تحقيق/ عبدالواحد الضرابظهرت وسائل الإعلام في شمال الوطن وبالذات الصحافة في وقت متأخر نسبياً لكنها لعبت دوراً كبيراً في التمهيد لقيام الثورة اليمنية وتحقيقها وذلك بالتوجيه والتثقيف للمواطنين اليمنيين بأحقيتهم في العيش في ظل حياة كريمة تنعم بالأمن والاستقرار والصحة والتعليم بدلاً من الحياة التي يعيشونها تحت الفقر والجهل والمرض، ما حدا بالثوار الأحرار إلى إصدار عدد من الصحف التي تحمل في طياتها وبين صفحاتها المقالات المناهضة للإمامة والحكم الكهنوتي الذي ترزح تحته اليمن والتطلع إلى مستقبل حر وسعيد .ولمزيد من المعلومات قامت صحيفة 14 أكتوبر بإجراء التحقيق التالي:[c1]من داخل السجن[/c]وفي ذلك الوقت صدرت صحف جادة أدبية وفكرية ذات أبعاد سياسية مثل صحيفة (البريد الأدبي) عام 1943م وكانت تصدر في تعز وصدرت ايضاً جريدة (أنين الشباب) عام 1947، وبعد فشل ثورة (48م) ضد حكم الإمام المتخلف والرجعي وما تلاها في ذلك الوقت من زج سلطات الإمام أحمد حميد الدين بالعديد من العلماء والمفكرين والأدباء والشعراء في السجون واتهامهم بالمشاركة في الثورة، كل ذلك جعل السجناء في حجة يفكرون في إصدار جريدة تنشر أفكارهم وتكون ناطقة باسمهم فاصدروا في العام 1951م مجلة أدبية باسم (الندوة) وزع أدباء سجن حجة مهمات تحريرها فيما بينهم أمثال احمد المروني والقاضي عبدالسلام صبرة وغيرهما من المناضلين الأحرار، وكانت هذه المجلة توزع داخل السجن وخارجه سراً وكانت تصل إلى مدينة صنعاء سراً أيضاً واستمرت سنة ثم توقفت، وأصدر بعدها السجناء مجلة (السلوة) وكانت تسير في ذات الاتجاه (مناهضة حكم الإمام) والدعوة إلى الثورة وكانت تصدر من السجن وترسل نسخ منها إلى صنعاء وتعز وذمار وتوقفت بعد سنة من إصدارها بعد اطلاق سراح السجناء.[c1]معارضة هادئة وغير مباشرة[/c]لم تقف الصحافة أو تهمل الدور المناط بها وإنما ظلت تصدر عدداً بعد آخر كما ان المناضلين والاحرار لم يملوا وظلوا يعملون على اصدار الصحف والمجلات المناهضة لحكم الإمام والداعية إلى الثورة فقد صدرت مجلة (الحكمة اليمانية) عام 1938م وكان يرأس تحريرها آنذاك عبدالوهاب الوريث وبرغم انها كانت رسمية التمويل إلا أنه كان واضحاً من شفافية أسلوبها ان هدفها هو التغيير الذي مثل لها قضية القضايا وظلت تتناوله بشكل غير مباشر وتكشف عن واقع الجهل والتخلف والجهل في نظام الإمام وكانت تعبر عن معارضة هادئة وغير مباشرة ولا معلنة ما أكد انها كانت منطلقاً رئيساً للحركة الوطنية حيث كان الكتاب فيها من الأحرار الذين قادوا ثورة (48م) أمثال المطاع والحورش وغيرهما.[c1]دور ريادي[/c]في ذات الاتجاه وعن الدور الذي لعبته وسائل الإعلام التي كانت توجد آنذاك في تحقيق الثورة وحمايتها تحدث الدكتور احمد مطهر عقبات عميد كلية الإعلام جامعة صنعاء بالقول:لا شك في أن الإعلام يلعب دوراً ريادياً في مناقشة قضايا المجتمعات المختلفة والتأثير على جمهور المتلقين بتحديد الاتجاهات والمفاهيم والأفكار ولهذا فقد لعب الإعلام دوره في الترويج بضرورة تغيير نظام الحكم الإمامي المتخلف والقيام بثورة يمنية تقضي على الاستبداد والظلم وتحقق حلم الشعب اليمني في بناء مستقبل واعد في شتى مجالات الحياة المختلفة (الصحية ـ التعليمية ـ الاقتصادية ـ الثقافية) وغيرها.واضاف ان دور الإعلام تواصل بزخم معروف من خلال إذاعتي صنعاء وتعز وإذاعة عدن في مواصلة الحماس لحماية الثورة من خلال الأناشيد الوطنية وبرامج الحوار والتمثيليات وكلها معبرة عن فرحة الشعب اليمني ومحرضة على حماية الثورة والجمهورية وتحقيق الرخاء المنتظر بتطبيق مبادئ الثورة اليمنية الستة، وعموماً فالإعلام لعب دوراً كبيراً في التمهيد لقيام الثورة اليمنية وتثبيتها وتأكيد شعار (الجمهورية أو الموت).[c1]ظهور صحف المعارضة للحكم الإمامي[/c]ولا شك في ان الأحرار لم يتوانوا في خدمة قضيتهم الأساسية وهي الدعوة إلى قيام ثورة وطنية ففي عام 1945م بدأت حركة الأحرار اليمنيين تقوم بدعاية نشطة ضد الإمام وذلك من خلال صحيفة (فتاة الجزيرة) حيث ظهرت في تلك الصحيفة كتابات وأشعار لعدد من الأدباء والمفكرين أمثال القاضي محمد محمود الزبيري والأستاذ احمد النعمان وغيرهما وكانت كلها ذات ابعاد سياسية.كما صدرت العديد من الصحف المعارضة التي كانت تنادي بقيام الثورة وكانت تصدرها مجموعة من طليعة الأحرار الذين شكلوا المعارضة وأسسوا (الجمعية اليمنية الكبرى) أول جمعية معارضة لنظام الإمام في الشمال وقد صدرت عن الجمعية صحيفة سميت (صوت اليمن) عام 1946م وكانت تطبع في عدن وتصل إلى صنعاء سراً وكانت تصل أعداد منها إلى داخل القصر نفسه وكان الهدف من إصدار الصحيفة عرض قضية اليمن السياسية على العالم وتبنت قضية المعارضة في اتجاه التغيير وبدأت بالإصلاحات عن طريق الإمام ونظام حكمه ثم بالنقد المباشر والتحريض وتنظيم المعارضة إلى محاولة التأثير القسري عن طريق الثورة، وقد جاء على صدر صفحاتها بتاريخ 2 سبتمبر 1955م عنوان (الاتحاد اليمني يدعو المواطنين إلى الاشتراك في تحديد الأهداف الوطنية) وما كتبه الأستاذ احمد محمد نعمان في العدد نفسه تحت عنوان (والآن ما هو واجبنا) قال: "إن واجبنا السريع في هذه المحطة ان نطوي ذلك كله ونعلن مطالبنا ونشرح أهدافنا ونسير في طريق واضح ومستقيم حتى نكسب عطف العالم وتأييده" وغيرها من المقالات والعناوين التي كانت تدعو إلى اليقظة والقيام بثورة داخلية ضد الإمام.كما صدرت بعدها صحيفة السلام في مدينة عدن وكان من أهدافها التصدي للسياسة الإمامية في شمال الوطن بعد فشل انقلاب 1948م.[c1]صوت العرب أججت المشاعر لدى اليمنيين[/c]في هذا الإطار تحدث القاضي علي أبو الرجال رئيس المركز الوطني للوثائق بقوله:وسائل الإعلام لم تكن منتشرة بشكل كبير كما ان الكثير من الناس وخاصة قبل ثورة 48م لم يكونوا يعرفون القراءة والكتابة وقد حرص الإمام على أن يظلوا كذلك حتى لا يفهموا ما يدور حولهم، حتى الإذاعة كانت واحدة وتابعة للإمام ناطقة باسمه وتذيع أخباره، وبعد فشل ثورة (48م) بدأت تنتشرأجهزه الراديو بكثرة وبدأ الناس يستمعون إلى الإذاعة وخاصة إذاعة صوت العرب التي لعبت دوراً كبيراً في تأجيج المشاعر ولفتت انتباه الكثير إلى التطلع والحرية والحياة الكريمة وغيرها من الأمور، ايضاً الصحافة لم تكن منتشرة بكثرة وكانت توجد بعض الصحف مثل (صوت اليمن) ومجلة (الحكمة) وغيرهما وكانت توزع سراً وكنا نجتمع في بيت علي الأمير وكنت واحداً منهم، ونقرأ هذه الصحف وكنا بعد قراءتها نحرقها خوفاً من أن يعلم بها الإمام، أيضاً لعبت الصحف التي كان يصدرها الأتراك مثل صحيفة (يمن) وصحيفة (صنعاء) دوراً لابأس به فهي كانت متنورة وكانت تتناول مواضيع مختلفة، وبعد خروج الاتراك من اليمن قام الإمام بإغلاق تلك الصحف، كما لعبت الأحداث المتمثلة بثورة (48م) وثورة (55م) دورها في التمهيد للثورة في سبتمبر 1962م فبدأ الناس يتناولونها من منطلق مختلف عما كانت عليه قبل ثورة (48م) وبدأ الكثير يفهمون ما يدور حولهم وبدؤوا يتطلعون للتغيير، ايضاً لعب عدد من الأحرار أمثال الحورش، المروني، المعلمي وغيرهم دوراً في التحريض لقيام الثورة وتنوير الشباب الذين كان لهم التصاق بهم في المدارس تجاه الثورة وتطلعهم إلى حياة أفضل مما هم عليه متأثرين في ذلك بما كانوا يشاهدونه في الدول الأوروبية وغيرها من الدول التي ابتعثوا للدراسة فيها وما كانت تعيشه من حضارة وتطور.[c1]الدعوة إلى الثورة بأسلوب فكاهي[/c]إحساساً بالظلم الواقع على أبناء الشعب اليمني في الشمال والجنوب أيضاً أصدر الأستاذ عبدالله عبدالوهاب نعمان صحيفة سميت (الفضول) معبرة عن حال الجماهير المنكوبة وناطقة باسم المشردين والهاربين من اضطهاد حكم (آل حميد الدين) وقد صدرت في فترة كانت الساحة اليمنية تخلو من أي معارضة، وكان الهدف من اصدارها الدعوة إلى الثورة والدفاع عن المظلومين بأسلوب ساخر وعناوين جذابة، واستطاع رئيس تحريرها بهذا الأسلوب الفكاهي الساخر أن ينتقد ويكشف ممارسات الحكام في صنعاء والمحتلين في عدن، ويضحك ويثير الضحك بين قراءئه، وقد وردت على صدر صفحاتها العديد من المقالات التي تدعو إلى القيام بثورة وطنية تحقق للشعب اليمني كل ما يتطلع إليه من حياة كريمة.[c1]دور محدود[/c]وشارك الأستاذ علي القمار في الحديث عن دور وسائل الإعلام، وبالذات الصحافة في تحقيق الثورة اليمنية وحمايتها بالقول:للإعلام دور كبير في نشر الثقافة في أوساط المجتمعات وبالذات المتعلمة (التي تقرأ وتكتب) فدور الإعلام قبل الثورة خاصة في الشمال كان محدوداً جداً حيث كانت توجد بعض الصحف التي كانت ناطقة باسم الإمام ونظام حكمه مثل صحيفة (سبأ) وصحيفة (الإيمان) اللتين كانتا تنشران أخبار القصر الملكي على الرغم من أن الإمام قد حذر من دخول الطباعة إلى البلاد حتى لا تنشر مطبوعات، إلا أنه كانت توجد بعض المطابع وربما كانت سرية.وأضاف لقد حدثت تطورات سياسية في اليمن حيث ظهرت المعارضة وبدأ حزب الأحرار نشاطاته الدعائية عام 1944م بعد فرار الزبيري والنعمان إلى عدن وأصدرا صحيفة (صوت اليمن) واستمرت حتى فشل ثورة (48م) كما صدرت إلى جانبها العديد من صحف المعارضة، وبعد أن أدرك الإمام احمد خطورة تلك الصحف شجع على إصدار صحيفة (سبأ) عام 1949م بهدف الوقوف ضد الثوار وضد الجمعية اليمنية الكبرى.وقال إن دور الإعلام كان في تلك الفترة محدوداً في تحقيق الثورة اليمنية باعتبار ان أغلب ما كان يصدر من صحف تتبنى وجهة النظر الرسمية للإمام بالإضافة إلى أنه كانت توجد إذاعة واحدة تابعة للإمام احمد كان يتم تشغيلها بضع ساعات محدودة فقط وكانت تنشر أخبار وأنشطة الإمام وقد حصل عليها كهدية من أمريكا، أما التلفزيون فلم يكن له ظهور في ذلك الوقت، وبعد قيام الثورة ظلت وسائل الإعلام مناصرة لقضايا وأهداف الثورة اليمنية والعمل على ترسيخها والحفاظ عليها حتى يومنا هذا.
دور وسائل الإعلام في الثورة اليمنية
أخبار متعلقة