سامي الشاطبي[c1]بين يدي الكارثة[/c]بدا استقبال اليمن لاول عمل روائي مطبوع كارثيا وخرافيا الى أبعد حد حيث بدت الرواية على غير هيئتها المؤملة بل والمفترضة، قليلها يقف كشاهد اخرس اقصى مايستطيع فعله تسجيل الواقع كما هو، قابلة للانهزام امام اي مواجهة ومطوعة للانجرار وراء القرار السياسي لا مساهمة في صنعه وعاجزة عن مواكبة المتغيرات المحلية فخطابها كالغبار المنتفض ولغتها ركيكة تفتقر الى السلاسة والترابط والتجانس ... كثير منها يجنح نحو القضية العالمية على حساب القضية المحلية الاخطر ومنجرة في حالة من العمى ان صح التعبير عن قضايا البلاد واسئلة مجتمعة الحائرة كأنها موظفة لوضع الاسئلة لا للاجابة عنها مؤهلة لاثارة المشاعر لالتوجيهها ، ونتيجة حتمية لهذا الغبار غير قادرة على تصحيح مسارها وتوجيهه نحو الهدف المناط بها توجيهاً بناء لايساهم فقط في احداث النهضة الاجتماعية والتنمية الانسانية بل ويشارك في صنعها ايضاً.[c1]الريادة الورقية[/c]ازاح محمد لقمان الضباب اذاً باصدار اول رواية مطبوعة ولدت نتيجة ولعة بالكتابة وخوضه غمار التجريب في كل اشكالها .. ومضى الى قبره بهدوء مطمئنا من تخليد التاريخ له كرائد واثق من ان خلفاءه في الرواية سيسيرون في الطريق الذي شقه بمعاول بدائية تفتقر بشدة لعناصر قيامها. لكن ازاحته للضباب لم تعن تأمين الطريق من الخطر الحقيقي الكامن خلف الضباب ان الرواية هي النوع التوثيقي الاكثر قدرة ومرونة على محاكاة النفس البشرية وتفصيل واقعها بهدف جرها الى السمو والتهذب كتمهيدٍ اساسي وضروري يضمن وعلى كل الجبهات نهضة مجتمع محرر من التخلف والفاقة .. قادر على الدفع بوتيرة نهضته ، لكن الضباب جلب الرياح من دون المطر..وضع لقمان حجر الاساس معتقداً كما اعتقد من اشتغل بالرواية من بعده ان الحجر هو كل المشروع في معركة كلامية هائلة قادتهم جميعا الى المنافي والمشانق .. لقد كان لقمان على اطلاع تام بدور الرواية في قيادة مسيرة التنمية والنهضة في البلاد لانها وان حملت شخصياتها الملتصقة بالواقع صبغة اللامشروعية وذهبت باهدافها الى تأصيل الفكر المميت للعقل والقلب في المستهدف فان الهدف الاساسي هو ايصال كل الخير وكل الشر .. فايهما نختار .. لكن قصور وعي الكاتب بالمهمة التي القاها على نفسة وضيق افقه وظلم البيئة وبخلها تجاه تاسيس مشروع الرواية والذي وفق منطق العقل لن يتمكن من التفرع والتمدد الا انطلاقاً من الارضية الاساسية .. الى مالا نهاية.ان احداث التغيير في اليمن كان عملاً مستحيلاً بالنسبة لشخص واحد امكانيات عصره لاتسعفه لعمل شيء اذ لايمكن وفق منطق السكان والنطاق الجغرافي لخمس مائة نسخة من اول عمل روائي مطبوع (سعيد 1940) حضر درس الرواية العربية متأخراً بثلاثين عاماً احداث التغيير.. فبدى في قاعة الامتحان متلعثما يشبه في كثير من سطوره الصورة المسخ لاول رواية مصرية (زينب) للكاتب محمد هيكل والتي صدرت عام 1929م.لقد اعترف احد ابطال رواية سعيد الاساسيين والذي كان يعكس مواقف المؤلف نفسه ان شخصية سلمان التي تولي كل الحرص على حسن مصير البلاد لم تصل بعد الى درجة التنوير الضروري من اجل الدفع بمسيرة التنمية والنهضة الاجتماعية الى ما تأمله الرواية نفسها وعلى اقل تقدير ادبي..لقد صوب لقمان في الجبهة الخاطئة .. اكتشف مكمن الداء من دون كشف الدواء وضع الاسئلة دون الاجابة في كل صفحات الرواية تاركا لغيره القيام بما وجب به شخصياً ومضى الى قبره من دون ان يكشف عن مخطط النهضة ولو في وصية وتبعه خلفاؤه يحدوهم امل كشف المخطط ولكن في الجبهة الخاطئة نفسها . اذ لم يتمكن الخلفاء طوال ثلاثين سنة من تصحيح المسار وتحديد الجبهة الصحيحة او تعبيده او تفريعه او شقه من داخله واعادة تخطيطه... فلقد ظلوا كتائهين في صحراء يبحثون في دائرة من الرمال المفرغة عن اجابات لاسئلة مصيرية يفتعلون ضجيج الاصول والفروع في غير الجبهة المؤملة المتمثلة في دعم مخطط التفسير برؤية معدة سلفا تضمن الرواية وبختم كاتبها سلامة النهضة المجتمعية من العثرات .. وتدليلا على ذلك ذهب الطيب ارسلان في روايته (يوميات مبرشت 1948م و تعتبر ثاني رواية يمنية) ، في سرد قصة موظف تخلى عن وظيفته التي جلبت له الفقر ليعمل كمهرب للبضائع ينتهي حالة الى السجن .. رواية رائعة لكنها لم تقد القارئ - لسان حال الموظف- الى البدائل.. اثارت شعوره الداخلية من دون تحريك جسده .. لذلك بقي القارئ بشعور مثار وبجسد حائر..ومن بين النماذج التي نسوقها عن مرحلة الاربعينيات وحتى السبعينات رواية هموم الجد قوسم لاحمد مثنى اذ مضى الكاتب في طريق لقمان كأن بصيراً يقوده.. فالرواية رغم اتجاهها صوب المحلية حيث مكمن الخلل للنهضة اخفقت في اكتشاف المخطط رغم ملامستها الجزئية له .. ان اكتفاء اشتغال كاتب ساخر ولاذع من ارقى صنف كأحمد محفوظ بالقصة القصيرة والتي وظفها في موقعها السليم حيث خدمة الانسانية كان خسارة كبيرة للرواية .. ومازاد الطين بلة ان التي حازت على اعجاب قادة المؤسسات الثقافية المعنية برعاية المبدعين تجاهلت امره وكأنه لايعنيها في شيء.ان شخصاً طيباً يتمتع بموهبة الكتابة وصف بمجدد الرواية اليمنية زيد مطيع دماج لم يسلم من المضي في الطريق اياه ولكن مع تغيير بسيط شكل والى الان نقلة نوعية في تاريخ الرواية لافي الرواية نفسها لتطرقه الى القضايا المحلية الحساسة والمطلوبة بشيء من التفصيل من دون طبعاً البراءة من مشنقة الالف نسخة.ورغم انجرار الرهينة نحو الركاكة ووطأة ارث التقليد الذي ورثته عن المؤسس الا أنها كانت تنسحب إلى المحلية في مقاومة خرافية تطلب من الكاتب بذل جهد هائل لتأصيل القضية المحلية ...) هجموا علينا في اطراف تهامة الشامية ببنادقهم المضلع الالمانية الصنع كانوا وهابيين وسعايدة وكما نحن يمانيون متوكليون وزيود نحمل بنادق الصابة والمورزر والسك الفرنسية مع ذخائر المعوضة كان والذي يقص علينا الاحداث بتفاصيلها الدقيقة )2ان تاريخ الرواية لن يتجاهل معالجة الكاتب واهتمامه الكبير برسم افضل صورة ممكنة عن زمن الامامة وظلمها، لكن التاريخ ايضاً لن يتجاهل عدم اهتمام الكاتب بالعودة الى الاصول والتي كشفت اعماله كافة اعجابه بالغرب ايما اعجاب.
|
ثقافة
عجز الرواية اليمنية عن إحداث النهضة الاجتماعية والتنمية الانسانية
أخبار متعلقة