د . أحمد الصعفاني لصحيفة 14 اكتوبر :
لقاء/ وهيبة العريقي معضلات صحية وأمرض خطيرة ينظر إليها البعض باستخفافٍ فيرجون مسألة علاجها أياماً وربما أشهر أو سنوات، ليفيقوا على وضعٍ مزرٍ متردٍ وقد أوغل خطرها واشتدت ضراوتها.وهذا مألوف لدى الإصابة بالبلهارسيا، خصوصاً أن ثمة من يمعن في الخطأ ويتجاوز الحدود- للأسف - بإقدامه على التبول والتبرز بالقرب من مصادر المياه، بدلاً من أن يكون فاعلاً في مكافحة مرض البلهارسيا وغيرها من الأمراض التي تنتقل بواسطة تلوث المياه من خلال نهج السلوكيات الصحية الكفيلة بالحد تماماً من الإصابة بالبلهارسيا وغيرها، بما يؤمن ويعزز القضاء على هذا المرض والدفع بمساعي وزارة الصحة العامة والسكان نحو التخلص منه نهائياً. وقوفاً على هذه المعطيات وما يعزز نجاح حملة التخلص من مرض البلهارسيا التي سيعطى خلالها العلاج لجميع أفراد المجتمع من عمر(6 أعوام فما فوق) خلال الفترة (25 - 28 ديسمبر2010م) عبر المرافق الصحية والمدارس في المديريات المستهدفة بمحافظات (صنعاء-الضالع- ذمار- المحويت- ريمة- حجة).. أجرينا هذا اللقاء مع د. أحمد يحيى الصعفاني- استشاري أمراض باطنية ،جاء فيه.[c1]اكتشافه وتوطنه[/c]- مرض البلهارسيا - بحسب المصادر- قديم قدم الإنسان على هذه الأرض، فهلا أوضحت متى أكتشف هذا المرض؟ وما الظروف التي هيات وساعدت على انتشاره وتوطنه ؟-اكتشف المرض في القرن التاسع عشر في مصر، بالتحديد في عام (1861م) من قبل العالم(تيودور بلهارس)، وإليه تنسب تسمية هذا المرض.وهو - كما ذكرت- من أقدم الأمراض المعدية التي عرفها الإنسان .فقد وجد علماء الآثار بعض بيوض البلهارسيا في إحدى الموميات الفرعونية .وتصنف اليمن من الدول الموبوءة بالبلهارسيا من قبل منظمة الصحة العالمية وبأنها ذات توطن عال بهذا المرض. حيث ينتشر بشكلٍ كبير في بعض المناطق الزراعية الريفية التي تكثر فيها البرك والحواجز المائية والغيول، لعوامل متعددة ساهمت في استيطان هذا المرض في تلك المناطق، وأبرزها:- قصور وتدني الوعي الصحي وجهل المجتمع بماهية هذا المرض وأسبابه وطرق الانتقال والوقاية.- تدني المستوى المعيشي الذي يدفع الكثيرين إلى استخدام مياه البرك والحواجز المائية ومصادر المياه الراكدة أو البطيئة الجريان وذلك للأغراض اليومية بصورة إجبارية وعدم وجود البديل الصحي والمناسب.- اللامبالاة وعدم الاكتراث بعمل الفحوصات الدورية وبالأخص في المناطق الموبوءة.- إهمال علاج الحالات وعدم متابعتها وخاصة حالات الأطفال.- طول الفترة الزمنية ما بين حدوث الإصابة وظهور المضاعفات التي يمكن أن تمتد إلى عدة سنوات والتي قد تكون قاتلة لكثيرٍ من الحالات.كل ذلك وغيره أدى إلى تفشي البلهارسيا وساعد على انتشارها بصورة مستمرة و نمط متتابع في بعض المناطق في مجتمعنا.[c1] خصائصه وأنواعه [/c]- ماذا عن أنواع هذا الداء الطفيلي؟ وكيف يتمكن المرض من العيش والتطور في المياه العذبة واختراق الجلد وصولاً إلى جسم الإنسان ؟ - تصنف أنواع رئيسية للبلهارسيا يعتمد على نوع الطفيلي، وكذلك على منطقة الإصابة في جسم الإنسان. حيث يوجد نوعان فقط من هذا المرض في البلاد، هما:-- البلهارسيا البولية.- البلهارسيا المعوية.أما دورة حياة البلهارسيا فتبدأ من لحظة خروج البيوض من الشخص المصاب عن طريق البول أو البراز وطرحها في المياه العذبة الراكدة أو البطيئة الجريان، وتخرج من هذه البيوض (مهيدبات) تنطلق باحثة في هذه المياه عن العائل الوسيط (قواقع مائية) لتدخلها وتتكاثر فيها لتخرج منها بعد ذلك على هيئة (مشقوقات الذنب) ، وبأعداد هائلة تقوم بالانتشار في المياه باحثة عن ضحية جديدة. إذ تستطيع هذه (المشقوقات الذنب) أن تخترق الجلد والغشاء المخاطي للإنسان، وهي تعيش من يومين إلى ثلاثة أيام وتعتبر الطور المعدي للإنسان. فإذا ما دخلت إلى الجسم تبدأ بالسريان عبر الدم للأعضاء والأنسجة المختلفة ولا تلبث حتى تستقر في الكبد إلى أن تصل إلى مرحلة النضج . وبالتالي تهاجر عبر(الوريد البابي) إلى منطقة الحوض وغالباً ما تحل في القولون والمستقيم (في نوع البلهارسيا المعوية) أو المثانة البولية (في النوع البولي) ، أي بحسب نوع الطفيلي المهاجم.يستغرق كل ذلك ما بين(4 - 6 أسابيع) من بداية الإصابة ؛ ومن الأمعاء أو المثانة يبدأ الطفيلي بوضع بيوضه بأعداد متزايدة والتي تخرج من الجسم عن طريق البول أو البراز، فإذا ما صادفت مياه عذبة راكدة أو بطيئة الجريان، عندها تبدأ دورة حياة جديدة بنفس الطريقة التي ذكرتها سابقاً، ولكن مع ضحايا آخرين مسفرةً عن المزيد من الإصابات.[c1]الأعراض وآثارها [/c]- ما الأعراض والعلامات المرضية المترتبة على الإصابة بالبلهارسيا، سواءً المبكرة منها أو المتأخرة؟ - تمر أعراض البلهارسيا بعدة مراحل، وهناك المراحل المبكرة منها التي تبدأ بدخول الطفيلي للجسم وتستمر ليومٍ أو يومين، وغالباً ما تأتي على شكل حكة وظهور بثور جلدية واحمرار ناتج عن اختراق مذنبات الطور المعدي(مشقوقات الذنب)للجلد .ومع انتشار الطفيلي عبر الدم وسريانه في الجسم، تنتج تفاعلات حيوية وردود فعل مناعية تسفر عن أعراض تأخذ أسابيع لظهورها، منها الحمى والتعرق والصداع والتحسس الجلدي العام وآلام البطن والعضلات وتضخم طفيف للطحال، وقد يصاحب ذلك سعال والتهاب رئوي. بالتالي قد تستمر هذه الأعراض من أسبوع إلى أسبوعين ثم تزول تلقائيا، يتبعها فترة كمون أي بدون أعراض لمدة قد تصل إلى عدة أشهر، وبعدها تظهر أعراض تختلف باختلاف نوع ومكان الطفيلي المسبب.ففي البلهارسيا البولية يكون البول المدمم - عادة - أول الأعراض لهذا النوع ويصاحبه حرقة وصعوبة في التبول وآلام أسفل البطن وتكرار البول ؛ ويمكن أن يؤدي هذا النوع إلى ارتجاع البول إلى الكليتين وحدوث التهابات متكررة للجهاز البولي والتناسلي.أما بالنسبة للبلهارسيا المعوية فتأتي أعراضها على شكل مغص معوي متكرر يصاحبه براز مدمم وإسهال مخاطي وفتور عام وضعف وتضخم خفيف للكبد ؛ ومع مرور الوقت تظهر أعراض ارتفاع الضغط في الوريد البابي. وبالتالي ظهور المضاعفات التي غالباً ما تؤدي إلى الوفاة في معظم الحالات. [c1]المضاعفات وتداعياتها[/c]- ما طبيعة التداعيات والمضاعفات للإصابة المزمنة؟ وما مدى تأثيرها على الصحة؟ - مضاعفات البلهارسيا تعتبر الصورة النهائية والنمط العام للمرض، وهو ما نشاهده-غالباً- في المستشفيات والمراكز الصحية بصورة متزايدة.وغالباً ما تكون نتيجة إصابة المريض ببلهارسيا في الماضي لم تعالج وأُهمل متابعتها من قبل الطبيب المختص.وعادة ما تكون على هيئة:- هزال وضعف عام.- التهابات بولية متكررة وارتجاع بولي للكليتين والتهاب كلوي مزمن. - اعتلال كبدي مزمن.- غيبوبة كبدية حادة.- تضخم الطحال وصولاً إلى حجم كبير.- ظهور دوالي للمرىء وغالباً ما يصاحبه قيء دموي حاد.- استسقاء، وهو عبارة عن تجمع السوائل في التجويف البطني.بالإضافة إلى ظهور بعض حالات الإصابة بسرطان المثانة. [c1]انتهاج الوقاية[/c]- ما الدور الذي يقع على عاتق المجتمع تبنيه للحد من الإصابة بمرض البلهارسيا وتقليص انتشاره ؟ وما أهمية ترسيخ الوعي والمعرفة بضرورة الوقاية بما يحقق التخلص من البلهارسيا وصون وحماية المجتمع من المرض والإصحاح البيئي؟- المصاب بالبلهارسيا الحلقة الأضعف في سلسلة دورة حياة المرض، باعتباره المصدر الأساسي للعدوى لطرحه بيوض المرض بصورة مستمرة في المياه وإهماله قواعد النظافة الشخصية.وبالتالي الوقاية بشكلها الجوهري يلزمها رفع المستوى الصحي والمعيشي لدى المجتمع وتعريفهم بماهيته وخطورته وطرق انتقاله والوقاية منه، وأيضاً التركيز على أهمية الإسراع في علاج المصابين وخصوصاً الأطفال بمجرد ظهور أول الأعراض والمتابعة من قبل الطبيب المختص وتوضيح ما للفحوصات الدورية من أهمية في هذه الناحية، خاصة في المناطق الموبوءة. وهنا يأتي الدور الحيوي لوسائل الإعلام المختلفة في هذا المجال نظراً لقدرتها على الاتصال المباشر بالشريحة العظمى من المجتمع، والقدرة على منحهم قدراً من الوعي الصحي ومهارات سلوكية صحيحة تمكنهم من الاستفادة من وسائله المحلية وإمكانياته المتاحة للوقاية من هذا المرض وخلق روح المشاركة الفاعلة للعمل جنباً إلى جنب ليخلو المجتمع من البلهارسيا. بالإضافة إلى تعريفهم بالسلوكيات الصحية السليمة التي يجب عليهم إتباعها وتسليط الضوء على الممارسات الخاطئة التي من شانها أن تسهم في انتشار المرض، وكذا العمل على التخلص منها.ولا ننسى دور المدرسة في هذا الصدد في توضيح المفاهيم الصحية والاستعانة بالوسائل السمعية والبصرية من قبل المعلمين لتعريف الأطفال والنشء بهذا المرض وخطورته وطرق انتقاله والوقاية منه ومخاطر السباحة في البرك وحواجز المياه ومصادر المياه الراكدة والبطيئة الجريان وكيف أن التبول والتبرز فيها يعتبر المنفذ لانتشار المرض.وللوقاية من الأمراض المعدية بصورة عامة يجب التركيز على محاربة طرق انتشارهاومن هنا نجد أنه يجب التركيز أيضاً بالنسبة للبلهارسيا على الحلقة الأضعف في سلسلة دورة حياتها وهي الإنسان المصاب نفسه لإهماله قواعد النظافة الشخصية، باعتباره المصدر الأساسي للعدوى من خلال طرحه لبيوض الطفيلي بصورة مستمرة. ولا بد من التصدي لهذه المشكلة من خلال القيام بحملات وطنية واسعة خاصة في المناطق التي يستوطنها المرض، والعمل على تقديم العلاج للأشخاص المصابين وغير المصابين في تلك المناطق بصورة جماعية من عمر(6 أعوام فما فوق) وبصفة متكررة. وبعلاج المصابين وبناء وعي المجتمع بنهج السلوك الصحي والممارسات الصحية في تعامله مع المياه البطيئة الجريان والراكدة نصل إلى الحد من طرح البلهارسيا لبيوضها في المياه الراكدة والبطيئة الجريان، ومن ثم الحد من حدوث إصابات جديدة، ومنع استمرار دورة حياة المرض، وهو كل ما يلزم للوقاية ويمهد للقضاء على المرض.[c1]ختاما [/c]موعد انطلاقة حملة التخلص من البلهارسيا في الفترة (25 - 28ديسمبر 2010م) التي تستهدف تقديم جرعة دوائية مضادة لطفيل البلهارسيا لجميع أفراد المجتمع من عمر(6أعوام فما فوق) للمصابين وغير المصابين بالمرض على السواء وذلك في المرافق الصحية والمدارس بمديريات(بني مطر- همدان - جحانة- نهم - أرحب - الحيمة الداخلية - الحيمة الخارجية - صعفان- مناخة) بمحافظة صنعاء، ومديريات(مدينة ذمار- جبل الشرق - ضوران آنس- عتمة- الحدا - وصاب العالي- وصاب السافل- مغرب عنس) بمحافظة ذمار، ومديريات(الأزارق- مدينة الضالع- الحشا- الحصن- جحاف- قعطبة) بمحافظة الضالع، ومديريات(الخبت- مدينة المحويت- الرجم- الطويلة- حفاش- خميس بني سعد- ملحان- شبام كوكبان) بمحافظة المحويت وجميع المديريات بمحافظة ريمة. بالإضافة إلى مديرية حجة.والمأمول تحقيقه بإذن الله بلوغ هذه الحملة النجاح المنشود على غرار الدول التي نجحت بجدارة في التخلص من هذا المرض وهو ما أعتبره خطوة أولى ليمن بلا بلهارسيا.