتحدة ضمن الدول التي تعاني بشدة من ديونها العامة ، يعادل حجم هذه الديون عشرة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لجميع الدول العربية ويعادل ثلاثة أضعاف الديون الخارجية للدول النامية .ولا يتوقف ثقل المديونية الأمريكية على الإدارات الحكومية بل يشمل الأفراد والشركات أيضا ،فقد بلغت الديون الفردية 9.2 تريليونات دولار منها ديون عقارية بمبلغ 6.6 تريليون دولار ، إن هذه الديون العقارية التي ساهمت مساهمة فاعلة في الأزمة المالية الحالية وتشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي ، أما ديون الشركات فتحتل المرتبة الأولى من حيث حجمها البالغ 18.4 تريليون دولار ، وبذلك يكون المجموع الكلي 36 تريليون دولار أي ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي ، هذه الديون بذاتها أزمة اقتصادية خطيرة .[c1]تأثيرات الأزمة على أوروبا وبريطانيا[/c]كما تعاني الولايات المتحدة من مشاكل اقتصادية أخرى في مقدمتها التضخم الذي تجاوز 4 % والبطالة التي تشكل 5 % والصناعة التي تتراجع أهميتها والفقر وسوء الخدمات التعليمية .الأزمة المالية تعود أحداث.[c1] الأزمة المالية [/c]الحالية في أمريكا إلى ارتباطها بصورة أساسية إلى الارتفاع المتوالي لسعر الفائدة من جانب البنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي منذ عام 2004 ، وهو ما شكل زيادة في أعباء القروض العقارية من حيث خدمتها وسداد أقساطها ، خاصة في ظل التغاضي عن السجل الانتمائي للعملاء وقدرتهم على السداد حتى بلغت تلك القروض نحو 1.3 تريليون دولار في مارس 2007 م ، وتفاقمت تلك الأزمة مع حلول النصف الثاني من عام إلى 2007 ، حيث توقف عدد كبير من المقترضين عن سداد الأقساط المالية المستحقة عليهم ، وكان من نتيجة ذلك تكبد أكبر مؤسستين للرهن العقاري في أمريكا وهما “ فاني ماي “ و “ فريدي ماك “ خسائر بالغة حيث تتعاملان بمبلغ ستة تريليونات دولار ، وهو مبلغ يعادل ستة أمثال حجم اقتصاديات الدول العربية مجتمعة . وللخروج من الأزمة تم تسنيد أو توريق تلك الديون العقارية وذلك بتجميع الديون العقارية الأمريكية وتحويلها إلى سندات وتسويقها من خلال الأسواق المالية العالمية للحصول على السيولة الكافية ، وقد نتج عن عمليات التوريق زيادة في معدلات عدم الوفاء بالديون لرداءة العديد من تلك الديون ، مما أدى إلى انخفاض قيمة هذه السندات المدعمة بالأصول العقارية في السوق الأمريكية بأكثر من 70 في المائة . وسرعان ما وصلت تأثيرات الأزمة إلى أوروبا وبريطانيا .[c1] مع زيادة البطالة توقف المقترضون عن سداد ديونهم للبنوك[/c]قدر صندوق النقد الدولي كلفة الأزمة العالمية المالية الراهنة بنحو 945 مليار دولار وذلك حسب التقديرات المبدئية إلا أن الواقع يشير إلى أكثر من ذلك بكثير مع استمرار تعمق الأزمة يوماً بعد يوم ، وهذا ما اعترف به كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي كينيث روجوف حيث اعترف بأن الأزمة المالية العالمية ربما كانت في نقطة المنتصف حاليا ، وإن العالم لن يرى فقط انهيار بنوك متوسطة بل سيشهد انهيار بنوك الاستثمار الكبرى أو البنوك الكبرى . ويعود ذلك لعدد من الاسباب اهمها ظهور بوادر الكساد الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمر الذي ينعكس على صادرات البلدان الأخرى وعلى أسواقها المالية، فالولايات المتحدة أكبر مستورد في العالم حيث بلغت وارداتها السلعية 1919 مليار دولار أي 15.5 % من الواردات العالمية ( إحصاءات التجارة الخارجية لعام 2006 الصادرة عن منظمة التجارة العالمية الارتفاع المتوالي لسعر الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي منذ عام 2004، وهو ما شكل زيادة في أعباء القروض العقارية من حيث خدمتها وسداد أقساطها ، خاصة في ظل التغاضي عن السجل الائتماني للعملاء وقدرتهم على السداد وعدم كفاءة الإدارة هو السبب الرئيسي وراء الفشل وبالتالي الإفلاس، ومع تراجع النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة تراجعت أسعار العقارات من جهة وتوقف المقترضون عن سداد ديونهم للبنوك مع زيادة البطالة من جهة أخرى، و تردد البنوك ، نظراً لتعدد البنوك التي فقدت الكثير من الأموال وتعاني من نقص في السيلة ، ستحاول الحصول على الأموال بواسطة الاقتراض من بنوك أخرى قروض قصيرة الأجل ، وهو أمر يومي في الأسواق ويعرف بالسوق بين البنوك ، ولكن ولأن كل بنك يجهل حقيقة وعمق المشكل المالي الذي يعاني منه البنك الآخر، والتكاليف المتصاعدة للإدارة ولا سيما حصص المديرين التنفيذيين التي وصلت إلى مستويات غير معقولة شيئا فشيئا حتى بلغت أكثر من 240 مليون سنويا، وفقدان الثقة وانتشار الذعر والهلع في الأوساط المالية وفي أوساط المستثمرين في أمريكا وفي العالم ما أدى إلى انخفاض قيمة الكثير من أصول البورصة والأسهم ببيعها للحصول على السيولة.