بعد استقلال الشطر الجنوبي من الوطن عام 1967، تشكلت أول حكومة فيما كان يعرف وقتها بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية برئاسة رئيس الجمهورية قحطان محمد الشعبي وتشكلت الحكومة من مجموعة العناصر التقراطية التي يغلب عليها الطابع الفني.وكان محمد عبد القادر بافقية أو وزير للتربية والتعليم في أول حكومة وكان طموحاً سعى لتطوير التعليم والنهوض بالعملية التعليمية وبدأ بوضع الهياكل الأساسية للوزارة وكان متحمساً لتعريب التعليم وتغيير المناهج وتنويع مصادر المعرفة وتنويع جنسيات المعلمين فعمل على استقدام مدرسين مؤهلين تأهيلاً جيداً من بعض الدول العربية وعمل على إدخال بعض المناهج العربية إلى التعليم المحلي وقلص من الاعتماد على المنهج الدراسي الذي كان معتمداً في المدارس الحكومية قبل الاستقلال وسعى لانتقاء أكفا المدرسين العرب وأقدرهم واعتمد على أفضل الخبرات المحلية في تسيير شؤون الوزارة ولكنه واجه تحديات كثيرة حالت دون نجاحه في تحقيق اهدافة ومن ذلك انه واجه اراهاصات سياسية متطرفة فقد اصطدم بعناصر طلابية متطرفة ذات نزوع يساري متطرف رأت فيه عدن القدرة على مواكبة المرحلة وانه بعيد عن العمل الثوري فعملوا على إزاحته من قيادة الوزارة.وتولي الوزارة بعده جعفر علي عوض الذي كان عضواً قيادياً في الجبهة القومية وعلى الرغم من كونه كان مدرساً للرياضيات في المعهد العلمي الإسلامي قبل الاستقلال، إلا انه كان ضعيفاً أمام حركة الطلاب النامية والنشيطة فقد عمل على مجاراة الطلاب واراضائهم فكان عندما يلتقي القيادات الطلابية يعرض عليهم بعضاً من مقولات موتي تونج الزعيم الصيني ووقتداك لإظهار تفاعله وحماسة مع الفكر الثوري، في حين انه في قراره نفسه لم يكن مقتنعاً بتلك المقولات. حيت كان يصنف سياسياً على انه من يمين الجبهة القومية في حين كان الطلاب في صف اليسار، ولذا لم يستطع عمل أي شيء من شانه النهوض بالوزارة بسبب الفوضى التي كانت سائدة وقتذاك الناجمة عن الصراع بين يمين الجبهة القومية ويسارها وكان قطاع الطلاب قد وقف بكاملة مع يسار الجبهة القومية وعملوا على إفشاله وإعاقة مسيرته. غير أن ابرز نجاحاته انه ادخل نظام الثانوية العامة وربطها بالمنهج المصري حيث كان الطلاب يمتحنون الثانوية العامة وفقاً للنظام المصري ويتم تصحيح دفاتر الامتحان في مصر مما اكسب الشهادة اعترافاً في الجامعات المصرية والعربية.ومن ايجابياته كذلك انه اعتمد على مستشارين ومساعدين من ذوي الكفاءة والخبرة الذين تمرسوا على العمل التربوي في ظل الإدارة البريطانية وكان من هؤلاء من هو أكثر كفاءة من الوزير وأكثر دراية بتسيير شؤون الوزارة مما جعل بعضهم يقود الوزارة خلافاً لمشيئة الوزير حيث كان الوزير يخضع للضغوط السياسية ويعمد على إرضاء الطلاب في حين كان مدير عام التربية يميل إلى إرساء قواعد تربوية ويعمل على تعزيز النظم التربوية بالاعتماد على بعض النخب التربوية من قدامى المدرسين، ممن كانوا قد اكتسبوا خبرة تربوية في مدارس عدن.وجاءت حركة 22 يونيو 1969 لتطيح بجناح يمين الجبهة القومية ومن ثم إزاحة جعفر علي عوض من منصبه وكانت الحركة قد نهجت يسارياً متطرفاً وعلمت على تسييس التعليم والنظر إلى التعليم على انه مزرعة للتربية الاشتراكية وميداناً فسيحاً لنشر الفكر الاشتراكي فيما كان يعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.وقد أسندت وزارة التربية والتعليم إلى احمد عبدا لله عبد الإله، الذي عرف بميوله اليسارية فعمل على أحداث انقلاب ايديولوجي في وزارة التربية والتعليم فقال بإزاحة جميع القيادات التربوية التقنراطية بحجة عدم قدرتها على مواكبة تطورات المد الثوري المتطرف وقام في الوقت نفسه.بإحداث تغييرات جوهرية في المناهج التعليمية ، فقلل من الاعتماد على المناهج العربية ، وعم على يمننة المناهج ، وشرع بتشكيل لجان لتأليف الكتب المدرسية شملت معظم المقررات ، وقد أعتبر ذلك شيئاً جديداً بالنسبة للمدرسين والطلاب، وكان يراد من ذلك التغيير هو تسييس المناهج ، وهو ما أدى إلى اعتماد التعليم على التجريب أكثر من اعتماده على أسس علمية ، فغلب الطابع السياسي على معظم المناهج الدراسية ، في حين ظل المدرسون بعيدين عن العمل السياسي في المدارس ، وشرعت في إنشاء إدارة عامة في الوزارة تعني بالتثقيف السياسي ، واستحدث نائب سياسي في كل إدارة ، بما فيها إدارات المدارس، وكان ينظر إلى النائب السياسي على أنه النائب الأول ، بصرف النظر عن كفاءته وقدرته وخبرته ، كثيراً ما كان النواب السياسيون يرتقون بسرعة لشغل مناصب قيادية رفيقة في الوزارة أو في الإدارات العامة في المحافظات والمديرات ، وإدارة المدارس ، من غير أن يتم تأهيلهم في القيادة ، مما أدخل العمل التربوي في دوامة من الفوضى ، وهو ما هيأ لبعض العناصر الفاشلة تدريسياً في الاشتغال في العمل السياسي ، باعتباره أقصر طريق للوصول إلى المناصب القيادية ، في العمل السياسي ، وكان لاتجاه يمننة التعليم أثره البالغ في إنشاء كلية التربية العليا في عدن عام 1970 ، لغرض تأهيل مدرسين قادرين على التعاطي مع المناهج الجديدة ، وكانت كلية التربية العليا بمثابة اللبنة الأولى في إنشاء جامعة عدن .ومما ساعد على تسييس التعليم، وابتعاده عن الموضوعية في التعاطي مع القضايا التربوية كون الوزير كان متخصصاً في الفلسفة ، ولا علاقة له بالتربية والتعليم ، وهو ما جعله ينظر إلى التعليم من منظور أيديولوجي ، بالإضافة إلى كونه قد أزاح معظم الكفاءات من مواقعهم القيادية في المستويات المختلفة ، بما فيها الإدارات المدرسية ، وبسبب ذلك أقدمت بعض الإدارات المدرسية على إحراق كثير من الكتب التي كانت تضمنها بعض المكتبات المدرسية بحجة عدم توافقها مع الاتجاه الفكري للنظام السياسي القائم .وفي منتصف السبعينيات من القرن الماضي كانت الجبهة القومية قد دخلت في حوار مع بعض فصائل العمل الوطني ، أدى إلى اندماج حزب الشعب الديمقراطي الذي يقوده عبد الله باذيب مع حزب الطليعة الشعبية الذي يقوده أنيس حسن يحيى ، والجبهة القومية.وعلى أثر هذا الاندماج تولى عبد الله باذيب منصب وزير التربية والتعليم ، في أطار توزيع المواقع القيادية بين الفصائل المندمجة، وعلى الرغم من أن عبد الله باذيب كان قد عمل مدرساً في بعض المدارس الأهلية ، إلا أن تجربته التربوية كانت محدودة ، حيث كان نشاطه السياسي هو الغالب ، وقد تجلى ذلك بوضوح في أثناء قيادته لوزارة التربية والتعليم ، حيث كان يسعى لاستقطاب الطلاب لحزبه ، وباعتباره أميناً عاماً لحزب الشعب الديمقراطي ، كان رئيساً للكثير من لجان الحوار الوطني ، مما لم يتح له فرصة التفرغ لقيادة الوزارة وتحقيق انجازات ملموسة ، حيث تدل بعض الوثائق أنه كان منشغلاً في معظم الأوقات بحسم المشكلات الناجمة عن الصراع بين القطاع الطلابي التابع لاتحاد الشعب الديمقراطي ، والقطاع الطلابي التابع للجبهة القومية ، والذي كان أحياناً يصل إلى الضرب والاعتقال ، حيث كان القطاع الطلابي للجبهة القومية غير مقتنع بعملية الاندماج بين الجبهة القومية والفضائل الأخرى ، مما جعل عناصره تلاحق العناصر التنمية للفضائل الأخرى .لغرض تحجيمها والحد من نشاطها .وللحد من الصراع بين الفضائل في المدارس تولى الوزارة علي ناصر محمد والذي كان وقتها يشغل منصب رئيس الوزراء ، مما حال دون تفرغه لوزارة التربية والتعليم ، فأسند الأمر إلى وكيل الوزراء وقتذاك سعيد أبو الخير النوبان الذي كان يقوم بمعظم مهام الوزير ، وقد ساعده في ذلك انشغال الوزير ، بمهام رئاسة الوزراء ، إلى جانب أنه كان قد أكتسب خبرة قيادية تربوية من خلال مهامه السابقة في حضرموت حيث شغل فيها منصب مدير عام التربية في المحافظة .ولما كان سعيد النوبان مستقلاً ، وغير منتم إلى أي من أحزاب التحالف فقد كان يعني بالشأن أكثر من الشأن السياسي ، الأمر الذي جعله يساوم في كثير من القرارات الصادرة عن القيادة السياسية ، فكان مضطراً لقبول بعض التعيينات السياسية في المواقع القيادية في الوزارة ، نتيجة الضغوط السياسية ، والطابية والنقابية ، فقد نشطت في أيامه الحركة الطلابية ، وكانت لها اليد الطولي في اتخاذ القرار ، خاصة عملية الإيفاد في المخ الدراسية ، وكانت قيادات المنظمات الحزبية في المؤسسات التربوية هي التي تؤثر في اتخاذ قرارات تعيين القيادات التربوية وإدارات المدارس .وانتقل النوبان بعدها لرئاسة الجامعة وحل بدلاً عنه حسن السلامي، الذي كان قبلها مديراً عاماً لمركز البحوث التربوية ، وكان حسن السلامي قد أضفى على وزارة التربية والتعليم الصبغة العلمية ، وكان يهدف إلى تطوير المناهج التعليمية وإدخال قرارات جديدة تتلاءم مع متطلبات التنمية ، فأدخل العمل بنظام التعليم البولتكنيكي ، واستعان في ذلك بتجربة التعليم في ألمانيا الديمقراطية ، واستقدم خبراء ألمان في هذا المجال ، ومع ذلك فشلت تجربة التعليم البولتكنيكي ، بسبب عدم وجود القيادات الإدارية الوسطى التي تستوعب هذه التجربة ، حيث أنه لم تكن مؤهلة تأهيلاً علمياً للقيام بهذه المهمة ، ووقعت في أخطاء فادحة ، في هذا المجال ، ومن ذلك أن معدات ورش البولتكنيك كانت تصل إلى عدن - العاصمة - بصناديق ، تحوي كل منها نوعاً واحداً من آلات البولتكنيك ، وكان ينبغي أن تجمع تلك الصناديق في مخزن خاص ، ثم يتم فرزها وبعد ذلك يتم توزيعها على المحافظات ومنها إلى المديريات ثم المدارس ، إلا عملية التوزيع كانت عشوائية بحيث يرسل عشرة صناديق مثلاً إلى حضرموت ، ومثلاً إلى شبوة أو المهرة ، وهناك يتم توزيعها إلى المديريات ثم المدارس فتصل الصناديق إلى المدارس من غير أن تكون المدرسة مهيأة لاستقبال تلك الصناديق ، فتترك في الساحات لتتعرض للتلف والسرقات ، والأسوأ من ذلك أن الصندوق الواحد لم يكن يحتوي على جميع معدات ومتطلبات ورشة البولتكنيك ، بل يحتوي على نوع واحد منها ،وكأن يكون محتوى الصندوق الأول مطارق ، والآخر مسامير ، والثالث زجاج .. وهكذا ، ولكي يكتمل تجهيز ورشة واحدة من ورش البولتكنيك كان لا بد من البحث عن الصناديق الأخرى التي ربما تكون قد وزعت على مختلف المحافظات بطريقة عشوائية غير مبرمجة ، مما أدى إلى فشل التجربة .وكان السلامي طموحاً في تطوير التعليم إلا انه اصطدم بالقيادات الوسطى التي كانت موالية للوزير السابق النوبان ، وبالتالي لا تنفذ كثيراً من قرارات الوزير أو تتباطأ في التنفيذ ، ودخلت الوزارة في عهده في إشكالية البعثات التعليمية حيث كان قسم من المبعوثين يتم إيفادهم عن طريق الجامعة والقسم الآخر عن طريق الوزارة ، مما خلق نوعاً من الإزدواجية في عملية الإيفاد ومتابعة المبعوثين . وهو ما أدخل الوزارة في مما حكات أسفرت في الأخير عن إزاحة السلامي من وزارة التربية ، وإزاحة النوبان من الجامعة .وتولى قيادة الوزارة بعد السلامي سالم باسلم ، وفي عهده شهدت الوزارة نوعاً من الصراع بين الوزير ونائبه احمد صالح علوي ، بسبب تداخل المهام والصلاحيات ، حيث أستحوذ النائب على كثير من صلاحيات الوزير، لأن شخصية النائب كانت أقوى من شخصية الوزير التي أتسمت بالضعف عموم الدوائر في الوزارة لعدم التعامل مع النائب وعدم الإصفاء إلى توجيهاته . وقد كان لذلك دوراً سلبياً في عمل الوزارة ، وهو ما أدى إلى عدم ترك بصمات إيجابية على وزارة التربية والتعليم .
تحديات القيادات التربوية وأثرها في التربية
أخبار متعلقة